دروس في الثقافة السياسية من تونس ما بعد الثورة

  • 3/9/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تلقّى توفيق الجلاصي المكالمة المصيرية يوم عيد الميلاد من عام 2013. الأكاديمي التونسي كان مع عائلته في انتظار رحلة إلى فلوريدا وعطلة لمدة عشرة أيام من دوره عميدا لإحدى كليات الإدارة الفرنسية، عندما ظهر رقم تونسي على هاتفه الخلوي.قال صوت ما "أنا مهدي جمعة، رئيس الوزراء الجديد، وأنت أول من أتّصل بهم ليُصبح وزيراً".الأستاذ الجلاصي، الذي كان يبلغ 56 عاماً في ذلك الحين، لم يسبق له قط أن التقى جمعة. في الواقع، لم يعش أو يعمل بدوام كامل في موطنه منذ 35 عاماً، لأنه بنى حياة مهنية أكاديمية في الولايات المتحدة وفرنسا، متخصصاً في الاستخدام الاستراتيجي لتكنولوجيا المعلومات.في عام 2010، كانت "ثورة الياسمين" قد أطاحت بالرئيس التونسي الموجود في السلطة منذ فترة طويلة وبشّرت بفترة من الجيشان، بلغت ذروتها مع تعيين جمعة لإدارة حكومة تكنوقراطية لمدة عام. يقول الأستاذ الجلاصي في مقابلة "كنت متفرجا، أُشاهد الأخبار (التونسية) على التلفزيون من باريس. بين ليلة وضحاها، طُلب مني أن أصبح طرفاً فاعلاً. التحوّل كان مفاجئاً".قبِل العرض. عامه الذي أمضاه وهو يتقلب بين ثلاث وزارات - التعليم العالي، والبحث العلمي، وتكنولوجيات المعلومات والاتصالات - شهده يُحتجز كرهينة في مكتبه، وتعرض للابتزاز والتهديدات، وتعرض للانتقاد الشديد بسبب إصلاحاته التعليمية المُثيرة للجدل التي كان هو رائدها. هذا العام وفّر له دروسا وفيرة بخصوص دورة عن "القيادة في الأوقات العصيبة" التي يُدرّسها للتنفيذيين في كلية IMD للأعمال في لوزان على ضفاف بحيرة جنيف.انظر في كل الفرص مهما كانت شاقة عندما يضع الأستاذ الجلاصي معضلته لعام 2013 أمام صفه الدراسي في كلية IMD للتنفيذيين، "مجموعة صغيرة" عادةً ما تتفق معه على أنهم كانوا سيغتنمون "الفرصة الفريدة للقيام بواجباتهم" وخدمة بلادهم. عندما يُخبرهم أن زوجته، إخصائية الأشعة في باريس، وأطفاله الثلاثة عارضوا في البداية هذه الخطوة، يُغيّرون رأيهم.لو أن المكالمة لم تحصل قط، أو إذا كان قد رفض، يقول، إنه ربما كان سيظل عميد كلية الإدارة الدولية في كلية بون باريس تيك. العرض الذي جاء كالصدمة أجبره على إعادة النظر في مستقبله وفتح أمامه الخبرات والفرص: ضع أهدافا واضحة على المدى القصير - في إطار استراتيجية طويلة الأمدشروط دعوة جمعة كانت صارخة: جبل من التحديات، خطر جسدي، راتب قليل جداً وبدون استقالات أو شكاوى - أعلن رئيس الوزراء: "نحن نبدأ المهمة معاً، وننتهي معاً".في البداية، فترة الولاية المحدودة أوجدتت شعورا مفيدا من الإلحاح. في الوقت الذي اقتربت فيه المجموعة "من خط النهاية، ذلك (الموعد النهائي) أصبح عقبة كبيرة". موظفو الخدمة المدنية وغيرهم الذين يُعارضون التغيير يُمكن أن يمنعوا ذلك بمجرد تأخير القرارات.الأستاذ الجلاصي اختار التعليم العالي ليكون أولويته، لأنه رأى أن عشرات الآلاف من الخرّيجين التونسيين المؤهلين كانوا غير قادرين على الحصول على وظائف. من خلال التركيز على كيفية تشجيع المهارات من أجل العمل الحر وروح المشاريع، أخبر المتشككين "نحن بحاجة إلى فعل شيء لإصلاح التعليم العالي الآن. إذا لم يكن من الممكن أن يُنجَز، بحلول نهاية فترة ولايتي، لا بأس، لكن على الأقل سأكون قد بدأت شيئاً".منذ مغادرته، يقول، إن بعض الإصلاحات فقدت الزخم تحت ائتلاف سياسي. الولاية لمدة عام دفعت التكنوقراطيين إلى العمل، لكن "ثلاثة أعوام من شأنها منحنا الوقت لجني الثمار".اجمع فريقك معا واجعل جميع الأطراف تقبل الاستراتيجية صورة لمجلس الوزراء تماما بعد أداء القسم تُظهر مجموعة من الغرباء ذوي الوجوه الجامدة، يحملون عبء مسؤولية المنصب الكبيرة. معظم الرجال يضعون أيديهم بشكل متقاطع. يقول الأستاذ الجلاصي "أحد أصدقائي وهو طبيب نفسي، قال لي: (انظر إلى موقع أيدي الرجال. بالنسبة إلي، هذا موقف دفاعي)".لاختراق هذه الدفاعات، نظّم رئيس الوزراء اجتماعات غير رسمية في منازل الوزراء. الرجال والنساء في الحكومة كانوا يلعبون كرة القدم كل يوم أحد. كما شارك مجلس الوزراء في ألعاب بناء الفِرق في الغابات.في الوقت نفسه، جمع الأستاذ الجلاصي 150 شخصا لديهم اهتمام بالتعليم - رؤساء جامعات، ومسؤولين كبارا، واتحاد الطلبة وممثلين عن قطاع الأعمال - لمناقشة خطته، وتسهيل ورش العمل، حتى خلال رمضان، للتوصل إلى التغييرات. الرسالة: هذا كان إصلاحهم، وليس إصلاح الأستاذ الجلاصي، وحده.عليك بالإفراط في التواصلعند سؤاله عن الأمر الذي يشعر بالأسف لأجله، قال الأستاذ الجلاصي، إنه لم يكن يتواصل بما فيه الكفاية، ولا سيما من خلال القنوات غير الرسمية "الشباب والطلاب موجودون على وسائل الإعلام الاجتماعية - وهم لا يقرأون بياناتي الصحافية، الصادرة من خلال وكالة الأنباء الوطنية. بالتالي كان تواصلي أدنى من الحد المطلوب". جزئياً نتيجة لذلك، النصف الثاني من فترة ولاية الأستاذ الجلاصي طغت عليه المظاهرات.أعد صياغة المشكلة وتعلّم أن تكون قادرا على الثبات.خلاف شرس حول عدد المرات التي يُسمح فيها للطلاب بإعادة تقديم امتحاناتهم كاد أن يؤدي إلى سقوط الحكومة. قبل فترة وجيزة من انتهاء ولاية مجلس الوزراء لمدة عام، نصب الطلاب حبل مشنقة في أعلى مباني الجامعات وهددوا بالانتحار. يقول الأستاذ الجلاصي "بالنسبة إلي، هذه كانت فعلاً لحظة الحقيقة. هل يجب أن أتمسك بمبادئي، أم أستسلم وأحاول إنهاء المهمة بصورة إيجابية رغم الصعوبات"؟في النهاية، دخل في تسوية. هذا كان اختبارا لمتانته العاطفية التي يستخدمها الآن لمساعدة التنفيذيين في برنامج كلية IMD على وضع مشكلاتهم في السياق. "ينظرون إلى بعضهم البعض ويقولون (كنّا نعتقد أن مهمتنا معقدة فوق الحد، وصعبة فوق الحد، وشاقة فوق الحد، ومتطلبة فوق الحد، في حين إنها، من منظور مختلف، ليست كذلك على الإطلاق)".البقاء على قيد الحياةيقول الأستاذ الجلاصي، إنه في بعض الأحيان تجاوُز المواقف الصعبة هو مهم بقدر أهمية إحراز تقدّم: "كل يوم كنتُ أبقى فيه على قيد الحياة، سياسيا وجسديا، كان يوما جيدا بالنسبة إلي. كوني استطعتُ البقاء والنجاة من الاضطرابات العالية، هو في حد ذاته نوع من الإنجاز".كما توقعت زوجة الأستاذ الجلاصي في يوم عيد الميلاد المذكور من عام 2013، لم نستمتع بعطلة فلوريدا بسبب المناقشة الناجمة عن عرض رئيس الوزراء التونسي. دعمت زوجها "لأنها لم ترغب في المستقبل، أن يلومها لعدم السماح له بأن يخدم بلده".في الفترة الأخيرة أعلن جمعة عن خطته لتشكيل حزب سياسي، في الوقت الذي لا تزال فيه تونس تكافح مع العواقب السياسية للثورة. في المقابل، تبدو لوزان هادئة. عائلة الأستاذ الجلاصي مستقرة في سويسرا. إذا تلقى نفس المكالمة الهاتفية، فهل سيقبل الدعوة مرة أخرى إلى القيادة في الأوقات المضطربة؟ يقول "بالنسبة إلي، نداء الواجب أقوى من جميع الاعتبارات الأخرى. سأفكر في العرض بمنتهى الجدية".Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: أندرو هيل من تونسpublication date: الخميس, مارس 9, 2017 - 03:00

مشاركة :