بعد ثورة 30 يونيو التي أنهت العام الأسود الذي حكمت فيه جماعة «الإخوان» مصر، قام الإخوان- في إطار انتقامها من شعب مصر- بحرق حوالي 70 كنيسة، وكان رد البابا تواضروس- رأس الكنيسة المصرية- هو التأكيد أن وطناً بلا كنائس أفضل عند أقباط مصر من كنائس بلا وطن. الآن يسير الدواعش على خطى الإخوان، يتوهمون أنهم قادرون على تحقيق ما عجز عنه كل أعداء مصر على مر التاريخ. بعد تفجير الكنيسة البطرسية في نهاية العام الماضي أثناء الصلاة، يعلنون أنهم سيواصلون استهداف أقباط مصر، يختارون مدينة العريش في شمال سيناء ليرتكبوا بعض جرائمهم المنحطة، ترحل بعض الأسر القبطية، التي لا يزيد عددها في المدينة على مائتي أسرة، إلى غرب القناة، حيث يتم تدبير إقامة مؤقتة لهم في مدينة الإسماعيلية، حتى يتم تطهير «العريش» من حثالة الدواعش المختبئين هناك من الضربات الساحقة التي يوجهها لهم جيش مصر وقوات الشرطة. في عام حكمهم الأسود.. فتح «الإخوان» أبواب سيناء أمام جماعات الإرهاب، وأصدروا قرارات العفو عن المسجونين منهم، وتركوا شحنات الأسلحة تتدفق لهذه الجماعات، ومعها شحنات الأموال اللازمة، كان الهدف هو تحويل سيناء إلى قاعدة لجماعات الإرهاب، وكان ظن «الإخوان» أن حكمهم سيطول لخمسمائة عام كما قال خيرت الشاطر للرئيس السيسي في لقاء شهير قبل 30 يونيو! وكانوا يدركون أن جيش مصر سيظل عقبة رئيسية أمام تحقيق أوهامهم، وأنه سيظل جيشاً وطنياً لا ينحاز إلا لإرادة الأمة، وعندما استقبلوا مسؤولي المخابرات الإيرانية بالقاهرة كانت نصيحتهم أن يكون لهم «حرسهم الثوري» الخاص، وكان ما يجري يومها في سيناء جزءاً من هذا المخطط!. وقد سقط الإخوان بعد ذلك، وتم إنقاذ مصر مما كان يخطط لها، لكن كان على مصر أن تخوض حرباً صعبة ضد إرهاب الإخوان والدواعش. وتحملت مصر عبء مواقف دولية لم تكن تدرك أن خطر الإرهاب لن يترك أحداً، وعبء انحياز أميركي ظل يراهن لفترة على الإخوان ويمنع عن مصر السلاح ويترك ليبيا في قبضة الميليشيات لتنفتح على مصر جبهة أخرى أخطر وأكثر تسليحاً!. واليوم تختلف الصورة.. استقرت الأوضاع تماماً في كل أنحاء مصر، و لم تعد هناك إلا هذه البؤر التي ما زالت تقاوم في شمال ووسط سيناء، والتي تعرضت- في الفترة الأخيرة- لضربات ساحقة في مراكز اختبائها في جبل الحلال بدروبه الوعرة، وأصبح ملجؤها الأخير هو التخفي وسط الأهالي في منطقة العريش، وأصبح سلاحها الأخير هو استهداف المدنيين حيث قتلوا- قبل ذلك- بعض الكبار من رجال القبائل لوقوفهم في وجه جرائمهم. كما ذبحوا رجلاً صوفياً شهيداً جاوز الثمانين من العمر، ثم التفتوا مؤخراً إلى المواطنين الأقباط وهم من الوافدين من المحافظات الأخرى للعمل في العريش، ليرتكبوا عدداً من الجرائم البشعة متصورين أن بإمكانهم إثارة فتنة طائفية لم تنجح محاولات إثاراتها على مر السنين، ومستهدفين إثارة الذعر لتصدير صورة خاطئة توحي بأن الأوضاع الأمنية خارج السيطرة، وأن سيناء في قبضة الإرهاب!. ويبقى السؤال: لماذا الآن؟! ولماذا وهم أول من يعلم أن إثارة الفتنة الطائفية في مصر هي رهان خاسر على الدوام؟! العوامل كثيرة.. ومنها أن ما يحدث من استهداف «ولو محدود» لأقباط مصر سوف يجتذب الأضواء الإعلامية في وقت يتعرض فيه الدواعش لانكسارات مهمة في العراق وسوريا، ويريدون أن يقولوا إنهم موجودون وقادرون- في جبهات عديدة- على ضرب المناطق الرخوة وإلحاق الأذى بمن يقف ضدهم. ومنها اقتراب موعد الزيارة المرتقبة للرئيس السيسي لأميركا، حيث سيكون ملف الإرهاب حاضراً بقوة في المباحثات، وحيث يخشى الإخوان من تنفيذ وعد الرئيس الأميركي ترامب بإدراج الجماعة كمنظمة إرهابية. ومنها أيضا النجاحات التي تحققت في ضرب جماعات الإرهاب والإخوان الداعشي في ليبيا، ومحاولة إبقاء التواجد الإرهابي على الحدود الغربية والشرقية في وقت واحد لاستنزاف الجهد، وتوسيع جبهة العمليات. ثم يبقى الأهم، وهو ما يتعلق بإسرائيل والقضية الفلسطينية.. حيث ترافق حديث الرئيس الأميركي ترامب أثناء زيارة نتنياهو لأميركا، والذي تراجع فيه عن الالتزام الأميركي بحل الدولتين، مع تحركات إسرائيلية مريبة.. بدءاً من الكشف عن اجتماع العقبة في العام الماضي، إلى الزعم الذي تم تكذيبه بعد ذلك بأن مصر وافقت على أن تتنازل عن جزء من سيناء لينضم إلى قطاع غزة في إطار حل مقترح.. وهو أمر كانت واشنطن وتل أبيب تأملان في تحقيقه على يد الإخوان أيام حكمهم، لكنه في حكم المستحيل بالنسبة لشعب يعتز بكل شبر من أرضه، ولجيشه روى رمال سيناء بدمائه على مر السنين، وسقط منه آلاف الشهداء «مسلمين ومسيحيين» دفاعاً عن أرض الوطن. فهل يراد تصوير مصر على أنها لا توفر الحماية الكاملة لمواطنيها الأقباط؟ وهل يراد استغلال صورة زائفة عن وضع مضطرب في سيناء لوضع الملف الخاص بها على مائدة التفاوض؟ أم أن الأمر فقط هو محاولة للانتقام من تمسك مصر بسيادتها الكاملة على كل شبر من أرضها، كما هو محاولة للإضرار بالمساعي الناجحة لعودة السياحة التي تعول عليها مصر كثيراً لإنعاش الاقتصاد؟. علامات استفهام كثيرة.. والإجابة المؤكدة لكل ذلك هي أن الوحدة الوطنية في مصر أقوى من كل تآمر. وأن الإرهاب الإخواني الداعشي ليس له من مصير إلا الهزيمة الكاملة، وأن سيناء التي توضأت بدماء الشهداء ستتطهر من دنس الإرهاب، وأن من يتوهم أن مصر يمكن أن تتخلى عن متر واحد من أرضها هو باحث عن المستحيل!.
مشاركة :