خلال أيام حكم الاتحاد السوفييتي كان مجرد ذكر كلمة اسم إسرائيل يرقى إلى مستوى القذف من الدرجة الأولى. ولكن ذلك تغير تماماً الآن، بالنظر إلى أن اللقاء بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس حكومة إسرائيل، بات أمراً شبيهاً بالعادة المتكررة، الأمر الذي يعكس أسلوب روسيا المختلف في التعامل مع إسرائيل، عن القوة العظمى الشيوعية. ثمة تقارير غير مؤكدة تفيد بأن القادة الروس في سورية يحاولون تقييد تحركات «حزب الله». وتحدث نتنياهو، خلال انعقاد حكومته الأسبوعي، عن سبب زيارته المقبلة إلى موسكو، وذكر العديد من التفاصيل والأفكار، التي يريد التحدث عنها مع الزعيم الروسي. وهي بصورة أساسية تتعلق بإيران وسورية، وقال نتنياهو إن إيران تريد إجبار نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، أو ما تبقى منه، للسماح لها بإنشاء وجود عسكري دائم في سورية، على أساس أن يكون هذا الوجود قريباً من إسرائيل في مرتفعات الجولان، كي تفتح جبهة جديدة على إسرائيل، حيث أوضح نتنياهو أن ذلك سيستدعي رد إسرائيل الأكيد. ويبدو أن هذه الخطط قد بدأت من الآن، فأولاً إيران تملك آلافاً وربما عشرات الآلاف من الجنود في سورية، ليس فقط من الحرس الثوري الإيراني، وإنما من وحدات تابعة لـ«حزب الله»، والميليشيات الشيعية العراقية، والمتطوعين الشيعة الأفغان. وثانياً، «حزب الله»، الذي يعدّ ذراعاً مكملة للجيش الإيراني، انخرط أخيراً في حملة من التهديدات ضد إسرائيل، والإسرائيليون يأخذون هذه التهديدات على محمل الجد. وثالثاً، تبدو سورية في موقف العاجز عن مقاومة الضغوط الإيرانية، إذ إنه لولا دعم إيران لعجز الرئيس، بشار الأسد، عن السيطرة على أراضي بلده، حيث لا يملك السيطرة حالياً إلا على نصف بلاده. ورابعاً، والأكثر أهمية، فإن روسيا هي القوة الأجنبية التي أسهم دعمها في إبقاء الرئيس الأسد بقصره في دمشق، وأثبتت روسيا أنها تتحلى بموقف مسؤول إزاء دورها في سورية، وذلك من خلال الاتفاق مع إسرائيل، الذي حقق نجاحاً كبيراً والذي يقضي بعدم التدخل في نشاطات إسرائيل التي تستهدف «حزب الله» في سورية، إضافة إلى أن روسيا لا ترسل طائراتها العسكرية إلى جنوب سورية بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وهذه النقطة بالذات هي التي ستكون محور الحديث بين نتنياهو وبوتين. ويمكن أن تتوقع إسرائيل أن تكون روسيا هي القوة التي تعمل على تحييد إيران في سورية، إذ إن ذلك ينسجم مع مصالحها الاستراتيجية. وثمة تقارير غير مؤكدة تفيد بأن القادة الروس في سورية يحاولون تقييد تحركات «حزب الله»، لكن هناك الكثير الذي يجب القيام به هنا من أجل تحقيق ذلك، كما أن الرئيس بوتين مدرك معارضة العرب السنّة الشاملة للوجود الإيراني في سورية، إضافة إلى سخط تركيا من ذلك. وفي وسط كل هذا يأتي موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المُعادي لإيران، واحتمال نجاح روسيا في إيجاد حل للوضع السوري - بموافقة الأميركيين والإسرائيليين والأتراك والسعوديين - يقضي ببقاء الأسد في منصبه بدمشق، في حين تخرج إيران من البلاد. وبالطبع فإن مثل هذه الترتيبات وأهدافها، ينسجم مع سياسة إدارة ترامب في ما يتعلق بسورية، وسيكون أيضاً وفقاً للمصالح الأردنية والمصرية. ولابد من القول إن الفشل في إنجاز مثل هذه الترتيبات سينعكس عبئاً كبيراً على إسرائيل، كما أن البديل عن ذلك، سيكون قراراً إسرائيلياً تفرضه الضرورة الأمنية المتطرفة، لتتعامل تل أبيب بنفسها مع إيران في سورية، و«حزب الله» في لبنان. لكن هذا الخيار لا تريده روسيا بالطبع، لأنه ليس من مصلحتها، ولذلك فإن توقعات نتنياهو تشير إلى أنه سيعود من موسكو وهو في حالة من الرضا، أكثر مما هو عليه الآن.
مشاركة :