نشرت جريدة الاقتصادية في عددها 9073 التقرير التالي: «قال العقيد الدكتور زهير بن عبدالرحمن شرف مدير الأنظمة واللوائح في مرور منطقة المدينة المنورة إن معدل الوفيات في حوادث الطرق في السعودية 17 شخصاً يومياً، أي شخص كل 40 دقيقة، كما بلغ عدد المصابين أكثر من 68 ألفاً سنويّاً، وزادت الخسائر المادية على 13 مليار ريال في السنة. ووصف الحوادث المرورية بـ «إرهاب شوارع»، لا تقل خطورته عن الإرهاب الإجراميّ المُنظَّم، مشيراً إلى أن السعودية تحتل المركز الأول عالميّاً في عدد حوادث الطرق. جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها في الجامعة الإسلامية ضمن فعاليات أسبوع المرور الخليجي التاسع والعشرين أشار فيها إلى ارتفاع عدد ضحايا الحوادث في السعودية الذي تجاوز في العقدين الماضيين أكثر من 86 ألف شخص، وقال إنه تجاوز عدد ضحايا حروب الأرجنتين، وحرب الصحراء الغربية، وحرب الهند وباكستان، وحرب الخليج، وحرب نيبال الأهلية، وحرب استقلال كرواتيا التي بلغ مجموع ضحاياها 82 ألف شخص». انتهى. تشير هذه الأرقام المفجعة بكل المقاييس، التي وردت على لسان أحد قادة جهاز المرور في المملكة، إلى فشلٍ ذريعٍ لا يمكن تبريره، ولا يصح التهاون في معالجته، هذا الفشل المشترك بيننا جميعاً في السعودية، بدءاً بجهاز المرور اللامبالي، وجميع أجهزة الدولة ذات العلاقة، ومروراً بالأسرة الغافلة، وصولاً إلى النظام التعليمي البعيد عما نحتاج إليه. ورغم أنّ هناك تقارير أخرى تشير إلى أرقامٍ أكبر وأكثر إيلاماً إلاّ أنّنا سنكتفي بهذه الإحصائية كونها صدرت عن أحد قادة جهاز المرور، هذا الجهاز الذي أصبح أثراً بعد عين، فمن يقارن حال هذا الجهاز قبل عقدين من الزمان بحاله الراهن سيضع يده على أهم أسباب هذه الأرقام المفجعة، فقد كان جهاز المرور يتمتع بصلاحياتٍ واسعةٍ، ويملك السطوة والهيبة اللازمة لفرض النظام في الشوارع وضبط حركة السير، أمّا حاله الآن فليس بعيداً عن قول الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن ضاع نفخك في الرماد حيث أصبح جهاز المرور لدينا جهازاً روتينياً تتلخص وظائفه في إصدار أوراق المركبات وتجديدها، وفي حال قيام أفراده بجولاتٍ ميدانية فإنهم ينشغلون بنزع العوازل من زجاج السيارات ومخالفة أصحابها، هذه وظائف المرور الحالية!! أمّا ضبط حركة السير وفرض هيبة النظام في الشوارع فقد تركه هذا الجهاز العتيد لضمائر الناس ووازعهم الديني والأخلاقي، فمنذ أصبحت شركة نجم تباشر حوادث السيارات المؤمنة، وأصبح ساهر يقوم بوظيفة الجباية بدلاً عن المرور لم يبقَ لهذا الجهاز عمل! وبما أنّ عمل أجهزة المرور في كل دول العالم ليس سراً من الأسرار فنرجو من مرورنا الموقر أن يراقبهم ويتعلم منهم فقط، وقد استبشر كل مواطنٍ حريص على أنظمة المرور بنظام ساهر في البداية؛ حيث كان المأمول من هذا النظام التقني أن يساهم في وقف نزيف الدماء ومجازر الشوارع، ولكن ذلك لم يحدث مع الأسف الشديد؛ حيث ارتفعت نسبة الوفيات المرورية منذ تطبيقه كما يذكر هذا التقرير المنشور في نفس المصدر السابق: «ارتفعت حصيلة الوفيات نتيجة الحوادث المرورية في السعودية خلال عام 2012 بنسبة 24%، إلى 21 حالة يومياً، مقارنة بـ 17 حالة في عام 2009 قبل تطبيق نظام «ساهر» للمرور، وتصدرت منطقة مكة المكرمة بقية المناطق في أعداد الوفيات والمصابين خلال عام 2012، بنسبة 25% من إجمالي الوفيات و27% من إجمالي الإصابات، فيما جاءت منطقة الرياض الأعلى في عدد الحوادث بـ 28% من إجمالي حوادث المرور في السعودية، بحسب بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات. ووفقا لدراسة أعدتها وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة «الاقتصادية»، ارتفع عدد الحوادث في 2012، بنسبة 22% إلى 1614 حادثاً يومياً (67 حادثاً في الساعة)، مقارنة بـ 1328 حادثاً يومياً (55 حادثاً كل ساعة) خلال عام 2009 أي قبل تطبيق النظام. وبلغ عدد الوفيات خلال عام 2012، نحو 7.6 ألف حالة وفاة، تعادل أكثر من مرتين ونصف المرة ضعف ضحايا العنف في العراق خلال العام نفسه، البالغ أقل من ثلاثة آلاف حالة وفاة». انتهى. هذا الارتفاع الكبير بما يقارب 25% بعد تطبيق النظام لا يعني أنّنا نطالب بإلغائه؛ فقد جربته كثيرٌ من الدول ونجح فيها نجاحاً باهراً، فلماذا لم ينجح لدينا؟ السبب في غاية الوضوح، في الدول التي نجح فيها هذا النظام تم تصميمه لحماية الأرواح، أمّا لدينا فقد تم تصميمه لجباية الأموال! ففي دبي مثلاً في شارع زايد توجد كاميرا في كل نصف كيلومتر تقريباً، بينما لدينا في طريق الرياض الدمام توجد كاميرا في كل خمسين كيلومتراً تقريباً! وعلى ذلك يمكن القياس، فوضع هذا العدد القليل من كاميرات المراقبة في شوارعنا ومحاولة إخفائها كذلك! جعل الأمر يبدو أشبه بمحاولة تشجيع السائق على المخالفة ثم اصطياده ومخالفته بعد ذلك وليس منعه من المخالفة كما هو المفترض بالنظام!! هذا فيما يتعلق بجهاز المرور والأجهزة الأخرى التي يشرف عليها، الذي مهما حاول أفراده التبرير فلن ينجحوا؛ فالأرقام التي توردها التقارير تقطع قول كل خطيب، ولأنّ الأنظمة والقوانين متوفرة لدى هذا الجهاز فلن نطالبهم بإعادة اختراع العجلة، بل نطالبهم بتطبيق الأنظمة بصرامة على جميع السائقين، وسحب رخص القيادة من المتهورين كما هو المعمول به في جميع أنحاء العالم. فهل هذا كثيرٌ؟ ولكي نكون منصفين يجب التأكيد على أنّ جهاز المرور وإن كان المسؤول الأول عما يحدث في شوارعنا إلاّ أنّه ليس المسؤول الوحيد، فحال بعض طرقاتنا لا يصلح إلا لقيادة الجمال والدواب؛ حيث تفتقد معظم هذه الشوارع لجوانب السلامة ومعايير الهندسة الحديثة للطرقات، وهذا واضحٌ لا يحتاج إلى الشرح، كما أنّ كثيراً من سائقي السيارت من العمالة الوافدة جاء إلى هذا البلد وهو لم يقد سيارةً في حياته، ثم بدأ التعلم في شوارعنا وطرقاتنا، وأتمنى أن نجد إحصائية مفصلة توضح لنا بالتحديد نسبة حوادث سيارات الليموزين وسيارات النقل الكبيرة التي يقودها عمالةٌ وافدة بعضهم لا يحمل إقامةً ناهيك عن رخصة قيادة! أمّا دور الأسرة والتعليم في الحد من هذه الكوارث فهو دورٌ جوهري، يمنعه من التأثير غياب الأسرة والتعليم في مجتمعنا عن كل ما يهم الناس وليس عن هذا الأمر فقط. ولذلك أناشد وزير الداخلية محمد بن نايف وهو الرجل النظامي الصارم والدقيق، أن يعيد لجهاز المرور هيبته، وأن يعمل على توفير كل ما يحتاجه هذا الجهاز من الصلاحيات والتجهيزات التي تمكّنه من القيام بعمله، وتعينه على الحد من حرب الشوارع المجنونة لدينا. المقال القادم سيكون عن الحرب الثانية، حرب المخدرات -إن شاء الله-.
مشاركة :