التكنولوجيا الحديثة لجعلها تؤثر في مستقبل الإنسان وحياته.العرب إياد بركات [نُشر في 2017/03/06، العدد: 10563، ص(12)]لا لانقراض بعض العناصر الغذائية يعتقد معظم الناس أنهم ورثوا أكل الطماطم أو البندورة عن أجدادهم، ولهم عذرهم فهي غالبا ما تكون المكون الأساسي في معظم أصناف وألوان الطعام العربي والمتوسطي مثل الإيطالي واليوناني والتركي. مطبخ البحر الأبيض المتوسط، في كل ضفافه، معروف بعراقته وأصالته، وحاليا يغلب عليه اللون الأحمر للطماطم، لهذا يتخيل الإيطالي أو العربي واليوناني أن هذه الأصالة والعراقة تشمل الطماطم، وعندما يتخيل كيف كان أجداده يعيشون قبل المئات من السنين أظنه يتخيلهم يلتهمون هذه الثمرة بشراهة. فقط إن كنت من سكان أميركا الأصليين، وخصوصا المكسيك والبيرو، لديك حينئذ الحق لأن تتخيل أجدادك يزرعون ويستخدمون الطماطم. العرب المشرقيون لم يعرفوا الطماطم إلا بمجيء الاحتلال البريطاني إلى بلدانهم، حيث زرعت في البداية في منطقة أغوار الأردن في فلسطين وديالا في العراق، بعد ذلك انتقلت إلى باقي المشرق العربي وسط تردد كبير من الناس وتخوف من أن تكون ثمرة سامة حيث إنها شبيهة ببعض الثمار السامة المعروفة في هذه البلدان منذ الآلاف من السنين. الطماطم حالها حال البطاطا والذرة والفلفل الحار (الفليفلة) كلها من ثمار وخيرات القارة الأميركية، عرفها واستأنس بها سكان تلك البلاد الأصليون منذ الآلاف من السنين، وعثر عليها الأوروبيون عندما صادفهم الحظ واكتشفوا تلك البلاد العظيمة. في البداية كانت قد أحضرت هذه النباتات والثمار إلى أوروبا ليرى الناس في أوروبا غرائب وعجائب العالم الجديد، ثم زرعت وأصبحت تدريجيا من أهم مكونات المطبخ الأوروبي، من أوروبا انتقلت مع الاستعمار والحركة التجارية المرافقة له وانتشرت في كل بقاع العالم، فأصبحت الطماطم أحد معالم الهوية الإيطالية مثلما الفلفل الحار هو علامة مميزة للهوية الهندية كما هي البطاطا بالنسبة إلى الهويات الروسية والأيرلندية.هولندا لا تتمتع بمناخ مثالي لزراعة الطماطم لكنها تملك بيوتا زجاجية الأكبر في العالم والأكثر تطورا لا نعرف حتى الآن متى استأنس سكان أميركا الأصليون إلى الطماطم ولكن يعتقد أنها كانت عبارة عن ثمار صغيرة خضراء وصفراء تحتوي على نسبة ضئيلة من السموم، سكان تلك البلاد الأوائل مثلهم مثل أقرانهم حول العالم، أتقنوا الزراعة وبالتالي تمّ استئناس تلك النبتة، واختيار وتربية السلالات الأفضل والأنسب، بعدها تولى الأوروبيون هذه المهمة حتى وصلت إلينا بالشكل الكبير الأحمر المتعارف عليه، ثم عادت صغيرة مرة أخرى والآن تنتشر باللون الأصفر والبرتقالي وحتى اللون البنفسجي، كل هذا بفضل تقنيات تهجين قديمة وأخرى حديثة مثل تقنيات التعديل والاختيار الوراثي أو الجيني، الطماطم وغيرها من الثمار المستقدمة أثرت جذريا على العالم وطرق الإنتاج الزراعي والنمط الغذائي وكل مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وهي الآن تستخدم مرة أخرى التكنولوجيا الحديثة لجعلها تؤثر في مستقبل الإنسان وحياته. الآن يعاد اختراع الطماطم في هولندا والتي تعتبر من أكثر بلدان العالم اكتظاظا، وأحد أهم مراكز الابتكار الزراعي، هناك يتعامل المختصون الهولنديون مع عملية إعادة الاختراع مثلما يتعامل الهاكرز مع أنظمة الكومبيوتر، حتى أنهم يطلقون مصطلح “تهكير الطماطم” على عملهم الحثيث لتطوير هذه النبتة وإنتاج أجيال جديدة من ثمارها بألوان ومواصفات متعددة. هولندا البلاد الأوروبية الشمالية والتي لا تنعم بشمس المتوسط وطقسه المعتدل، ولا تتمتع بمناخ طبيعي مثالي لزراعة الطماطم مثل ذلك الموجود على ضفاف البحر المتوسط، تملك مساحات شاسعة من الأراضي المغطاة بالبيوت الزجاجية تصل إلى ما يعادل الأربعين كيلومتر. هذه المساحة الشاسعة من البيوت الزجاجية، بالإضافة إلى كونها الأكبر في العالم فهي أيضا الأكثر تطورا، وجزء كبير من هذه المساحة المغطاة مخصص لزراعة وإنتاج الطماطم، ومساحات كبيرة مخصصة لإجراء بحوث في تكنولوجيا الطماطم.تزرع الطماطم بهولندا في قواعد صناعية في التراب لكي تسهل عملية إضافة هذه العناصر الغذائية والماء ولكي يتمكن العلماء من قياس نسبة كثافتها في كل مرحله من مراحل زراعة هذه النبتة يتم الاعتماد الكامل على التكنولوجيا بدلا من تركها تحت رحمة العوامل الطبيعية غير المناسبة، هي بالفعل طماطم مهكرة من البذرة مرورا بحياة النبتة وحتى الثمرة. أنظمة تحكم، وسيطرة تتحكم في العوامل الثلاثة المهمة لحياة النبتة، عامل الضوء وثاني أكسيد الكربون والعامل الغذائي المكون من الماء والأسمدة، كل هذه التكنولوجيا مبنية على بحوث علمية مستمرة تدخل في كل مراحل أجهزة وبرمجيات الكومبيوتر، يشرف عليها مختصون مهرة لإنتاج الثمرة المثالية التي يكون طعمها ولونها ورائحتها الأفضل، كما أنها قادرة على مقاومة الأوبئة والأمراض النباتية، وتحوي خواص تساعد على شحنها حول العالم دون أن تخسر الكثير من نضارتها ومكوناتها وفوائدها الغذائية. البيوت الزجاجة المخصصة لزراعة الطماطم مجهزة بأحدث ما توصل إليه العلم من تكنولوجيا الأضواء الثبلية أو Led Lighting، النباتات بشكل عام تحتاج إلى الضوء من أجل إنتاج السكر الطبيعي في ثمارها، ويؤثر الضوء على لون الورق وطعم الثمار وحجم النبتة ولون وطعم الثمار التي تنتجها. ضوء الشمس الطبيعي مكون من 27 بالمئة من الطيف الأزرق، في البيوت الزجاجية بهولندا، فإن كانت الشمس مشعة أثناء النهار تسلط على النباتات أضواء آل أي دي المكونة من 5 بالمئة من الضوء الأزرق والباقي من اللون الأحمر والألوان ما بعد الحمراء، في ساعات الليل ترفع نسبة الضوء الأزرق. نباتات الطماطم التي تزرع بشكل عمودي في البيوت الزجاجية تمتد إلى ارتفاعات عالية، وأضواء آل أي دي التي تكون خفيفة الوزن وعلى شكل حبال طويلة ورفيعة يمكن التحكم في ارتفاعها بسهولة وتغيير لون الضوء الذي تشعه، فيمكن رفعها وخفضها لتكون مسلطة على أعلى النبتة أو أسفلها أو تكون مسلطة على الأوراق أو الثمار أكثر. لقد اكتشف العلماء في هولندا أنه بتسليط أضواء آل أي دي التي تشع بضوء يكون لونه أحمر على ثمار الطماطم دون باقي النبتة ترتفع نسبة فيتامين سي في الثمرة أكثر بـ50 في المئة من النسبة الموجودة طبيعيا في الطماطم. هكذا يتم التحكم في لون الورق والثمار والمكونات الغذائية للثمرة ورفع كمية الإنتاج بتغيير مكان ولون الإضاءة. طعم ومذاق الثمار بشكل عام ومنها ثمرة الطماطم يعتمد على نوع العناصر التي تتغذى عليها النباتات من أسمدة عضوية وغير عضوية، في هولندا تزرع الطماطم في قواعد صناعية وليس في التراب لكي تسهل عملية إضافة هذه العناصر الغذائية والماء ولكي يتمكن العلماء من قياس نسبة كثافتها وكيفية تغذيتها لإنتاج المذاق والطعم المناسب، وبهذا الأسلوب يمكن التقليل من إهدار الماء والعناصر الغذائية وإعادة تدوير واستعمال الكميات التي تزيد عن حاجة النبتة لتغذية نباتات أخرى. توظف توربينات الرياح لإنتاج الطاقة البديلة النظيفة لتزويد بيوت الطماطم الزجاجية بالضوء والحرارة، كما تستخدم مولدات الكهرباء التقليدية لتعويض النقص، هذه المولدات التقليدية تنتج حرارة وثاني أكسيد الكربون ويتم تحويل الحرارة الناتجة عن هذه المولدات لتدفئة البيوت الزجاجية للتغلب على طقس هولندا البارد ولزيادة الإنتاج، ويتم أيضا جمع ما تضخه من غازات ثاني أكسيد الكربون لاستخدامه بهدف التحكم في نسبة الغازات التي تتعرض لها النباتات المزروعة. وينتج نظام الطاقة البديلة كهرباء تزيد عن حاجة البيوت الزجاجية فيتم تحويل هذه الكهرباء إلى شبكة الكهرباء التي تزود المدن الهولندية بالطاقة.مازال سوء التغذية يهدد أعدادا كبيرة من سكان الأرض حتى هذه اللحظة كل من عمل في مزارع البيوت الزجاجية أو البلاستيكية لإنتاج الطماطم، وأنا منهم في مراحل حياة سابقة، يعلم كم هو العمل شاق ومضن حتى وإن كانت تتم حسب أساليب وطرق حديثة، أحد الأعمال التي يجب القيام بها باستمرار هو إزالة نسبة كبيرة من أوراق نبتة الطماطم وتقليمها لكي تكون للنبتة نسبة الأوراق الخضراء الضرورية فقط ليتم تحويل جهد النبتة لإنتاج الثمار بدلا من الأغصان والأوراق الكثيفة، في هولندا توظف الروبوتات التي تمتلك أذرعا تمكنها من القيام بهذه العملية بدقة بالغة على مدار ساعات اليوم. قد تبدو عملية إعادة اختراع الطماطم في هولندا بسيطة لأنها مركزة على ثمرة، وإن كانت منتشرة حول العالم، إلا أنها ثمرة واحدة. لكن كل هذه التكنولوجيا التي يتم تطويرها هناك وفي أماكن أخرى حول العالم، تعتبر تكنولوجيات ثورية ستنتقل لإنتاج ثمار أخرى مختلفة، ليس فقط بألوان وأحجام وأشكال ومذاقات متنوعة ولكن بكميات هائلة من مساحات أراض صغيرة نسبيا مقارنة بما كان عليه الحال في العصور الماضية. مازال سوء التغذية يهدد أعدادا كبيرة من سكان الأرض حتى هذه اللحظة، ومع الزيادات المتوقعة في أعداد السكان مستقبليا وانخفاض كبير في المساحات المتوفرة والصالحة للزراعة، ستكون هذه التكنولوجيا التي يتم تطويرها هناك مرشحة لتزويد الإنسان بحلول أفضل للحصول على كميات كافية من الغذاء تحتوي على ما يلزم من العناصر الغذائية الصحية وبألوان ومذاقات جديدة. محلل تكنولوجي
مشاركة :