تشهد سوق الماس ثورة بكل ما للكلمة من معنى حالياً مع بدء ظهور الإنتاج الصناعي أو ما بات يعرف بـ«زراعة الماس». هذه «الثورة» آتية من «وادي السيليكون» الأميركي، حيث قامت مختبرات باستثمارات كبيرة في شركة تنتج من الغازات وذرات الكربون ماسات كاملة المواصفات. والإنتاج الأولي «مذهل في جودته»، بحسب الخبراء في هذا القطاع، لا سيما من حيث الصلابة والوضوح، والخصائص البصرية، والقص، واللون، والقيراط، وثني الأشعة وعكسها. ويقول أحد الخبراء في بروكسل: «إذا كانت الماسة الطبيعية تتشكل جيولوجياً في مدى ملايين السنين، فإن الإنتاج في المختبرات ذات المفاعلات الحرارية العالية لا يحتاج أكثر من 4 أسابيع. والنتائج الأولية الواعدة دفعت أحد كبار المستثمرين في (تويتر) والممثل ليوناردو دي كابريو وآخرين لتوظيف أموال طائلة في هذه الصناعة». أما عن التسويق، فيؤكد الخبير أنه «مشجع جداً، لأن كلفة الإنتاج الصناعي أقل من الطبيعي بنسبة تتراوح بين 10 و40 في المائة حسب تطور المختبر وطريقة إنتاجه. والأسعار في الأسواق أقل بنسبة 30 إلى 50 في المائة»، مشيراً إلى أن «الكلفة ستنخفض أكثر مع التطور التكنولوجي القادر الآن على خلق بيئة مشابهة تماماً لبيئة داخل الأرض، حيث يتشكل الماس الطبيعي». إلى ذلك، يلاحظ المعنيون في تجارة المجوهرات كيف أن «المنتجين الصناعيين يعتمدون على حجج كثيرة لتسويق منتجاتهم المختبرية؛ أبرزها الحجة الأخلاقية، لأن وراء الماس الطبيعي، برأيهم، نهب ثروات وتخريبا بيئيا واستغلالا للبشر خصوصاً الأطفال... ناهيك عن المافيات التي تتحكم أحياناً في أحد مفاصل سلاسل الإنتاج والتصنيع والتسويق». ويذكر أنه في السنوات الماضية، ظهر مصطلح «الماس الدموي» للتعبير عن إنتاج يمول صراعات وحروبا في بعض الدول. من جهة أخرى، هناك الحاجة الاقتصادية التي يعول عليها المنتجون الجدد، لأن الماس يدخل في صناعات موصلات الحرارة وأشباه الموصلات وعوازل الكهرباء الطبيعية وفحص العناصر ورؤوس أدوات القص والثقب والألواح الشمسية والليزر شديد القوة... وكل هذه الصناعات مرشحة لتفضيل منتجات الماس الصناعي لأنه بأسعار أقل. وهناك حجة أخرى لا تقل أهمية، بل هي أقوى بكثير بنظر المستثمرين في «وادي السيليكون»، ومفادها أن «الإنتاج الطبيعي وصل إلى ذروته، ويتراجع سنويا بنسبة ما بين 1 و2 في المائة بسبب استنفاد المناجم»، مستندين في ذلك إلى تقرير صادر عن شركة «بين» المتخصصة بالاستشارات توقع أن «يصل حجم إنتاج الماس الطبيعي في العالم إلى ذروته بحلول عام 2019، بعدئذ ستنخفض الإمدادات تدريجيا حتى 2030». وكان تقرير لشركة «مورغان ستانلي» توقع أيضاً أن «يصل حضور الماس الصناعي في الأسواق إلى 7.5 في المائة من إجمالي السوق بحلول 2020»، صعوداً من 1 إلى 2 في المائة حالياً. ويقول أحد المنتجين في المختبرات إن «المحاولات بدأت منذ خمسينات القرن الماضي، إلا أنها فشلت ولم تستطع الوصول إلى الجودة المطلوبة. أما الآن، فالإنتاج الصناعي فائق الجودة باعتراف المعاهد الدولية المتخصصة في الفحص والتصنيف، ما شجع على ضخ استثمارات في 12 شركة حول العالم خلال فترة وجيزة». وخلال الأعوام الماضية، شهد هذا القطاع تغيرات كبيرة بعدما دخلت شركات صغيرة لتلعب دوراً في توريد الماس الخام إلى العالم. مع ذلك، لا تزال «دي بيرز» و«آلروزا»، أكبر الشركات على الإطلاق. وبحسب «عملية كيمبيرلي» التي تقوم بالتصديق على المنتجات الماسية، هناك 22 دولة في العالم تنتج الماس الخام. بينها 6 دول تهيمن على أكثر من 90 في المائة من الإنتاج البالغ 127 مليون قيراط سنويا. وتتصدر روسيا القائمة في عام 2016 بإنتاج 40.8 مليون قيراط، تلتها بوتسوانا بـ21.7 مليون قيراط، ثم الكونغو بنحو 16 مليونا، وأستراليا بنحو 14 مليونا، وكندا بنحو 13.6 مليون قيراط. وبالإضافة إلى تحدي بدء ظهور إنتاج المختبرات، فإن مبيعات الماس تهبط بنسب «مقلقة» وفقا لكبار التجار. ففي عام 2015، وصل إجمالي الصادرات إلى 121 مليار دولار، مقابل 154 مليار دولار في عام 2011، وخلال الفترة بين عامي 2014 و2015 فقط انخفضت قيمة الصادرات عالمياً بنسبة 20 في المائة. ويؤكد التجار أن «الطبقة الوسطى الأميركية تبقى المحرك الرئيسي لمبيعات سوق المجوهرات العالمية المصنوعة من الماس، فقد استوردت الولايات المتحدة في عام 2015 ماساً بقيمة 24 مليار دولار، تلتها هونغ كونغ بقيمة 19.1 مليار دولار، ثم الهند التي استوردت بقيمة 16.4 مليار دولار، وبلجيكا استوردت بقيمة 15.6 مليار دولار، تليها دولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة 7.9 مليار دولار». وكسائر القطاعات الأخرى في العالم، شهدت صناعة الماس الكثير من الأحداث التي أثرت في استقرار سوقها. بدءاً من الماس الاصطناعي، وصولاً إلى تغير العلاقة بين الأطراف التي تقوم بلتميع وتقطيع الحجر، علاوة على الاكتشافات الجديدة في كندا، والحروب الأفريقية. وجميع هذه العوامل جعلت من الصعوبة بمكان التحكم بإمدادات الماس. لكن أبرز ما شهدته الصناعة، الحروب الوحشية في غرب أفريقيا التي استخدم فيها الماس كمصدر للتمويل، لا سيما في أنغولا وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا وسيراليون. وتعتبر منظمة «غلوبل ويتنس» أول من لفت انتباه العالم لهذه المشكلة التي أطلق عليها اسم «الماس الدموي»، حيث أصدرت تقارير فضحت دور الماس في تمويل الحروب. وسلطت الضوء على مشكلة متعلقة بالممارسات السرية في صناعة الماس العالمية، وحرضت الحكومات على اتخاذ إجراءات. لهذا قام المجلس العالمي للماس، بإصدار ما يُسمى بعملية «كيمبرلي»، وهو نظام ذاتي لإصدار شهادة المنشأ، لوقف تدفق «الماس الدموي» من مناطق النزاع.. ورغم هذه الخطوات الإيجابية، لكن القضية لم تنته.
مشاركة :