برز ملف الإيداعات المليونية المشبوهة في أواخر مجلس 2009. وأدت إلى استقالة الحكومة وحل مجلس 2009. وكانت عبارة عن تهم وجهها بعض نواب المجلس إلى نواب آخرين. ادعوا بمقتضاها أن أولئك النواب قد تضخمت أرصدتهم البنكية بملايين من الدنانير خلال فترة أشهر محدودة. وهو أمر أثار الريبة والشكوك، مما استدعى تحويل الملف إلى النيابة العامة للتحقيق فيه. إلا أن النيابة بعد التحقيقات والإجراءات الطويلة التي اتبعتها قد حفظت القضية لعدم وجود أدلة تثبت أن تلك الأموال قد تم تحصيلها بطرق غير مشروعة. ورأت النيابة أن من لديه دليلا غير ذلك الذي قدم فليتقدم به للنيابة. ولكن فوجئنا قبل أسابيع أن النائب رياض العدساني يطالب بمناقشة ملف الإيداعات مرة أخرى وحصل على موافقة المجلس. ولكن في هذه المرة مع ذكر أسماء الأعضاء والمبالغ التي حصلوا عليها. وتحولت الجلسة إلى مشادة بين الأعضاء وتبادل الاتهامات بينهم واستغرقت لفترة. وعلى الرغم من الضجيج الإعلامي والتجاذبات السياسية التي سادت جو تلك الجلسة، فإنها كانت من وجهة نظري مجرد ضجيج إعلامي وخالية من أي مضمون سياسي. لأنها كانت لا تحمل أي أدلة جديدة تستدعي بحثها وإثارتها مرة أخرى. ولم يأت بحثها مجددا بأي فائدة تعود على الدولة أو المجلس بل كان ضرر بحثها مجددا هو الواضح، حيث اتسعت شقة الفرقة والخلافات بين الأعضاء. أما إذا كان الهدف من إثارة الموضوع إظهار الحاجة إلى سن تشريع جديد يطالب أي شخص سيتولى منصبا قياديا في الدولة، كوزير أو عضو في مجلس الأمة والموظفين القياديين في الدولة ورؤساء وأعضاء مجالس الشركات العامة المساهمة، بأن يكشف عن ذمته المالية وذمة أقاربه، كزوجته وأبنائه القصر، قبل التحاقه بالمنصب وبعد انتهائه لمعرفة الأموال التي حصل عليها وكيف حصل عليها، وذلك لمحاربة الكسب غير المشروع الذي يعتقد أنه تفشى في السنوات الأخيرة، فهذا أمر قد يكون جيدا، ولكن كان من الممكن تقديم اقتراح بهذا الخصوص من دون إثارة ذلك الضجيج. وهو أمر معروف طُبِّق قديماً وحديثاً. وقد عرف بقانون من أين لك كل هذا. وقد طبقه الخليفة عمر – رضي الله عنه – وكان يحاسب الولاة ويأخذ منهم الأموال التي حصلوا عليها كهدايا ويردها إلى بيت المال. كما طبق في مصر بعد ثورة 52 وكان الهدف منه الانتقام من رجال الأعمال والشركات والأسر الغنية، وتم بموجبه مصادرة ثرواتهم وممتلكاتهم بطرق غير شرعية وأضر ذلك القانون التجارة والاقتصاد، حتى تم التخلي عنه في عهد الرئيس السادات. ثم أعيد بعثه في عهد حكم الإخوان للانتقام من رجال الرئيس مبارك. وطبق في سوريا والسلطة الفلسطينية وبعض الدول الأوروبية. وقد انتقده كثير من رجال القانون وجماعات حقوق الإنسان مؤكدين أنه ضد النظرية القانونية التي ترى أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، أما في ظل ذلك القانون فقد ينظر إلى المتهم بأنه مجرم حتى تثبت براءته. لذا يجب التعاطي معه بحذر. د. عبدالمحسن حمادةD_hamadah@hotmail.com
مشاركة :