أكّد وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي أنّ إنجازات دولة الإمارات فخرٌ لكل العرب، ونموذج حضاري فريد على الصعيدين الإقليمي والدولي تعمل تونس على الاستفادة منه، مشيداً برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي (رعاه الله) المتقدمة وقوة أفكاره الهادفة لبناء الإنسان. وشدّد الجهيناوي على دعم بلاده للشرعية في اليمن، مشيراً إلى أنّ ذلك من ثوابت الدبلوماسية والسياسة الخارجية لبلاده، وأوضح أنّ العلاقات مع دول الخليج تشهد طفرة مهمّة. وبينما أشار إلى أنّ المبادرة التونسية لحل الأزمة في ليبيا هدفت إلى توجيه رسالة مفادها أن الإصرار على الحل العسكري من شأنه تدمير ليبيا والمنطقة، وبشأن الأوضاع الداخلية في تونس قال إن بلاده تعيش مرحلة انتقال ديمقراطي لاتخلو من الفوضى. وفيما يلي نص الحوار: كيف ترون العلاقات بين تونس ودولة الإمارات؟ دولة الإمارات دولة عصرية منفتحة على العالم مزدهرة اقتصادياً وقبلة العالم وتحظى باحترام الجميع إنّها النموذج الذي نتطلع إلى تحقيقه في تونس، قيم المدنية والحداثة والتنوير وروح العمل والإبداع والتأسيس والإضافة في دولة الإمارات نموذج رائع على الصعيدين الإقليمي والدولي نعمل على الاستفادة منه، للإمارات دور مؤثّر اليوم على الساحتين العربية والدولية، ومن الطبيعي أن تطمح تونس التي تسعى لاستعادة موقعها العربي والدولي بعد المسار الانتقالي إلى أن تكون شريكاً للإمارات وأن تعمل على تطوير العلاقات معها. انجاز لقد أبلغنا أشقاءنا الإماراتيين أنّ أمن الإمارات من أمن تونس، وأننا نعتبر إنجازات الإمارات فخراً لنا وللعرب جميعاً، ونقف دائما على عمق العلاقات التاريخية بين بلدينا منذ أن بادر المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخوه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وإخوانهما من الآباء المؤسسين بإعلان قيام دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر 1971. حيث مثّل وزير خارجيتنا آنذاك المرحوم محمد المصمودي تونس في تلك المناسبة المهمة، ووضع الرئيس الأسبق الزعيم الحبيب بورقيبة لبنات قوية للعلاقات الثنائية مع حكيم العرب الشيخ زايد رحمه الله الذي يسير أنجاله اليوم على خطاه وانطلاقاً من المبادئ التي رسخها. ما أفرز بروز قوة إقليمية مهمة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة (حفظه الله) وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي (رعاه الله) وأخيهما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. ونحن نعتز بأنّ الرئيس الباجي قائد السبسي كان يرتبط من خلال موقعه كوزير خارجية تونس سابقاً بعلاقات متينة مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه لازالت ممتدة إلى اليوم مع قادة الإمارات الكرام، وهو أمر يشير إلى عمق روابط الأخوة بين قيادتي البلدين الشقيقين. كما أنّ ما يقوم به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في دبي من بناء نهضة شاملة هو ما يطمح إلى إنجازه جميع العرب في القرن الحادي والعشرين، وينظر إليه العالم بإعجاب كبير، وهو مفخرة ليس لدبي والإمارات فقط بل كل الأمة العربية، وهناك تقدير خاص لهذه الرؤية التي لا تعتمد بناء العمران فحسب . وإنما بناء الإنسان في الأساس وإسعاده بالتطوير النوعي لأسلوب حياته عبر بث الطاقة الإيجابية وروح التميز والتفوق على كل العراقيل من خلال قوة الإرادة وإنتاج الأفكار الجديدة والمستقبلية، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد صاحب رؤية متقدمة وعميقة مواكبة لمتطلبات العصر الذي نعيشه، فقوة عالم اليوم تبنى على الأفكار وقوتها المنبثقة من رؤية جديدة ومتطوّرة، لأن المشروع العظيم هو الذي ينطلق من فكرة عظيمة ومن الحوكمة الرشيدة ومن الطاقة الإيجابية وبناء الإنسان السعيد. كيف تقيمون العلاقات مع دول الخليج ؟ إنّ علاقاتنا مع دول الخليج شهدت طفرة مهمة منذ تولي الرئيس الباجي قائد السبسي الرئاسة، لكننا نسعى إلى تطويرها أكثر نظراً للروابط التاريخية والحضارية والثقافية العريقة بيننا، والدور المحوري الذي تمثله دول الخليج العربي إقليمياً ودولياً سواء سياسياً أو اقتصادياً أو في إطار الحرب على الإرهاب وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وحماية مقدرات الأمة العربية والدفاع عنها في وجه الأطماع الخارجية . تونس تنتظر من أشقائها في دول الخليج الوقوف معها في هذه الفترة الانتقالية الصعبة كونها جزءاً من هذه الأمة، استقرار وسيادة دول الخليج العربي تهم تونس، وأمنها من أمن تونس، والدولة التونسية تدعم إجراءات أشقائنا الخليجيين للحفاظ على أمنهم واستقرارهم أمام أية أطماع خارجية. كيف تنظرون للأوضاع في اليمن؟ منذ البداية أعلنا دعمنا للشرعية في اليمن والرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي، هذه ثوابت دبلوماسيتنا وسياستنا الخارجية لا يمكن أن نكون إلّا في صف الشرعية موقفنا ثابت حيال هذه القضيّة ومن مساندة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في نصرة الشعب اليمني، أملنا كبير في أن يستعيد اليمن الشقيق أمنه واستقراره وأن يتجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها، لقد أكدنا هذا الموقف خلال الزيارة الرسمية التي قام بها مؤخراً وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي إلى تونس. ما نطمح إليه هو أن تشهد الفترة المقبلة تحوّلات مهمة في المنطقة وانفراجات عبر تغليب الانقلابيين الحوثيين لغة العقل والتوصل إلى حلول سلمية على أسس ثوابت السيادة والشرعية، وأنا على يقين من أن الأيام المقبلة ستشهد ديناميكية متسارعة في هذا الاتجاه سيكون لها أثرها الإيجابي على اليمن. كيف تقيّمون العلاقات بين تونس ومصر؟ اندماج مصر في المبادرة التونسية لحل الأزمة الليبية خير دليل على عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين والانسجام والتقارب بين القيادتين والدولتين، مصر دولة كبيرة لها تأثيرها في المنطقة وهو ما تثبته الجغرافيا والتاريخ، تونس يهمها أن تكون لها علاقات متميزة مع مصر، زيارة الرئيس الباجي قائد السبسي إلى القاهرة حققت نجاحاً على مختلف الصعد، وتمت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لزيارة تونس وتم قبول الدعوة وهو مرحب به في بلده وبين أهله. وماذا عن بعض الأصوات النشاز التي تحاول ومن منطلقات ايديولوجية وحزبية التشويش على العلاقة مع مصر؟ نحن نعيش مرحلة انتقال ديمقراطي لا تخلو من بعض الفوضى وعدم المسؤولية أحياناً في اتخاذ المواقف لأسباب قد تتناقض مع المصلحة العليا للبلاد، إلّا أنّ السياسة الخارجية للدولة يضبطها ويحددها رئيس الجمهورية والرئيس الباجي قائد السبسي يرتبط بعلاقات متينة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي . وعلى هذا الأساس هناك تعاون متميز بين الحكومتين، ثم إنّ من تقاليد الدبلوماسية التونسية الراسخة منذ 60 عاماً هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبالتالي فإن أية أصوات خارجة عن هذا التوجه العام لا تمثل الدولة ولا تعبر عن خياراتها العليا. مبادرة لا حديث هذه الأيام سوى عن مبادرة الرئيس السبسي لحل الأزمة الليبية كيف أتت وفي أي ظروف تبلورت؟ أتت المبادرة بعد فترة عام ونصف من الحراك السياسي واستقبال الرئيس الباجي قائد السبسي فرقاء ليبيين يمثلون مختلف المناطق والتوجهات والتيارات السياسية والفكرية والقوى الاجتماعية، إلى أن جاء اتفاق الصخيرات وتشكيل المجلس الرئاسي كنا نراقب ذلك ما جعلنا نصل إلى تقييم مفاده أنه ورغم التقدم المعلن نحو الحل. إلّا أن الأزمة لا تزال تستفحل والاستقطاب يتسع، وهو ما جعل تونس التي تحافظ على نفس المسافة مع كل الفرقاء تبادر إلى القيام بدور، ومن هنا طرح الرئيس السبسي مبادرته للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ثمّ للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. إنّ المبادرة التونسية تنطلق من أهمية سرعة التدخل في ليبيا ومن الوعي بأنه ورغم ما يبدو من مساع دولية، إلا أنّ الأزمة تتجه نحو التفاقم أكثر، وتنطلق من طبيعة المصالح التونسية إذ إنّ بين تونس وليبيا 540 كيلومتراً من الحدود غير المحمية والتي شهدت للأسف انفلاتات سواء في الإرهاب أو التهريب، وبالتالي فإن تقييماً موضوعياً يجعلنا نسعى إلى حماية مصالح تونس التي تتميز بعلاقات اجتماعية متشابكة مع الأشقاء الليبيين وعلاقات اقتصادية متميزة. كيف تحولت المبادرة التونسية إلى مبادرة ثلاثية؟ بعد تواصلنا مع الأشقاء الجزائريين والمصريين اكتشفنا أن جهد كل طرف على حدة غير قادر على ايجاد الحل، فالأمم المتحدة لم تتمكن من حل الأزمة، لذلك قررنا جمع جهود البلدان الثلاثة من خلال رسالة واحدة نحو جميع الأطراف الليبية. سواء كانت من الشرق أو الغرب أو الجنوب أو القوى السياسية والايديولوجية والقبلية المتعددة عبر توحيد عناصر الخطاب معها، وجاء إعلان تونس ليوجه رسالة مشتركة تونسية جزائرية مصرية مفادها أنه لا يمكن الحديث عن حل عسكري لأن من شأن ذلك التسبب في حرب أهلية ستدمّر ليبيا والمنطقة برمتها. وبالتالي دعوة الأطراف الليبية إلى طاولة الحوار والاتفاق على حل سياسي، ثانيا أنّ الحل السياسي لابد أن يكون تحت مظلة الأمم المتحدة وأن يكون مجلس الأمن هو الضامن لتطبيق ما ينتج عنه، ثالثا ًأن الحل يكون من داخل اتفاق الصخيرات الذي يتضمن عدداً من البنود ومنها المادة 12 التي تضع آلية داخلية بين الليبيين للجلوس حول طاولة المفاوضات والنظر في تعديل الاتفاق. وهناك اتفاق بين الدول الثلاث على أن التوصل إلى نتائج توافقية بين الأطراف الليبية سيدفع مباشرة إلى عقد قمة ثلاثية ثم يتم رفع ذلك إلى الأمم المتحدة والمجموعة الدولية لتوفير الحزام السياسي والدبلوماسي لتنفيذ الاتفاق الذي لابد أن ينبع من داخل الليبيين أنفسهم. زيارة للعراق لفت وزير الخارجية التونسي إلى أهمية الزيارة التي يعتزم القيام بها للعراق قريباً، لاسيّما وأنّها الأولى لوزير تونسي إلى بغداد منذ العام 2003. وأكّد العلاقات التاريخية بين تونس والعراق، مبيناً أنّ بلاده تعمل على توطيد هذه العلاقات سياسياً واقتصادياً، كاشفاً عن أنّ وفداً من رجال الأعمال سيرافقه أثناء زيارته. علاقات راسخة أكّد الوزير التونسي عمق ورسوخ علاقات بلاده مع بلدان أفريقيا والعمل على توطيدها، مضيفاً: «أفريقيا قارتنا وعدد من القادة الأفارقة الحاليين درسوا في تونس ومنهم من كان يحمل جواز سفر تونسياً، كما أنّ القارة الأفريقية أخذت اسمها من اسم تونس القديم أفريكا في العهد الروماني وأفريقيا في العهد الإسلامي، بلادنا كانت من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية». وكشف عن أنّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد سيقوم خلال أيام بزيارة إلى الخرطوم لتوقيع عدد من اتفاقات التعاون، فضلاً عن جولة أوائل أبريل المقبل في ثلاث دول أفريقية هي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لافتاً إلى أنّ بلاده بصدد دعم الدبلوماسية المتنقلة في أفريقيا نظراً لأنّها لا تمتلك ولأسباب اقتصادية بحتة سوى عشر سفارات فقط في قارة المستقبل. وأوضح أنّ أفريقيا تتطوّر بشكل كبير، ومن الممكن ترسيخ التعاون الاقتصادي معها والمضي في ذلك بعيداً وفتح أسواق جديدة للمنتجات التونسية وتطوير الاستثمارات المشتركة، فضلاً عن التنسيقين الأمني والسياسي. توحيد إرادات شدّد وزير الخارجية التونسي على أنّ الإرهاب ظاهرة عالمية عابرة للحدود والقارات، مشيراً إلى أنّه قضيّة لا تهم بلداً دون آخر، ولا يمكن لدولة مواجهته منفردة. ودعا إلى تكثيف الجهود لتوحيد الإرادات الدولية لمواجهة الخطر الإرهابي عبر تبادل المعلومات وتوفير الصيغ والاستراتيجيات للوقوف في وجهه، مشيراً إلى أنّ تونس طوّرت تعاونها الأمني والمعلوماتي مع الدول الشقيقة والصديقة بما يخدم الأهداف المشتركة في القضاء على التهديدات الإرهابية. الاتحاد المغاربي حلم لم ولن ينتهي شدّد وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي على أنّ الاتحاد المغاربي لم ولن ينتهي باعتباره مطلباً تاريخياً للآباء والأجداد، مضيفاً: «إن كانت بعض الخلافات قد تسبّبت في تعطيل مساره فإنّ ذلك لا يعني أنّنا سنقفز وفق حقائق التاريخ والجغرافيا أو نأتي بجرة قلم لنمحو أمل شعوبنا، إذا كان مشروع الاتحاد المغاربي متعثّراً فإنّ تونس ستظل مؤمنة به ومدافعة عنه وحريصة على إنقاذه، لدينا جهاز اسمه اتحاد المغرب العربي احتفلنا أخيراً بالذكرى 28 لتأسيسه في مدينة مراكش، وعلينا توفير الآليات حتى لا تنطفئ شعلته حتى يأتي اليوم الذي نتجاوز فيه العراقيل الراهنة». وأشار إلى أنّ ما يجمع بين بلدان المغرب العربي من مصالح اقتصادية واجتماعية وأمنية مشتركة يوجب عليها تجاوز أي خلافات لتحقيق الاندماج المغاربي ومسايرة التوجه العالمي في الاندماج بين الدول ضمن أطر إقليمية فاعلة حتى لا تبقى منطقة المغرب العربي الأضعف عالمياً على هذا المستوى، لافتاً إلى أنّ تونس تحافظ مع علاقات جيدة مع كل دول المنطقة، وتعمل على إخراج الاتحاد من حالة الجمود التي يعانيها. ونفى وزير الخارجية التونسي صحة ما راج عن رفض بعض قادة دول المغرب العربي استقبال الأمين العام الجديد للاتحاد المغاربي الطيب البكوش، موضحاً أنّ البكوش لم ينطلق في عمله إلّا منذ ستة أشهر فقط وتمّ انتخابه من قبل كل دول الاتحاد وتسلّم مهامه في مقر الأمانة العامة بصفة رسمية. وأبان أنّ البكوش على اتصال مع جميع الأطراف، وأنّ اجتماعاً سيعقد مطلع أبريل المقبل لوضع خطة عمل للمستقبل.
مشاركة :