رحلة السلفيين من "المشايخ" إلى الإلحاد

  • 3/7/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

«خالد».. خطيبته فضلت عليه «شيخه» فتزوج «شقيقتها»
كانوا ثلاثة ولدوا فى قرية ريفية فى إحدى محافظات الدلتا، لأسر متوسطة الحال، تزاملوا فى الدراسة طيلة حياتهم العلمية وجمعتهم الحركة السلفية وفرقتهم.
خالد وحسين ومحمود، ثلاثة شباب بأسماء مستعارة بناءً على رغبة المصدر راوى الحكاية، التى تفسر تحولات الحركة السلفية المصرية فى ٦ سنوات.
وللفكرة السلفية بكل تنوعاتها، جمهور عريض من المصريين، لم يمانع فى دعمها، طيلة السنوات التى تلت ثورة ٢٥ يناير.
وتمثل هذا الدعم فى الموافقة بنسبة ٧٧.٣٪، على التعديلات الدستورية عام ٢٠١١، التى دعا الإسلاميون للموافقة عليها، وعرفت باسم «غزوة الصناديق»، بتعبير محمد حسين يعقوب، أحد مشايخ الحركة السلفية البارزين.
وفى انتخابات مجلس الشعب المصرى عام ٢٠١٢، حصل التحالف السلفى، الذى تزعمه حزب النور وضم حزب الأصالة وحزب البناء والتنمية المنبثق عن الجماعة الإسلامية، على نسبة ٢٤٪ من المقاعد، خلف جماعة الإخوان، التى حصلت على ٤٧٪ من المقاعد.
وقل هذا الدعم بصورة كبيرة، بعد ثورة ٣٠ يونيو، لدرجة حصول حزب النور السلفى على ٩ مقاعد فقط، فى مجلس النواب، فى الانتخابات الأخيرة.
وطيلة هذه الفترة، بداية من الثورة حتى هذه الأيام، ظهرت للحركة السلفية المصرية وجوه عدة.
أول هذه الوجوه، الشاب الريفى السلفى خالد، الذى سعى فى يونيو عام ٢٠١٠، للزواج من فتاة، رأى فيها ما كان يسعى إليه، ترتدى النقاب وتواظب على حضور الدروس الشرعية، بناءً على ترشيح «أحد الأخوة».
فى التوقيت نفسه، تقدم لخطبتها، أحد مشايخ السلفية المشهورين، الذين برز نجمهم، مع توسع انتشار القنوات الدينية السلفية، وإقبال المصريين على شراء أجهزة الاستقبال الفضائى.
ولعبت القنوات الفضائية السلفية، طيلة العقد الأول من القرن الجارى، ما يمكن وصفه بالخطوة التالية لمرحلة «شرائط الكاست»، وبدلا من الاستماع للمشايخ، صارت وجوههم مألوفة، تحاوطهم فئة من الجماهير أينما وجدوا.
ولمّا فضت أطباق الاستقبال الفضائى، بكارة أسطح العمارات والعشوائيات فى مصر، لمع نجم الشيخ الستينى آنذاك.
وبدأت نجوميته بالأساس، فى أواخر التسعينيات وبداية الألفية من خلال خطب الجمعة التى كان يلقيها فى مسجد العزيز بالله «الزيتون- شرق القاهرة»، فاختارته الفتاة.
وسيطر السلفيون على هذا المسجد، الذى أسسه الدكتور محمد جميل غازى، أحد أعلام الحركة السلفية، عام ١٩٦٨، منذ سبعينيات القرن الماضى، بقيادة عمر عبدالرحمن، وبرروا سيطرتهم على المسجد بأنه حائط صد المد المسيحى فى منطقة الزيتون، بعدما شيدت فيها كنيسة العذراء، فى ستينيات القرن الماضى، على مقربة من المسجد.
ولمّا علم خالد بالخبر، عاد ليخبر «إخوته» أنه سعيد للغاية، بأن الفتاة التى كان يريد الزواج منها، كان ينافسه عليها شيخه المفضل.
ولم يمض الكثير من الوقت، حتى بدأت ثورة يناير، وكان خالد قد تزوج قبلها بأيام قليلة، من شقيقة الفتاة، التى فضلت عليه الشيخ.
واستمر فى ولائه للحركة السلفية التقليدية، بكل تقلباتها، بداية من رفض الخروج على الحاكم، مرورًا بتطبيق شرع الله عبر مجلس الشعب وصولا للخلاف مع الإخوان ودعم النظام المصرى القائم.
وتعرف الحركة السلفية المصرية التقليدية، بأنها كتلة سائلة، لا رابط تنظيميا لها، تعتمد فى جماهيريتها على شعبية مشايخها وتوغلاتها المجتمعية، فى الكثير من الأوساط المجتمعية الفقيرة.
وهى نموذج لحركة سياسية برجماتية، تضمر فى داخلها أفكارها المعارضة دينيا للحكومات، لكنها لا تعلن ذلك صراحة، وتحاول التماهى مع الأوضاع القائمة، تجنيًا لمصائر مشابهة لحركات إسلامية سياسية أخرى.
ويمثل حسين شعبان، النموذج الثانى للتقلبات السلفية. وانضم للتيار السلفى، متأخرًا عن رفاقه، بعد رحلة جمعت بين طياتها، جزءًا من الإحساس بالضياع والاقتراب من المخدرات ومن ثم الإحساس بالذنب، وصولا لارتداء الجلباب الأبيض القصير، الذى يبرز من تحته السروال الأبيض أيضًا، بينما يطل من جيب جلبابه السواك، الذى يقترب من أن يلامس لحيته.
وفى الدروس الدينية، التى كان يتلقاها على يد أحد المشايخ البارزين، الذى طالما سافر وراءه من محافظة لأخرى، حرم الشيخ رؤية السافرات، الأمر الذى دفعه للاستماع لنشرات الأخبار، من غرفة مجاورة للتلفاز، حتى لا يرى المذيعات، لكنه بعض الثورة، وجد حسين الشيخ نفسه، يجلس مع المذيعات السافرات، فعاد لحياته الأولى، مطلقًا السلفية ووصل به الحال للإلحاد.
يرجع راوى هذه الحكايات الثلاث، هذا التناقض فى سلوك حسين، نتيجة لصدمته من الوجه الآخر للمشايخ، وتدمير الصورة المثالية، التى رسمها عنهم من كلام رفقائه، موضحًا أن ذلك دفعه لعدم الاقتناع أو تصديق أى داعية، فكان الإلحاد بديل الإلحاد.
أما النموذج الثالث للوجوه السلفية، فظهر جليَّا، بعد فض اعتصام رابعة، وموقف التيار السلفى التقليدى، الداعم للنظام، الذى لم يرض قطاعًا واسعًا منه. هذا القطاع تعلم التكفير من التقليديين أنفسهم، فقرر تطليق السلفية، لكنه هذه المرة، انضم لتيار أكثر راديكالية «السلفية الجهادية».
ويعتبر السورى مصطفى عبدالقادر المعروف بـ «أبو مصعب السورى» صاحب العمل الموسوعى عن التيار الجهادى: «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، أول من ابتكر المصطلح.
وعرف التيار السلفى الجهادى بأنه: «يشمل التنظيمات والجماعات والتجمعات والعلماء والمفكرين والرموز والأفراد الذين تبنوا فكرة الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمة فى بلاد العالم العربى والإسلامى، باعتبارها أنظمة حكم مرتدة؛ لحكمها بغير ما أنزل الله، وتشريعها من دون الله، وولائها لأعداء الأمة من قوى الكفر المختلفة. كما تبنوا منهاج الجهاد المسلح ضد القوى الاستعمارية الهاجمة على بلاد المسلمين معتبرين تلك الأنظمة التى أسقطوا شرعيتها وخرجوا عليها حلفاء محاربين للإسلام والمسلمين».
محمود، النموذج الثالث للوجوه السلفية، كان من هذا التيار ترك جماعته، وسافر للالتحاق بمن سماهم بـ «الإخوة المجاهدين» فى سوريا، التحق بـجبهة فتح الشام إحدى مئات الجماعات المتصارعة فى سوريا.
عمل قاضيا شرعيا، يفصل فى الخلافات المذهبية والدينية، بين أفراد التنظيم، وقتل قبل سنتين، فى قصف للطيران السورى.
وتقول إحصائية، أعدها مركز سوفان لدراسات التطرف «٢٠١٤»، إن ما يقرب من ٣٦٠ مصريا يقاتلون فى سوريا، بينما قالت صحيفة نيويورك تايمز، فبراير الماضى، إن عددهم وصل لـ٦٠٠.
وتعتبر السودان المرحلة الأولى لسفر الشباب المصرى، نحو سوريا التى ينطلقون منها نحو تركيا وبعد ذلك يدخلون من الحدود التركية إلى سورية.
وفى ٢٠١٥، نشر داعش كتيبا من ٥٠ صفحة فى عنوان: «كيف تهاجر إلى دولة الخلافة»، طالب فيه كل من يريد الالتحاق بالتنظيم، بحجز تذكرة ذهاب وعودة إلى إحدى الدول الأوروبية، لتضليل الأجهزة الأمنية، وبعد السفر يذهب إلى تركيا، ليتواصل مع عنصر الدولة، الذى دعاه إلى الانضمام.
ويقول الراوى: «لكى يلتحق أى فرد بالمقاتلين فى سوريا، تلزمه تزكية من أحد الإخوة، والتزكية عباره عن ضمان من الشخصيات الجهادية ذات الثقل فى أى تنظيم».

مشاركة :