احتفل الكويتيون يوم الاثنين الماضي، بالمكرمة الأميرية الإنسانية الخاصة بالجناسي المسحوبة، عندما أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم - بعد لقائه ومجموعة من النواب بصاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح - عن تفويض صاحب السمو له ولرئيس مجلس الوزراء بمتابعة ملف الجناسي المسحوبة وتقديم التصور الكامل عنه لسموه.لا شك أن هذه المكرمة السامية أجازت وباركت الاتفاق بين الحكومة والبرلمان، وهو إنجاز كبير لكل من شارك في تحقيقه، إن تم تنفيذه وفق الأطر الدستورية، وتحديداً المادة 29 من الدستور التي تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الانسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين».من هذا المنطلق الدستوري، أحيي النواب الذين رفضوا أن يقتصر الأمر على فئة معينة من المجتمع، وشددوا على ضرورة أن يشمل الاتفاق كل من سحبت جنسيته من دون وجه حق، ومن بينهم المواطنون الذين سحبت جنسيتهم في الثمانينيات من القرن الماضي. وبذات الدافع، أدعو النواب الآخرين إلى إعلان التزامهم بدستورية الصفقة وشموليتها.بالنسبة للحكومة، هذا الاتفاق أقرب إلى اختراق سياسي لمعارضيها، خصوصاً بعد نجاح المستجوبين في إبعاد الشيخ سلمان الحمود من التشكيلة الوزارية. فهذا الاتفاق أشبه بحصن للحكومة أمام «مشاريع الإقصاء السياسي» التي ظهرت ملامحها مرارا في جلسات البرلمان، لأنها حيدت شريحة كبيرة من المعارضة، ما دفع نواب «الإقصاء السياسي» للعمل على إفشال هذا التوافق بين الحكومة والأغلبية الساحقة في البرلمان. فتجد أحدهم قد كثف تغريداته الاستفزازية ضد بعض أطياف المجتمع الكويتي من خلال اتهامات مبطنة بولائهم لدول معادية، مطالبا بسحب الجناسي منهم. كما أن هناك بعض التحركات في وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه الاتفاق بالإدعاء بأنه يتضمن إسقاط العقوبات القانونية!وأما جناح الحراك، فهذا الاتفاق أقنعهم بأن الأسلوب الأمثل للإصلاح وتحقيق الوعود الانتخابية، هو الخيار الحضاري المتناغم مع الدستور والمتسق مع النظام العام للدولة والجامع لأطياف المجتمع، خاصة بعد أن ثبت لديهم أن هتك النظم والقوانين والنسيج المجتمعي لا يثمر إلا المزيد من الفساد في الدولة، وإن صلحت نواياهم. لذلك تجد النائب مبارك الحجرف يدعو زملاءه النواب - قبل الاعلان عن المكرمة - إلى الابتعاد عن التصريحات الاستفزازية حول قضية الجناسي المسحوبة، مؤكدا انها لا تؤدي الغرض، ولا طائل منها سوى تأزيم القضية وليس انفراجها.بل إن هذا التطور في منهجية الحراك تجلى في خطاب بعض النواب القدامى العائدين، ومن بينهم النائب جمعان الحربش الذي صرح في لقاء تلفزيوني - قبل شهرين تقريبا - بأن «الكويتيين الآن تركيبتهم السكانية فيها تنوع، ما نقول في خلاف، نقول فيها تنوع. للأسف الحكومة وأحيانا السلطة وبعض الأطراف حاولت أن تضرب بين مكونات هذا المجتمع، حتى تستقوي بطرف ضد طرف. سلاح الجنسية أستخدم ضد المكون الشيعي في يوم من الأيام، وإحنا أيدنا استخدامه ضد بعض الأشخاص السيئين. طبعا خطأ أن تؤيد استخدام ورقة الجنسية، وهذا خطأ سياسي مهم، لأن كل مخطئ حتى لو كان مجرما وكان خائنا، هناك محاكم وقضاء لازم يحاسب فيها ومن خلالها».وعلى الضفة الأخرى، نجد أن الاتفاق زاد من النضج السياسي لدى الناخبين، فأصبحوا يطالبون النواب بتحركات متعددة القنوات ومتكاملة التأثير أسوة بالتحركات الأخيرة لنواب المعارضة المؤيدين للاتفاق، الذين أعلنوا منذ البداية تعهدهم بالعمل على استرجاع الجنسيات المسحوبة. ثم وظفوا مختلف الأدوات الدستورية من أجل تحقيق ما وعدوا ناخبيهم، وكان آخرها التهديد باستجواب رئيس الحكومة. وبشكل متزامن ومكمل لنشاطهم البرلماني، كان لهم حضور إعلامي مكثف من أجل تشكيل رأي عام مؤيد لمطلبهم وضاغط على الحكومة، كما كانت لهم تحركات سياسية تجاه الحكومة للتوافق معها ولكن من وراء الإعلام. لذلك تزايدت المطالبات الشعبية باستجواب رئيس الوزراء ان لم يكن تنفيذ الاتفاق شاملاً لجميع الجناسي المسحوبة بمسطرة واحدة.المكرمة أسعدتني كثيرا للعديد من الأسباب، من بينها ما أشرت إليها من إيجابيات، ولكن أكثر ما أسعدني هو البعد الإنساني من منظورين: المرتبط بإعادة الحقوق إلى أهلها، والمتعلق بتنمية الثقافة الرافضة لاستخدام الجنسية كورقة سياسية. لذلك أدعو المجتمع لرفض مبدأ المكافأة السياسية بالتجنيس - أو بترقية فئة الجنسية - تماما كما يرفض مبدأ العقوبة بسحب الجنسية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».abdnakhi@yahoo.com
مشاركة :