بعد 12 سنة من الجدل في ألمانيا حول إنزال الجيش الألماني إلى المدن في الحرب على الإرهاب، ومدى انطباق هذا الإجراء مع فقرات الدستور، بدأت في ألمانيا، أمس (الثلاثاء)، أول تدريبات مشتركة بين الشرطة والجيش، في إطار الحرب ضد الإرهاب. ويُعتَبَر الجيش والشرطة هذه التمارين اختباراً لتعاونهما في مكافحة الإرهاب خلال تدريب واسع النطاق على مدار ثلاثة أيام في ست ولايات ألمانية، وينتهي الخميس المقبل. ويشارك الجيش في هذا التدريب بـ350 عسكرياً سيكون بوسعهم، لأول مرة، تولي بعض المهام الداخلية السيادية، مثل استخدام العنف. أطلقت حكومة أنجيلا ميركل على التدريبات اسم «جيتيكس» الذي يختصر اسم «التدريبات المشتركة ضد الإرهاب». وتشمل التدريبات ولايات بادن فورتمبيرغ وبافاريا (جنوب) وبريمن (شمال) والراين الشمالي فيستفاليا (شمال غرب) والزار (وسط غرب) وشليسفغ هولشتاين (أقصى الشمال). ووضعت قيادة «جيتيكس» عدة سيناريوهات يجري التمرين عليها خلال الأيام الثلاثة، وتتم متزامنة في عدة مدن. ويقضي أحد السيناريوهات أن تتعرض محطة قطارات ميونيخ إلى انفجار إرهابي يقتل 20 شخصاً، ويصيب العشرات بجروح. وتتلقى القيادة المشتركة طلبات تدخل من بافاريا ومن ولايات أخرى في الوقت نفسه. يُضاف إلى ذلك تتصدى الشرطة إلى إرهابي في المحطة مزود ببندقية نصف أوتوماتيكية، ومواد لصناعة قنبلة، يساعده إرهابي آخر في المدينة. ويسبق كل ذلك وقوع الشرطة على أشرطة فيديو في الإنترنت تكشف استعداد منظمات إرهابية لتنفيذ ضربات بالقنابل في العاصمة البافارية. في بريمن، تتسلم الشرطة تبليغات عن «مختل» مسلح يقتحم مدرسة، وهو يصرخ: «الله أكبر». ويحصل انفجار في المدرسة، وتبادل إطلاق نار مع الشرطة، وتسود حالة «فزع» في المدينة. في الوقت نفسه، تتصدى وحدة مشتركة من الجيش والشرطة لانفجار قنبلة في مطار دسلدورف عاصمة ولاية الراين الشمالي فيستفاليا. يخلف الانفجار عشرين قتيلاً وعشرات الجرحى، وتتسلم الشرطة في الوقت نفسه بلاغات عن انفجارات مماثلة في مطار كولون - بون ومطار أيسن. في هامبورغ، يبلغ صاحب شركة نقل الشرطة عن افتقاده شاحنة كبيرة لا يستطيع تشخيص مكانها عبر الأقمار الصناعية. ويُفتَرَض أن تكون الشاحنة محملة بمواد مشتعلة خطيرة، وينوي الإرهابيون استخدامها في عملية إرهابية بالعلاقة مع عملية بريمن المذكورة أعلاه. وأثير موضوع إنزال الجيش لمكافحة الإرهاب، في فترة حكم المستشار الاشتراكي السابق جيرهارد شرودر. وكان وزير الداخلية الأسبق وزير المالية الحالي فولغانغ شويبله، من أول الداعين إليه. ووقف الحزب الديمقراطي الاشتراكي ضد هذا المقترح على طول الخط بدعوى رفض «عسكرة» المجتمع. وتنص الفقرة 35 من الدستور الألماني، التي تنظم العلاقة بين المركز والولايات، على السماح للجيش بالتدخل في الحياة المدنية أثناء حصول كوارث بالغة الخطر فقط. وبعد جدل طويل في العام الماضي اتفق الحزبان المتحالفان ببرلين، أي الحزب الديمقراطي الاشتراكي والاتحاد المسيحي، على اعتبار «العمليات الإرهابية ذات الأبعاد الخطيرة»، من ضمن الكوارث التي يجيز فيها الدستور إنزال الجيش إلى المدن. وسجل الطرفان اتفاقهما هذا في «الكتاب الأبيض 2016» الذي يضع سيناريوهات هذا التدخل. وتم الاتفاق على أن تتم دعوة الجيش، للتدخل في العمليات الإرهابية الخطيرة، من قبل الحكومات المحلية في الولايات الألمانية، وأن يجري هذا الإنزال بقيادة الشرطة. ويفترض الإنزال استنفاد الشرطة لإمكانياتها في السيطرة على الحالة بمفردها، وأن تقرر الولايات مدى وحدود المساهمة العسكرية في قمع الإرهاب. كما يفترض الإنزال أن يجري التنسيق بين قيادتي الشرطة والجيش في الولاية المعنية. وعلى هذا الأساس شكّل الجيش الألماني فرقة عسكرية، يتبع لها 50 مقراً آخر، في كل ولاية من الولايات الألمانية الـ16. وتم فتح مراكز في جميع المدن والأقضية الألمانية، يقودها ضابط رفيع المستوى، مهمتها التنسيق مع السلطات المدنية في مواجهة الكوارث المحتملة، والممتدة بين الكوارث الطبيعية والكوارث الناجمة عن العمليات الإرهابي. كما أنشأت وزارة الدفاع الألمانية 12 «مركزاً» على مستوى الاتحاد يتخصص بمواجهة الكوارث القومية، ومجهزة بالأجهزة والمعدات الخاصة بالتصدي للكوارث. وقبل ساعات قليلة من بدء المناورات، التي تحاكي عدة هجمات إرهابية متزامنة في عدة مدن ألمانية، دافع وزير الداخلي الاتحادي توماس دي ميزيير عن القرار، وقال إنه أمر ضروري ملحّ في ظل زيادة التهديدات الإرهابية حالياً. وقال دي ميزيير في العاصمة الألمانية برلين إنه لا بد من تجربة مثل هذا التعاون، مشدداً على ضرورة أن تعمل الأطراف مع بعضها، وأن تعمل قنوات توصيل المعلومات بكفاءة، وأن تعرف أيضاً أطقم العمل عن بعضها ما ينبغي القيام به. بدورها، دافعت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين عن التدريبات المشتركة، وقالت: «يقع على عاتق الجيش الكثير من المتطلبات في المهام المختص بها، لكنه يمتلك أيضاً قدرات وإمكانيات خاصة، مثل اقتفاء أثر المواد المتفجرة وإبطال مفعولها أو الناقلات المدرعة أو توفير الإمدادات لأعداد كبيرة من ضحايا الحرائق». وأضافت الوزيرة، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، أن عدم إتاحة موارد الجيش للمواطنين عند التعرض لهجوم إرهابي كبير سيكون أمراً غير مقبول من جانب المواطنين، لأن المواطنين ينتظرون أن تتعاون سلطات الأمن على نحو جيد في الحالات الخطيرة لحمايتهم. وزادت فون دير لاين موضحة: «إننا نتدرب مع الشرطة على حالة استثنائية للغاية نأمل ألا تحدث مطلقاً»، وأكدت أن الشروط القانونية لهذا الأمر تم تنظيمها على نحو وثيق للغاية. وترى المعارضة البرلمانية، متمثلة في حزب الخضر وحزب اليسار، أن الشرطة تكفي بمفردها لمواجهة عواقب التعرض للعمليات الإرهابية. واعتبرت خبيرة الشؤون الداخلية بحزب الخضر الألماني، إيرينه ميهاليك، أن هذا التدريب يعتبر باباً خلفياً لـ«عسكرة السياسة الداخلية».
مشاركة :