التراجع الاقتصادي يخلق ظواهر تفتك بالمجتمع الأردني سجل في السنوات الأخيرة بروز ظواهر مقلقة في المجتمع الأردني لعل في مقدمتها تنامي ظاهرة الانتحار، حيث بلغت عدد الحالات المعلن عنها منذ بداية العام الحالي 30 حالة، وآخرها حادثة انتحار محاسب في صحيفة “الغد” التي هزت الرأي العام الأردني. وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بالأردن بشكل شبه يومي بأنباء عن حالات انتحار في المحافظات، وغالبا ما يأخذ الحديث عنها طابع السخرية المُرّة كحادثة محاولة انتحار عجوز في السبعين، هذا الأسبوع، لعدم تمكّنها من دفع تكاليف العلاج. ويجمع المختصون الاجتماعيون، على أن معظم حالات الانتحار مرتبطة بضغوط مالية، وأنه لا بد من التحرك جديا وإيجاد مقاربة شاملة يشترك فيها الجميع لاحتواء هذه الظاهرة. ويعيش الأردن وضعا اقتصاديا صعبا، دفع الحكومة لاتخاذ خطوات تقشفية أثّرت بشكل واضح على الطبقة الوسطى والضعيفة خاصة، التي باتت تعيش كما الدولة على المديونية. وآفة الانتحار وإن كانت تشهدها كل الفئات والطبقات، فإنها مستفحلة بشكل أكبر لدى فئة الشباب الذي يعاني الآلاف منهم من البطالة وانسداد الأفق. ولا يمكن حصر مسالة الانتحار في الوضع الاقتصادي الذي تشهده المملكة، فهناك عدة عوامل أخرى قد تدفع بالمرء في لحظة ضعف إلى اتخاذ قرار بوضع حدّ لحياته من بينها انتشار استهلاك المخدرات، فضلا عن مشكلة التفكك الأسري التي هي الأخرى تحولت إلى ظاهرة بحد ذاتها في المجتمع الأردني. ووفقا لإحصاءات محلية فإن الأردن أصبح يشهد حادثة انتحار كل ثلاثة أيام. ومن العام 2011 إلى أواخر 2016 ارتفعت معدلات الانتحار إلى نسبة 300 بالمئة تقريبا. مع الإشارة إلى أن هذه النسبة لا تشمل محاولات الانتحار أو التهديد بها، فضلا عن تلك غير المعلنة وهي بالتأكيد صادمة. ومعلوم أن المجتمع الأردني يرفض الانتحار وهذا مرتبط بشكل أساسي بثقافته الدينية والمجتمعية، وهو الأمر الذي يدفع بالكثيرين إلى التستر على هذا الجرم. ومن هنا يرجّح المختصون أن النسب المطروحة الآن قد تكون في واقع الأمر مضاعفة. وتبدي الدولة الأردنية وعيا متزايدا بضرورة التحرك لمواجهة هذه الظاهرة التي بالتأكيد لا تقل خطورة عن الإرهاب لا بل هي في حد ذاتها شكلا من أشكاله. وعممت وزارة الأوقاف خطبة موحدة، الجمعة، عنوانها “حرمة الدماء في الإسلام” ركزت فيها بالأساس على هذه الظاهرة. ونصت الخطبة على أن “لا يجوز لأي امرئ أن يقتل نفسه مهما اشتدت به ظروفه لأن ذلك هو قدره وعليه أن يرضى به ويصبر عليه وأن يبتغي الفرج من الله”. ويقول مختصون إن التركيز على الجانب الديني للتصدي لظاهرة الانتحار ليس كافيا، وإن كان مهمّا، ولا بد من التحرك صوب إيجاد استراتيجية شاملة، يشارك فيها المجتمع المدني والإخصائيون. سراب/12
مشاركة :