موسيقيون سوريون يغنون للعودة بين اثار مدمرة على مسرح مدينة تدمر

  • 3/5/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تدمر (سوريا) (أ ف ب) - فوق انقاض واجهة المسرح الروماني في مدينة تدمر الاثرية، تجلس الشابة انجل ديوب لتغني "راجعين يا هوى، راجعين" بعد يومين على استعادة الجيش السوري السيطرة على المدينة من تنظيم الدولة الاسلامية. الى جانب انجل، يعزف موسيقيون آخرون على آلات القانون والعود والكمان والدف فيما يمر قربهن جنود سوريون وعسكريون من روسيا، ومن بعيد تسمع اصوات انفجارات بعضها ناجم عن تفجير الغام واخرى لغارات ما زالت تستهدف نقاط الجهاديين خارج المدينة. وتقول انجل، التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من العمر، لوكالة فرانس برس "قليل من الدمار لا يعيقنا عن المجيء والعزف والغناء على هذا المسرح رغم ما لحق به". وتضيف الفتاة، احدى اعضاء فرقة "شام" الموسيقية، "أتمنى أن أغني وأعزف في كل مكان يخرج منه التنظيم (تنظيم الدولة الاسلامية) الذي يكره الغناء ويحرّم العزف". واستعاد الجيش السوري الخميس بغطاء جوي روسي ومشاركة مستشارين روس مدينة تدمر في محافظة حمص بعد طرد جهاديي تنظيم الدولة الاسلامية. وكان هؤلاء تمكنوا من الاستيلاء على المدينة مجددا في 11 كانون الاول/ديسمبر بعد ستة اشهر على طردهم منها المرة الاولى من قبل الجيش السوري. وسيطر الجهاديون على المدينة المرة الاولى في الفترة الممتدة من ايار/مايو 2015 حتى آذار/مارس 2016. واقدم التنظيم المتطرف خلال الفترة الاولى على تدمير معبدي بعل شمسين وبل وقوس النصر وقطعاً أثرية في متحف المدينة. ودمر مطلع 2016 التترابيلون الاثري والحق اضرار بواجهة المسرح الروماني، الامر الذي اعتبرته الامم المتحدة "جريمة حرب". وفوق حجارة سقطت من واجهة المسرح الروماني، تغني انجل الاغنية تلو الاخرى ويعلو صوتها مع اغنية "راجعين يا هوى". وتقول "غنينا +راجعين+ لأننا سنعود أقوى مما كنّا لنعمّر سوريا"، مضيفة "كلّ منا يعيد إعمارها بطريقته، ونحن نريد إعمارها بالموسيقى والغناء". - "داعش الظلام والموسيقى نور" - ويعود تاريخ مدينة تدمر الملقبة ايضا "عروس البادية" الى أكثر من ألفي عام وهي مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) للتراث العالمي الانساني نظرا لآثارها القيمة. ومباشرة بعد استعادة الجيش السوري السيطرة عليها، سارعت الفرق الموسيقية الى زيارة المدينة كجزء من جولة اعلامية نظمتها محافظة حمص نهاية الاسبوع الحالي. وعند احد اطراف المسرح الروماني تعزف ميساء النقري على آلة العود وتدعو الموجودين الى التجمع حولها والغناء معها. تناديهم للصعود الى المسرح وسط الحجارة الاثرية المتناثرة حولها. وتقول المراة وهي في الثلاثنيات من عمرها لفرانس برس "أراد تنظيم داعش أن يحرمنا من هذا المسرح، وأن يمنع عنا الغناء، وأردتُ ان اتحداه، وها أنا أتغلّب عليه". تدعو النقري، بمعطفها الجلدي الاسود وشعرها الاجعد المصبوغ باللون الاحمر الداكن، الموسيقيين الآخرين للانضمام اليها والعزف سوية. وتقول "داعش فكرة ظلامية، والموسيقى نور"، مضيفة "نحن هنا لنوصل صوت المرأة السورية المتحدرة من زنوبيا ملكة تدمر" في اشارة الى ملكة تدمر الشهيرة التي شهدت المدينة في ظل حكمها اوج ازدهارها في القرن الثالث بعد الميلاد. ورد اسم مدينة تدمر للمرة الاولى في مخطوطات مملكة ماري في الالفية الثانية قبل الميلاد بحسب موقع اليونسكو، عندما كانت واحة لعبور القوافل واحدى محطات طريق الحرير بعد سقوطها تحت سيطرة الرومان في النصف الاول من القرن الاول الميلادي واعلانها ولاية رومانية. واصبحت تدمر مدينة مزدهرة على الطريق التي تربط بلاد فارس بالهند والصين والامبراطورية الرومانية بفضل تجارة التوابل والعطور والحرير والعاج من الشرق والتماثيل وصناعة الزجاج الفينيقية. وقبل بدء النزاع في سوريا العام 2011 كان اكثر من 150 الف سائح يقصدون "عروس البادية" الواقعة في قلب بادية الشام. - "خدوش على وجه الجميلة" - وتكمن المهمة الصعبة اليوم في تقييم حجم الدمار الذي الحقه الجهاديون مجددا في المدينة، وهذا ما يقوم به رئيس قسم الهندسة في مديرية آثار حمص وائل الحفيان (40 عاما). يتجنب الحفيان الدوس على الحجارة المنقوشة والتيجان مما تبقى من اعمدة دمرها الجهاديون. ويقول لفرانس برس "لا يمكن لأحد يملك ذرة إنسانية ألا يحزن لهذا المشهد"، مضيفا "سأبقى حزينا حتى تعود تدمر كما كانت". لم يتمكن الحفيان من اخفاء دموعه، المرة الاولى حين شاهد التترابليون المدمر، المعلم المكون من 16 عمودا ويعود الى القرن الثالث، والمرة الثانية حين شاهد الاضرار التي لحقت بالمسرح الروماني الذي يعود الى القرن الثاني الميلادي. ورغم الدمار من حوله، يؤكد الحفيان ان ترميم ما خلفه الجهاديون من دمار ممكن. ويقول "هذا ليس صعبا، يمكننا إعادة الترميم (...) هناك تواصل دائم مع اليونيسكو ومع منظمات دولية اخرى للمساعدة على اعادة ترميم تدمر". يسجل الحفيان على دفتر صغير مشاهداته ويلتقط الصور بهاتفه الخليوي. وحين سؤاله عما بقي من المدينة، يعض مهندس الاثار على شفتيه ويصمت للحظات ثم يقول بنبرة قوية "بقيت كل تدمر، بقي تاريخ تدمر". ويضيف "لا يمكن أن تشوه خدوش صغيرة جمالها. رغم فداحة ما فعله داعش، كل هذا الإجرام لا يعدو مجرد خدوش على وجه هذه الجميلة التي اسمها تدمر".ماهر المونس © 2017 AFP

مشاركة :