أحيانا تكون العودة إلى أحداث الماضي معينة على فهم الواقع أو تفسيره وتحليله. وما يحدث من إرهاب باسم الدين قد عم عالمنا العربي، حتى يظن المرء أن المحيط الجغرافي الذي يتمدد فيه الإرهاب منشؤه وجود مؤمنين وكفرة، وهو اليقين المترسخ في أذهان من ينقاد لفئات إرهابية آلت على نفسها القيام بالعديد من العمليات التخريبية في مجتمعات مسلمة على أنهم كفار يجب إراقة دمائهم واستباحة أعراضهم وغنيمة أموالهم، ويفعلون ذلك بيقين راسخ لا تزعزعه كل الآراء السليمة والصائبة. ولو أردنا تقريب هذا اليقين الخاطئ الذي ينشأ في أذهان البعض، فيمكننا استلهام شخصية كشخصية عبدالرحمن بن ملجم المرادي (قاتل علي بن أبي طالب)، وكان قد تعاهد مع شخصين آخرين على قتل معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص ــ إذ أقدم ابن ملجم على القتل بيقين تام أنه يتقرب إلى الله بتلك القتلة الغادرة. هذا اليقين الفاسد الذي حمله ابن ملجم لم ينقضه قربه من عهد الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ أو من أحاديثه في فضل علي بن أبي طالب، ولم يفده وجوده بين بعض الصحابة من تخفيف فساد تفكيره، فقد كان مهووسا بما يظنه صوابا بالرغم من وجود عشرات الأحاديث التي تبطل يقينه، إلا أنه كان مؤمنا بذاته وبما ينتجه تفكيره من أقوال ومواقف. وابن ملجم صورة قديمة لآلاف من الإرهابيين المنتشرين بيننا الآن، فإن خاطبت إرهابيا أو استمعت لحديثه فستجد تلك الشخصية المغلقة المؤمنة بأفكارها الخاصة وغير القابلة للجدال أو الحوار. وكنت أظن أن هذه النوعية باحثة عن سلطة، إلا أن درس عبدالرحمن بن ملجم (ورفاقه) أوصلني إلى أن هناك شخصيات فاسدة التفكير وتبني مواقفها وآراءها من منتجها الفكري الخاص. فهل نقبل بهذه الفئة بعلاتها ونتعايش معها وفق اعوجاجها؟ الوضع أكثر تعقيدا من أن نجيب بنعم أو لا. فلو رضينا بوجودهم فهم لا يرضون بوجودنا، وأمثلة رفضهم لوجود المغاير لهم (وإن كان على مذهبهم) لا تعد ولا تحصى، وبسبب تكفيرهم بعضهم لبعض (وقبل ذلك تكفير المحيط الذي يعيشون فيه) تولدت حركات عديدة كلها امتهنت الإرهاب كأداة إقناع، وبالرغم من النتائج المرة التي أحدثوها على أرض الواقع لم يتعظوا أو يستوعبوا أن الله تعالى لا يرغب في مؤمن مجبر على إيمانه، وأن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ جاء مبلغا، وأن مهمتنا جميعا هي التبليغ وكل الرسل والمصلحين عبر التاريخ (ومن خلال الديانات المختلفة) اتسم المبلغون بالرقة والعطف والحنو على عباد الله.. والرعب الذي يمارس الآن باسم الدين في دول عربية مختلفة لا يمكن أن يكون له علاقة بالدين، والمقاطع المبثوثة عبر اليوتيوب للذبح والتنكيل بالخلق يجعل محاربة الإرهاب واجبا دينيا وإنسانيا، ومحاربة هذه الفئة لا يمكن أن يكون بنفس أدواتهم من ذبح وسحل، بل يجب أن يتم استقطاب من شرح الله قلبه ممن كان مؤمنا بذلك النهج الإرهابي وتقديمه إعلاميا (وبكثافة) ليتحدث عن تجاربه ويظهر العيوب والنقائص التي عاشها في تجربته، فمثل هذا الحل هو الوسيلة الوحيدة لخلق إقناع لمن يماثله ويشابهه.. وكما تتجدد وتتوالد الحركات الإرهابية علينا أن نجدد من وسائلنا في مجابهة هذا الفساد، ومما نلحظه الآن أن كثيرا من المؤتمرات التي تقام لمناهضة الإرهاب تتم داخل الصالات المغلقة نتحدث فيها بعضنا لبعض بينما أصحاب الرسالة غائبون.
مشاركة :