"شتاء آخر".. مذكر يعود عليها

  • 4/23/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في مجموعة: "شتاء آخر"، للقاصة تغريد العلكمي، لفت نظري شيئان: أحدهما؛ الزمن بوصفه قضية، والآخر؛ البرودة بوصفها شعورا. الزمن في "شتاء آخر"، ليس ذلك الزمن السطحي الذي تدور فيه الأحداث في حالتها العادية، وليس أطوارا ولا مراحل، وليس ثواني أو دقائق أو ساعات، أوغيرها مما يعرفه الناس كلهم، وإنما هو الزمن الذي تحس به الشخصية. هو زمن الذات، أو "الزمن الذاتي" الذي لا يخضع لمعايير حسابات الزمن العادية. في جل قصص المجموعة، تتمدد اللحظات وكأنها سنوات، وهي في غالبها ليست لحظات ورائية، بل هي لحظات آنية تختلط فيها إحباطات ونجاحات وسرور وحزن وملل. في قصة "حين يتمدد الفراغ"، يكون الإحساس بالزمن هو القضية؛ لأن الفراغ في حقيقته زمن يشبه البالون، وفي "محاولات فاشلة للتدفئة"، يكون زمان البرد هو المحور، والوحدة هي البرد، مما يعيد القارئ إلى "الزمن الذاتي" من جديد، والحكم نفسه ينسحب على قصص: "أرق، ومساء الجرح، وشتاء آخر، وعندما تغترب الذات". القاصة تروي بضمير الغائب المذكر، في قصصها كلها باستثناء قصتي: "حزن بنكهة القرفة"، و"نقص مؤلم"، لكن الزمن المطاطي الذي يشعر به الأبطال لا يليق إلا بأنثى في مجتمع منغلق، حيث لا أنيس إلا الجدران، وحيث الانتظار هو السيد، وحيث الليالي التي لا تنتهي بصباحاتها، إلا وتبدأ بامتداداتها.. إنه الملل الأنثوي بامتياز، وكأن القاصة قد كتبت مجموعتها على لسان تغريد العلكمي، ثم فرت بها خشية المحيط المنغلق نحو رجل تستتر خلفه. أما البرد، فهو قضية أخرى، إذ يسيطر على أغلب ليالي الـ"شتاء الآخر"، وهو ليس بردا حقيقيا، وإنما هو الوحدة والانتظار والملل والسكون، أي هو البرد على مستوى إحساس الشخصيات به، وهو في عرف الشعراء رامز دائم للجفاء والحنين والوحدة. البرد بوصفه شعورا لا طقسا، يتقاطع مع الزمن في نقطتي: تداعي الخواطر، وتتابع الأشجان؛ ذلك أنه لا يكون إلا في لحظات تماوج اللحظات، أو طولها، أو ذهول الشخصية عن عالم العالم، ودنيا الناس. أما على المستوى النفسي، فإن أزمنة "شتاء آخر"، وطقوسها الباردة، تحيل إلى الكاتبة بشكل واضح، على الرغم من اختبائها خلف ضمير الغائب المذكر، إلا أنها تلوح للقارئ من خلفه دون أن تعي ذلك، وتقول: هذه مرحلة من حياتي أنا، لكنني لن أبوح، وقد باحت. "شتاء آخر"، هي المجموعة الأولى لتغريد العلكمي، وهي ليست خارجة عنها، كما يتوهم قارئ للوهلة الأولى، بل إنها هي وإن غابت الأماكن الواقعية، وتوارت الضمائر الحقيقية. أبطال قصص "شتاء آخر" الذكور بضمائر المخاطب، هم الكاتبة بكل مشاعرها الصادقة، سواء أرادت ذلك أم لم ترده.

مشاركة :