لكم في رسول الله أسوة حسنة

  • 3/10/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

إن موضوع القدوة من المواضيع المهمة جدا في حياة البشرية، فالقدوة الحسنة هي الركيزة في المجتمع، وهي عامل التحول السريع الفعال، فالقدوة عنصر مهم في كل مجتمع، فمهما كان أفراده صالحين، فهم في أمس الحاجة للاقتداء بالنماذج الحية، كيف لا وقد أمر الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالاقتداء، فقال: «أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين» (الأنعام: 90). وتشتد الحاجة إلى القدوة الحسنة كلما بعد الناس عن الالتزام بقيم الإسلام وأخلاقه وأحكامه، كما أن الله ـ عز وجل ـ حذر من مخالفة القول الفعل الذي ينفي كون الإنسان قدوة بين الناس، فقال: «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» (الصف: 2 ـ 3). وقد عرفت القدوة بأنها: «إحداث تغيير في سلوك الفرد في الاتجاه المرغوب فيه، عن طريق القدوة الصالحة، وذلك بأن يتخذ شخصا أو أكثر يتحقق فيهم الصلاح، ليتشبه به، ويصبح ما يطلب من السلوك المثالي أمرا واقعيا ممكن التطبيق». ودين الإسلام دين القدوة، وأصحاب الهمم العالية هم الذين يسعون ليكونوا قدوة حسنة، وأعظم قدوة في الإسلام هم الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وعلى رأسهم نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذلك جعله الله لنا أسوة وقدوة، بل وأمرنا بذلك، فقال: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا» (الأحزاب: 21). يقول ابن عاشور في تفسير هذه الآية: «في الآية دلالة على فضل الاقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه الأسوة الحسنة لا محالة». وقال ابن كثير: «هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أقواله وأفعاله وأحواله». قال ـ سبحانه وتعالى ـ في سورة الأنعام بعد أن ذكر ثمانية عشر نبيا: «أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده» (الأنعام: 90). وهذا يدل على عظم أثر القدوة في تشكيل الشخصية الإنسانية، ويرجع الميداني هذا التأثير إلى عدة أسباب ركز عليها الإسلام، منها:1. أن في فطرة الإنسان ميلا قويا للاقتداء.2.أن المثال الحي الذي يتحلى بجملة من الفضائل السلوكية، يعطي غيره قناعة بأن بلوغها من الأمور التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال.3. أن المثال الحي المرتقي في درجات الكمال السلوكي، يثير في الأنفس الاستحسان والإعجاب. فالقدوة الحسنة هي المحرك والدافع للإنسان للارتقاء بالذات، فمن جعل له قدوة عظيمة في صفاته، فلا بد أن يتأسى به في كل صفاته، فالقدوة المؤثرة مثال حي للارتقاء في درجات الكمال، فهو دائما يطلب الكمال ويطلب المعالي، فهو بذلك مثار للإعجاب والتقليد من الناس، لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام والأقوال، وهذا ما أكده سيد قطب بقوله: «كانت سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحياته الواقعية ـ بكل ما فيها، من تجارب الإنسان، ومحاولات الإنسان، وضعف الإنسان، وقوة الإنسان - مختلطة بحقيقة الدعوة السماوية، مرتقية بها خطوة خطوة، كما يبدو في سيرة أهله وأقرب الناس إليه، فكانت هي النموذج العملي للمحاولة الناجحة، يراها ويتأثر بها من يريد القدوة الميسرة، العملية الواقعية، التي لا تعيش في هالات ولا في خيالات». فالقدوة لها دور كبير في إعلاء الهمم وإصلاح المسلمين، فمن كان عالي الهمة اقتدى به غيره، فأصلح نفسه وأصلح غيره. يقول تعالى: «والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما» (الفرقان: 74)، ففي هذه الآية يريد الله ـ عز وجل ـ من المسلمين التطلع للأفضل وإلى أعلى المقامات، وانظر لم يقل ـ سبحانه ـ: واجعلنا في المتقين، ولكنها تربية للمؤمنين على الهمة العالية، وأن يكونوا مثل إبراهيم ـ عليه السلام ـ يطلب إمامة المتقين، يقول شيخ الإسلام: «أي: فاجعلنا أئمة لمن يقتدي بنا ويأتم، ولا تجعلنا فتنة لمن يضل بنا ويشقى». ويقول السعدي في تفسير هذه الآية: «أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم، يقتدى بأفعالهم، ويطمأن لأقوالهم، ويسير أهل الخير خلفهم، فيهدون ويهتدون، ولهذا لما كانت هممهم ومطالبهم عالية، كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل العاليات، فقال: «أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما» (الفرقان: 75). فلله، ما أعلى هذه الصفات! وأرفع هذه الهمم! وأجل هذه المطالب! وأزكى تلك النفوس! وأطهر تلك القلوب! وأصفى هؤلاء الصفوة! وأتقى هؤلاء السادة! ومنة الله على عباده أن بين لهم أوصافهم، ونعت لهم هيئاتهم، وبين لهم هممهم، وأوضح لهم أجورهم، ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم، ويبذلوا جهدهم في ذلك، ويسألوا الذي من عليهم وأكرمهم - الذي فضله في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وآن ـ أن يهديهم كما هداهم، ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم». فالقدوة الحسنة نموذج إنساني حي، يعيش ممثلا ومطبقا لذلك المنهج الرباني الذي جاء به القرآن، ومن هؤلاء القدوة إبراهيم ـ عليه السلام ـ لأن الله ـ عز وجل ـ امتدحه وأثنى عليه في هذه الصفة، فكان قدوة يقتدى به، قال تعالى: «وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين» (البقرة: 124)، قال الجزائري: «إماما: قدوة صالحة يقتدى به في الخير والكمال».وقال ابن كثير: «فقام بجميع الأوامر وترك جميع النواهي، وبلغ الرسالة على التمام والكمال، ما يستحق بهذا أن يكون للناس إماما يقتدى به في جميع أحواله وأفعاله وأقواله». فلا شك ولا ريب أن القدوة الحسنة من أعظم ما يرفع الهمة، فمن اتصف بمن حوله، أو كان هو قدوة حسنة في نفسه، اهتم بالأخلاق الفاضلة، وتحلى بها، فكان ذلك له دافعا لعلو الهمة. فالحريص الموفق الذي يروم المعالي، لا نراه إلا مــع أصحـاب الهمم العالية، من القدوات الربانية الصالحة، فسيكون منهم أو قريبا منهم.

مشاركة :