لا يخفى على أي متابع للتطورات الاقتصادية العالمية أن نمو الاقتصادات الوطنية أصبح مرتبطا إلى حد كبير بأداء المقاولات الصغيرة والمتوسطة وتقدم التكنولوجيا ومواكبة التقنيات الرقمية و«الأتمتة». ولا تشكل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استثناء لهذه القاعدة، بل إن شبابها عمل جاهدا، خلال السنوات الأخيرة، للإبداع في مجال الشركات الناشئة (startups)، ولاستغلال أحدث التكنولوجيات المتاحة بتكلفة محدودة لتحسين بعض الخدمات في مجتمعاتنا. وفي حين يتحدث البعض عن إمكانية نسخ الطفرة في مجال الشركات الناشئة التي تعيشها الساحتان الأميركية والأوروبية اليوم، في المنطقة العربية، يحذر آخرون من التحديات الكبيرة التي تعرقل هذا التوجه وتردع آلاف الشباب المؤهل في المنطقة عن التوجه إلى مجال المقاولات، أو تشجعه على الهجرة بأفكاره إلى مجتمعات غربية تدعم تحقيقها. تناول هذه التحديات المنتدى الاقتصادي السنوي الذي نظمته «كلية لندن للأعمال» في العاصمة البريطانية الجمعة الماضي، الذي ركز في دورته الـ15 على النقلة النوعية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وشارك في المنتدى رجال وسيدات أعمال من المنطقة، وأجمعوا، رغم اختلاف تجاربهم وصناعاتهم، على أن مستقبل المنطقة الاقتصادي يعتمد على توفير فرص عمل مناسبة للشباب ومواكبة الطفرة التكنولوجية التي يشهدها العالم. واتفق المشاركون على أن الطريقة الأكثر مناسبة للاستفادة من هذه الطفرة واستيعابها في إطار تنمية الاقتصادات الوطنية، هي عبر تطوير وإصلاح جانبين أساسيين؛ هما التعليم والمهارات، والقوانين التنظيمية. وعن الجانب الأول، أوضحت نجلاء المدفع، مديرة مركز الشارقة لريادة الأعمال «شراع»، أن 50 في المائة من الخريجين في المنطقة يشعرون بأنهم غير مؤهلين لدخول سوق العمل، مما يدل على اختلال التوازن بين المناهج التربوية ومستوى المهارات المطلوبة في سوق العمل. كما يبلغ متوسط معدل البطالة بين الشباب في المنطقة 11 في المائة، ما يتسبب في ضياع 40 مليار دولار، وفق المدفع. وأضافت أن المنظمة العالمية للعمل تقدر أن المنطقة في حاجة إلى خلق 5 ملايين فرصة عمل سنويا حتى عام 2030 لاستيعاب البطالة المنتشرة بين شبابها. واتفق رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، رئيس «أوراسكوم للاتصالات» و«أوراسكوم للتكنولوجيا»، مع هذا الطرح، عاداً أن إصلاح التعليم أساس إصلاح اقتصادات المنطقة. وبهذا الصدد، أفادت دراسة حديثة لـ«البنك العالمي» حول فرص الشباب المصري تحديدا، أن نسبة الشباب المصري «خارج العمل والتعليم» بين سن 15 و29 سنة تصل إلى 40.7 في المائة. وفي إحصائية أخرى، أشار البنك إلى أن نسبة 43.8 في المائة من الرجال، بين سن الـ24 و29 هم خريجو جامعات غير أنّ مؤهلاتهم غير كافية لتأمين فرص عمل لهم. أما على الجانب التنظيمي، فإن المقاولين المصريين الشباب يصطدمون بعراقيل عدة؛ أبرزها البيروقراطية وقوانين مكافحة الاحتكار. وهذه الصعوبات تتكرر في أغلب المشاهد الاقتصادية في المنطقة، حيث لا يجد الشباب ذوو الأفكار المبتكرة وروح المقاولة الدعم المناسب، كما يفتقرون في معظم الأحيان إلى مهارات الإدارة التجارية التي تؤهلهم لتطوير منتجاتهم أو خدماتهم. بهذا الصدد، قال المدير عمر أبو العزم، المدير التنفيذي لـ«شركة تنمية للتمويل متناهي الصغر»، إن «البيئة التنظيمية في بلداننا غير مناسبة لإطلاق وإنجاح الشركات الناشئة». وأوضح أن الحكومة المصرية حاولت ضخ سيولة لدعم هذه الشركات، إلا أن «نظام التسليم» لا يزال ضعيفا للغاية. وعن المجالات الاقتصادية التي ستشهد أعلى معدلات النمو خلال السنوات المقبلة في المنطقة، أوضح عادل طوبيا، الرئيس التنفيذي لـ«مجموعة الغرير للاستثمار»، أن «التعليم والمهارات» تتقدم اللائحة، إلى جانب التغذية وقطاع التجزئة والضيافة. وقال طوبيا إنه «فيما ستتعافى أسعار النفط باعتبار أن انخفاضها دوري لا هيكليا، فإن اقتصادات المنطقة تتجه نحو التنويع والاستثمار في قطاعات الطاقات المتجددة». وتابع أن السعودية والإمارات نموذجان لهذا التوجه، بسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد.
مشاركة :