انتقلت ميادة أحمد (٣٥ عاماً) إلى القاهرة وحيدة لتبحث عن عمل بعد مغادرة شقيقها مصر ووفاة والديها، وتركت مدينة أسيوط التي قضت حياتها فيها. صُدمت حينما دخلت العاصمة، التي شُلّت في شوارعها المزدحمة حركة الحافلة التي كانت على متنها، والتي بقيت نحو ساعة من دون أن تتحرك سوى بضعة كيلومترات. اعلان لم تعرف أحمد أن هذا الازدحام سيدفعها لتغيير مسار حياتها والعثور على فرصة عمل لم تتوقعها. فبعدما بدأت عملها كموظفة استقبال في عيادة أسنان، وجدت نفسها تهدر الكثير من الوقت والطاقة في المواصلات العامة يومياً، ولا تجني ربحاً جيداً يعوضها عن الإرهاق الذي يستنزفها. لذا قررت ترك وظيفتها والتفرغ لإعداد وجبات طعام توصلها "ديليفري" لمعارفها الذين يسكنون في محيط بيتها، عبر مجموعة أنشأتها على الواتسآب.آلاف يتحاشون شوارع القاهرة ما أحمد إلا واحدة من بين آلاف سكان القاهرة الذين قرروا تجنب الخروج من المنزل إلا للضرورة، بعدما بات إنجاز أي أمر، من شراء أدوات منزل إلى إجراء معاملات حكومية، يستغرق ساعات. وقد فتح قرارهم هذا باب رزق كبيراً لفئة وجدت فرصة في مشكلة المواصلات، وقررت أن توصل إلى باب بيتهم كل ما يحتاجونه. اليوم في بلد الـ91 مليوناً، يمكنك الحصول على أي شيء دون أن تغادر منزلك. فـ"الديليفري" كفيل بإيصال حتى "لبن العصفور" إلى بابك، ولم تعد هذه الخدمة مقتصرة على الطعام كما اعتاد الناس في الماضي. أقوال جاهزة شاركغرد بسبب زحام القاهرة... حتى "لبن العصفور" ديلفري إلى باب المنزل قص الشعر والتجميل،رمي القمامة،استخراج الأوراق الرسمية، طعام الكلاب، تحاليل الدم، شخص يركن عربتك حينما لا تجد مكاناً لها: كل هذه الخدمات وغيرها يمكن أن تصل إلى منزلك إذا أردت.دليفري "كوافيرة" مع تردي الأوضاع الاقتصادية وقرار تعويم الجنيه المصري وارتفاع سعر صرف الدولار، بدأ العديد من المواطنين بالتفكير خارج الصندوق لخلق فرص عمل. وحينما خسرت منى محمد عملها في مركز تجميل للسيدات بعدما استغنى صاحب الصالون عنها، قررت أن تذهب هي لزبوناتها وتتحمل عناء الطريق بدلاً منهن. راحت تحمل خبرتها في التجميل وحقيبة معداتها: مكواة ومجفف الشعر، ممشط، فرشاة شعر، سكر لإزالة الشعر، مقص، بُكل. تنتظر الهاتف لتحدد الموعد ومن ثم تنطلق.نوصل لكلابكم طعاماً طازجاً افتتحت هبة أحمد مطعماً يعد طعاماً صحياً للكلاب في منزلها بمنطقة الشيخ زايد السكنية وأسمته وجبة كلب أو Dogs Meals. وبما أن "زبائنه" ليسوا من "مرتادي المطاعم" ولا يستمتعون بالجلوس حول الطاولات، تخصصت أحمد بنقل الوجبات السريعة والطازجة إلى حيث يسكن الكلب. وله أن يختار من "الهياكل النية" و"الهياكل الجاهزة" واللحم المفروم والكبدة والخضار الطازجة. وقد بدأت مشروعها بإعداد قائمة طعام وتوزيعها على سكان منطقتها، لتتلقى الطلبات عبر صفحتها على فيسبوك وتوصل الطعام بنفسها.أكمل القراءة التطبيقات وقود أشعل خدمة الإيصال للمنازل مما لا شك فيه أن عالم التطبيقات جاء ليعمل يداً بيد مع عالم الديلفري. فسهولة طلب أمرٍ ما بكبسة زر على هاتفك، تتطلب سهولة في الإيصال دون الحاجة للتنقل. لذا، بدأ الشباب بابتكار تطبيقات توجد حلولاً للمشلكل اليومية وتوصلها لبابك. فإذا أزعجتكم القمامة، يمكنكم استخدام تطبيق "نضفها" الذي يوصل عامل نظافة إلى منزلها ويتولى مهمات التنظيف بنفسه. ويعتمد التطبيق على إدخال البيانات، بحسب محمد سامي، أحد أفراد الخدمة، وتحديد موعد بين الـ5 عصراً والـ9 مساءً، وهو الوقت الذي يناسب الراغبين في العمل لديهم، كمصدر دخل إضافي، بعد انتهاء ساعات دوامهم الأساسية. وإذا زرتم منطقة وسط البلد التي تشتهر بازدحامها وأرهقكم البحث عن مكان تركنون فيه العربة، يمكنك استخدام تطبيق "ركنة" الذي يؤمن "سائق ديليفري" يتولى أمر العربة ويركنها في موقف آمن. وإذا اتسخت العربة، فهناك تطبيق يؤمن لك من يغسلها، فيأتي بسيارته الصغيرة المجهزة بالمعدات اللازمة إلى بابك لينظفها.دليفري "الأعمال الحرة" وفي مجال الأعمال الحرة، هناك مجال التوصيل الحر، فلا يختص صاحبها بإيصال خدمة بعينها، بل يحمل كل ما يحتاجه الزبون. وهو ما قام به علي عبد الفتاح، طالب في الثانوية العامة، حينما قرر أن يعمل بجانب دراسته ليعيل والدته وإخوته الثلاثة. لم يكن يملك أي خبرة عملية ليعمل في مجال معين، فتحول إلى شركة "شحن خاصة" لإيصال أي شيء للمنازل مقابل 10 جنيهات. وهو يستخدم المترو لنقل الطلبات، وتكلفة بطاقته دولار واحد لأن عبدالفتاح لا يملك المال الكافي لشراء دراجة هوائية كموظفي الديليفري في المتاجر الكبيرة. يقول عبد الفتاح إن الفكرة ولدت عندما وجد أن جارته تنتج أعمالاً يدوية وتريد شخصاً يوصل هذه الأعمال للزبائن مقابل أجر. بدأ عبدالفتاح بتوصيل أعمالها ثم انتقل لحمل أشياء أخرى كأدوات المطبخ والحمام والطعام الذي تطهوه سيدات في المنازل. ومثله فعل شباب كثر.الدوائر الحكومية توصل إلى منزلك منذ عامين تقريباً، أتاحت الحكومة المصرية استخراج شهادات الميلاد ووثائق الزواج والطلاق وقيود الوفاة وبعض الأوراق الأخرى إلكترونياً، وأضافت خدمة إيصالها إلى باب المنزل خلال يومين مقابل 50 جنيهاً. هذه الخدمة تلائم الكثير من الموظفين، كمحمد سي الذي يعمل في البنك ولا تتيح له ساعات الدوام وقتاً لإتمام المعاملات إلا إذا أخذ يوم إجازة والوقوف ساعات طويلة في طوابير لا تنتهي. لا تخفف التطبيقات و"التوصيلات" من ازدحام الشوارع ولا تحل أزمة المرور، لكنها بلا شك حولت ساعات الانتظار الطويل في القاهرة إلى أموال للبعض، وسهلت إنجاز الكثير من مهمات الحياة اليومية للبعض الآخر. اقرأ أيضاًجولة على مقاهي القاهرة... دعكم من المشهور وجربوا هذه الأماكن الشعبيةكيف دخل السوريون عالم فساتين الأفراح المصرية؟"إتاوات" وبلطجية وبلدية… هل يبقى مكان للفن في شوارع القاهرة؟ يسرا الشرقاوي صحافية وكاتبة مصرية. تنشر مقالاتها في عدة صحف ومواقع إخبارية مصرية وعالمية. لها عدة مساهمات في التأليف والإخراج المسرحي. كلمات مفتاحية مصر التعليقات
مشاركة :