إدوارد لوس | كان من المفترض به أن يقود ثورة ضد النخبة الأميركية. إلا أن دونالد ترامب في الواقع يجهز لهم مأدبة ستبهجهم. فهو بصدد وضع خطط واسعة النطاق وشاملة لرفع القواعد التنظيمية وخفض الضرائب وجيل جديد من عقود الدفاع. والسؤال الوحيد هو: بأي سرعة ستصدر هذه الخطط؟ في المقابل، خطط ترامب الاقتصادية الخاصة بالطبقة الوسطى تنحسر فعلياً. إذ تتضاءل بسرعة فرص سن مشروع قانون لمشاريع البنى التحتية الكبيرة. ويسمى ذلك في التسويق الطعم والتبديل. فتأثير البرنامج الاقتصادي لترامب هو تعميق الظروف التي أدت إلى ترشيحه. أكبر الفائزين من خطط ترامب هم العاملون في وول ستريت والوقود الأحفوري في قطاع الطاقة وقطاع الدفاع. ستيفن بانون مستشار ترامب الأكثر تأثيراً وصف مؤخراً مجموعة القوانين واللوائح باسم تفكيك الدولة الإدارية. مقابل كل قانون جديد، سيتم تفكيك اثنين. المجموعة الأولى ستخرج قريباً مع إصدار الأوامر التنفيذية بالتراجع عن «خطة الطاقة النظيفة» التي وضعها باراك أوباما للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وأمر تنفيذي آخر منفصل بشأن المياه النظيفة. وساعدت التوقعات بشأن هذه الأوامر التنفيذية بتغذية طفرة في أسهم شركات الطاقة منذ انتخاب ترامب. وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي خلال الشهر الأول لرئاسة ترامب بمعدل فاق أي رئيس آخر منذ فرانكلين روزفلت. وتفوقت أسهم الشركات المالية في أدائها أيضاً منذ الانتخابات. الكثير، إن لم يكن معظم، بنود الحماية الواردة في قانون دود- فرانك بعد انهيار بنك ليمان براذرز هي في مرمى نيران ترامب. وتشمل تلك البنود قاعدة فولكر التي تقيد البنوك من المضاربة بأموال الآخرين، وربما قواعد الحماية التي صممت لحماية المستهلك، الذين يطلق عليهم ترامب اسم «الأميركيون المنسيون»، من التسويق المتهور. وكان قال في وقت سابق إن هذه القواعد أعاقت أصدقاءه في وول ستريت من إقراض المال. والموسم مفتوح على مصراعيه، فعملية بانون التفكيكية لامست بالفعل معظم مجالات النشاط الفدرالي في أميركا. في الشهر الماضي، ارتفعت أسهم شركات السجون الخاصة بعد إلغاء وزارة العدل قانوناً لأوباما أنهى استعانة السجون الفدرالية بمصادر خارجية. وكانت الأسهم قفزت أصلاً بعد الإعلان عن أن إدارة ترامب سوف تحتجز المهاجرين غير الشرعيين في مراكز فدرالية بدلاً من إطلاق سراحهم. وبالمثل، أزال الرئيس الجديد للجنة الاتصالات الفدرالية أجزاء رئيسية من قواعد الحياد التي وضعت لحماية المستهلكين من التمييز. كما ألغت لجنة الاتصالات الفدرالية خططاً لفتح سوق الكابل أمام المنافسة. ويمكن توقع أيضاً فرصاً مربحة مماثلة في قطاع التعليم العالي وأسهم شركات صناعة الدفاع ومتعهدي الإسكان العام. ويبدو حجم التخفيضات الضريبية التي يعتزم ترامب إدخالها أكثر غموضا. ستيفن منوتشين، وزير الخزانة، يتعهد بإصلاح ضريبي بحلول أغسطس. ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم إدراج الضريبة المعدلة للحدود التي من شأنها أن تضر بالمستوردين والمفترض بها أن تعمل على تحفيز الشركات المصنعة لجلب الإنتاج إلى داخل الأراضي الأميركية. هل تتحقق الوعود؟ وضريبة الاستيراد ستجمع 1 تريليون دولار تقريبا على مدى العقد المقبل، وتمول عملية خفض أكبر في الضرائب. ومما لا يثير الدهشة، أن الأسهم الوحيدة التي كان أداؤها سيئا منذ تولي ترامب للسلطة هي شركات تجار التجزئة الكبيرة، مثل وول مارت، التي ستكون الأكثر تضررا من فرض ضريبة الحدود عند %20. زبائن تلك الشركات هم الأميركيون المنسيون الذين سترتفع فواتير البقالة خاصتهم. ولا يهم كثيرا ما إذا كان ترامب يدفع باتجاه تخفيض كبير أو متوسط في الضرائب. فبعملية حسابية بسيطة سيتبين أن المكاسب ستذهب بشكل غير متناسب إلى نسبة الواحد في المئة الأكثر ثراء. كيف سيعمل ترامب على إبقاء الأميركيين المنسيين راضين؟ الوعود الوحيدة الملموسة والواقعية هي تلك المتعلقة بتعزيز البنية التحتية وحماية الاستحقاقات مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية. والوعد الثاني فقط هو الذي من الممكن تنفيذه. فخطط زيادة الانفاق على البنية التحتية كانت أكثر وضوحا من أن تكون حقيقة، معظم الأموال الجديدة المفترضة تمثلت في الإعفاءات الضريبية بدلا من الإنفاق. ولكن حتى هذه من غير الوارد أن يمررها الكونغرس هذا العام. الجواب يكمن بدلا من ذلك في الوعد الكبير لترامب في الدفع بأجندة «اشترِ الأميركي ووظف الأميركي». والجميل في هذا الأمر هو أنه يمكنه تعريف فن هذه الأجندة بالطريقة التي يريد. الحديث عن «الفوضى الكبيرة»، التي يقول ترامب إنه ورثها عن أوباما هي جزء من هذه الأجندة. ترحيل المهاجرين غير الشرعيين يعد بمنزلة توظيف للأميركيين. وحمل الشركات تملقا على الإعلان عن وظائف جديدة في الولايات المتحدة، أو إعادتها، سيغذي أيضا السرد الذي يريد، حتى لو كان ببساطة إعادة تصميم لخطط قائمة أصلا. وتوقعوا هنا تدفق الإعلانات الوهمية للوظائف. الجانب المظلم هو من الذي سيلقي عليه ترامب باللائمة عندما يبدأ الناس في الشكوى. العدو الدائم لإدارته هو ما يطلق عليه بانون «المعارضة الكبيرة»، أي وسائل الإعلام. وسيتم رفض الأخبار السيئة باعتبارها نشرا للمعلومات والإشاعات الشاملة. ويكرر بانون الموضوع أيضا بالنسبة للقومية الاقتصادية. فالصين والمكسيك ودول غيرهما هي دائما كبش فداء جاهزة. وتوقعوا إجراءات كبيرة لمكافحة الإغراق في الأشهر المقبلة. ثم هناك وجود المسلمين والمهاجرين غير الشرعيين وهلمّ جرا. فهؤلاء جميعا هم الأهداف السهلة. فهل ستكون تكتيكات ترامب كافية ليشعر الأميركيون المنسيون بأن هناك من يتذكرهم؟ ربما. فالرئيس لديه موهبة في التحدث علانية ضد النخبة، بينما هو في الواقع يملأ جيوبهم. القاعدة مع ترامب، كما في الحياة، هي مشاهدة ما يفعله وليس ما يقوله. فهما غالبا ما يكونان بأنهما شيئان مختلفان. ترجمة وإعداد إيمان عطية
مشاركة :