تكشف الوثيقة الأخيرة التي سرَّبها موقع ويكيليكس عن وسائل القرصنة الحاسوبية التي تستخدمها وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) في اختراق الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها يومياً، وتُسلِّط الوثيقة الضوء على المخاوف العميقة المتعلقة بالخصوصية، والتي كان إدوارد سنودن، المتعهد السابق لدى وكالة الأمن القومي، قد أثارها في عام 2013. ومع ذلك، تعتقد المؤسسات الأمنية بواشنطن أنَّ هذه التسريبات هي أحدث محطات الصراع بين الولايات المتحدة ووكالات المخابرات في روسيا، والذي اتخذ من المجال السياسي الأميركي ساحةً له. وكما يظهر للعيان، فموقع ويكيليكس يقف إلى جانب موسكو في هذه المعركة، وذلك وفق تقريرٍ نشرته صحيفة الغارديان البريطانية. وتأتي التسريبات الأخيرة وسط عداءٍ متصاعد وواضح للغاية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووكالات المخابرات في بلاده، وسط ادعاءاتٍ بجهود الكرملين في التأثير على نتيجة الانتخابات لمصلحة دونالد ترامب. وفي الأشهُر القليلة الماضية، أشارت بعض التقارير إلى إساءات ترامب المتكررة إلى وكالات المخابرات الأميركية؛ بل تخطت هذه الإساءات الحدود حين شبَّهها بالنظام النازي، بينما أبدى مدحاً صريحاً لأنشطة موقع ويكيليكس. وادَّعى ترامب أيضاً، دون الاستناد إلى أي دليل، تجسُّس إدارة سلفه باراك أوباما عليه وعلى حملته الانتخابية. وأدت الوسائل الواضحة التي تستخدمها وكالة المخابرات المركزية في القرصنة، وفقاً لوثائق ويكيليكس، إلى تأجيج هذا الصراع بشكلٍ أكبر. وادَّعى بعض مؤيدي ترامب أنَّ هجمات القرصنة الروسية قد تكون عملياتٍ سرية قام بها خصوم ترامب، وألصقوها بالحكومة الروسية بغرض التمويه، وزوَّدت وثائق "Vault 7"، التي نُشِرَت على موقع ويكيليكس يوم الثلاثاء، 7 مارس/آذار، مؤيدي ترامب بأدلةٍ محتملة للاستمرار في ادعاءاتهم. مجموعة "Umbrage" ويُسلِّط البيان الصحفي الذي نشره موقع ويكيليكس الضوء على مجموعة "Umbrage"، والتي ذكر الموقع أنَّها عبارة عن مجموعةٍ من وسائل القرصنة التي تستخدمها وكالات المخابرات في الدول الاجنبية، "بما فيها روسيا"، وهو ما يسمح لهذه المجموعة بتنفيذ عمليات سرية مموهة. وذكر موقع ويكيليكس في تقريره: "لا تساعد المجموعة والمشروعات المتعلقة بها وكالة المخابرات المركزية على زيادة العدد الإجمالي لأنواع الهجمات التي تُنفذها فحسب؛ بل تساعدها كذلك في تضليل محاولات اكتشاف الفاعل الحقيقي وراء هذه الهجمات، وذلك من خلال ترك (بصماتٍ) تُشير إلى المجموعات الأخرى التي سُرِقَت منها وسائل القرصنة هذه". وتكهَّن جيمس لويس، كبير نواب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والخبير بمجال الأمن الإلكتروني، بأن السبب وراء هذه التسريبات قد يكمن في دعم الرواية التي سردها مؤيدو ترامب بخصوص العمليات السرية المموهة والمضللة. وقال جيمس، محاولاً تفسير وثائق "Vault 7" في سياق العداء بين الرئيس ترامب ووكالات المخابرات: "قد يكون ذلك أحد التفسيرات لهذه الوثائق؛ إذ تُشكِّل هذه البيانات أساساً لقضيةٍ، مفادها أنَّ التدخل الروسي والعلاقات القائمة مع روسيا جزءٌ سري من أسرار (الدولة العميقة)، وهو ما يظهر من خلال الفقرات الواردة في وثائق ويكيليكس، والتي تُشير إلى تنفيذ عملياتٍ سرية مموهة". واستكمل جيمس حديثه قائلاً: "وطلب ترامب، الذي كان قد أبدى رفضاً غاضباً العام الماضي للاستنتاجات التي وصل إليها مسؤولو المخابرات بتدخل الجانب الروسي في الانتخابات الرئاسية لترجيح كفته، حالياً من موَّظفيه ومن لجنة الكونغرس، التي تُحقِّق في تدخل روسيا للتأثير على نتيجة الانتخابات الأميركية، إعلان بعض الأدلة بخصوص سعي أوباما للتجسس عليه". تغيَّرت نظرة الدول الغربية إلى تسريبات ويكيليكس تغيُّراً ملحوظاً منذ بداية نشرها عام 2010، حين نُشِرَت أعدادٌ هائلة من الوثائق السرية الأميركية عن حربي العراق وأفغانستان، فضلاً عن وثائق سرية خاصة بالسفارات الأميركية في شتى أنحاء العالم. لاقت تسريبات ويكيليكس حينذاك ترحيباً واسعاً من مُعارضي شن هاتين الحربين، ومن أنصار زيادة الشفافية الحكومية. ولكن منذ دورِه المُثير للجدل في الانتخابات الرئاسية عام 2016، صار الموقع مثاراً للشكوك؛ إذ لم تُركِّز تسريباته إلا على معسكر هيلاري كلينتون، مرشحة انتخابات الرئاسة الأميركية عن الحزب الديمقراطي، ونُشِرَت التسريبات في أوقاتٍ حرجة من الانتخابات. (وعقِب تسريب الموقع قرابة 2000 رسالة بريد إلكتروني من حملة هيلاري كلينتون، قال ترامب للمصوِّتين: "أنا أحب ويكيليكس!". وكان روجر ستون، أحد المستشارين السابقين لترامب، قد كتب تغريدةً يوم السبت الماضي، 4 مارس، قال فيها إنَّه كان يملك "وسيلةً قانونيةً تماماً" للتواصل مع مؤسس موقع ويكيليكس، جوليان أسانج. ثم حذف روجر الرسالة بعد ذلك. ومطلع شهر يناير، أكدت وكالة المخابرات المركزية، ووكالة الأمن القومي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، "بثقةٍ متناهية"، وقوف المخابرات الحربية الروسية وراء موقعي القرصنة المجهولين "Guccifer 2.0" و"DCLeaks.com"، اللذين سرقا بياناتٍ من أشخاصٍ بارزين بالحزب الديمقراطي وسلَّماها لموقع ويكيليكس. لماذا اختارت موسكو ويكليكس وقالت الوكالات الثلاث في تقريرها: "ومن المحتمل جداً أنَّ موسكو قد اختارت موقع ويكيليكس؛ نظراً لمصداقيته التي يتغنَّى بها، ولم يكن هناك أي تزويرٍ واضح في التسريبات التي نشرها ويكيليكس". وكان أسانج قد أصرَّ على أنَّ الوثائق لم تأتِ من مصادر روسية، مع أنَّ موقع ويكيليكس يقول أيضاً إنَّ الوثائق التي تُنشَر عليه تكون مجهولة المصدر في معظم الحالات. وفي البيان الصحفي الذي نشره الموقع للإعلان عن أحدث الوثائق المُسرّبة، رجَّح الموقع احتمالية أن يكون المصدر الأصلي للوثائق أحد القراصنة السابقين بالحكومة الأميركية، أو أحد المتعاقدين السابقين معها. ويعيش أسانج بالسفارة الإكوادورية في لندن منذ أكثر من 4 أعوام، وذلك منذ أن طلبت السلطات السويدية تسليمه إليها للتحقيق معه بتهمة الاعتداء الجنسي. وصور أسانج من السفارة حلقات برنامجه الخاص على قناة "RT" الخاضعة لإدارة الحكومة الروسية (والتي كانت تُعرَف سابقاً بقناة "Russia Today"). ولم ينشر موقع ويكيليكس سوى تقارير قليلة جداً من شأنها الإضرار بروسيا، ولكن أسانج قد برَّر ذلك بقوله إنَّ الأغلبية العُظمى للتقارير التي يستقبلها الموقع تكون باللغة الإنكليزية، أمَّا المواد المكتوبة باللغة الروسية فتُنشَر على وسائل أخرى. وقالت سوزان هينيسي، المُحامية السابقة بوكالة الأمن القومي، والتي تعمل حالياً في مؤسسة بروكينغز: "هناك الكثير من الأدلة غير المباشرة على وجود علاقة بين أسانج وروسيا، فبالتأكيد لم يكن من قبيل المُصادفة أن تختار المخابرات الحربية الروسية موقع ويكيليكس لتنشُر عليه الوثائق التي سرقتها من الحزب الديمقراطي". واستكملت سوزان حديثها قائلةً: "إنَّ تورُّط ويكيليكس يُثير الشبهات؛ إذ يلتزم الموقع بنشر الوثائق التي تضر مصالح الدول الغربية، ولكنه يواظب على تجنُّب نشر الوثائق التي قد يبدو أنها تُلحق الضرر بالمصالح الروسية". - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .
مشاركة :