الوطن المجروح، ينزف كلما زاده أبناءه تمزيقاً وتشويهاً، ويشرق مبتهجاً بأمل التعافي كلما صدح صوت ملائكي بأجمل الكلمات والألحان.«بغنّيلك يا وطني»، أغنية هبة طوجي الجديدة، حمّلها غدي الرحباني كل أوجاعنا بكلمات الحزن والأسى والأسف، المجبولة بأمل وحب وتمسك بالأرض والبقاء. أسامة الرحباني لعب بألحانه على أوتار عواطفنا، ماج بين الكلاسيكية والرومانسية الهادئة والثورة الصارخة الداعية إلى النهوض. هبة طوجي لم تكتف بالأداء الرائع بصوتها الأوبرالي الحنون، بل قدمت رؤية إخراجية أعطت الكليب حقه، فجاء كأنه فيلم قصير مكتمل العناصر الفنية. ببساطة، اعتمدت على الطبيعة والمشاهد الرمادية، غنّت بين النفايات والتلوّث والدمار وبقايا المدينة، مرّت على الأحياء البيروتية والأطفال بلمحة حزن ولمسة تزهر ثم تنطفئ. بين الواقع الحزين والأمل المشرق والطبيعة الخضراء، ومن الهواء الملوّث إلى النقي المنعش.. تحكي طوجي ويحكي الرحبانيان حكاية كل لبناني مع هذا الوطن الجريح، والمهزلة التي وصل إليها بسبب «حكّام العار».. تسأل بلسان كل لبناني «شو اللي معلّقني فيك؟» وهي حسرة وحيرة بين الرغبة في الهجرة والتمسك بالبقاء.الغضب ساطع في الكليب، أكثر من سطوع الشمس. لكن الحزن واقع، حياة تختصر يوميات مواطن لبناني، وطنه صغير وفي باله هو كبير. تلوّث، غيوم، نفايات، بيروت لم تعد بيروت.. والأمل ينفض كل هذا الغبار «شمسك تضوي ما تنطفي ولا القمر ينام». خوف من ضياع الوطن هي مواجهة صريحة وجريئة وربما تحمل الكثير من القسوة، لكنها ضرورية في محاولة للإنقاذ قبل فوات الأوان، وليكون المستقبل مزهراً ومشرقاً وملوناً. رائع الفن حين يسمو إلى ما يليق بآدميتنا وإنسانيتنا.. رائع حين يحترم عقولنا ويحاكي أوجاعنا وأحلامنا تاركاً التشويه والإغراء والابتذال والرخص في «مزبلة» الوطن. جميل ومهم أن يتمسك الفنان برسالته ويدرك أن الفن موهبة ودور عليه أن يؤديه ويقدمه على أكمل وجه، وأن يحكي لنا حكاياته وحكاياتنا بأجمل الألحان والإبداع والأصوات والكلمات.. يأخذنا إلى عالم الأحلام حتى وهو غارق في عمق الواقع، نبكي معه، نفرح، نضحك، نرقص، نعلّي الصوت دون أن نخجل أو نغلق عيون أطفالنا. الفنان الحقيقي لا يحتاج إلى التعري كي يقول شيئاً، ولا يحتاج إلى الإغراء ليثبت وجوده، ولا يحتاج إلى إثارة الضجة وافتعال المَشاهد ليصير حديث الناس.هبة طوجي فنانة لبنانية وصلت إلى العالمية، غنت ومثّلت وأخرجت، شاركت في «ذا فويس» فرنسا، والأهم منه لعبها دور البطلة «إزميرالدا» في المسرحية الغنائية الشهيرة «نوتر دام دو باري» أو «أحدب نوتردام» على المسارح الباريسية. نعجب ممن يدافع عن كل دخيل على الفن يشوهه ويشوه اسم لبنان وصورته، تحت ذريعة «الحرية» وعدم الحجر على أحد. نعجب ممن لا يغار على وطنه وعلى الفن والذوق، وكأن الحرية تعني أن تصير الشاشات مشاعاً، والفيديو كليب وسيلة لوصول البعض إلى الشهرة على حساب الأخلاق وعلى حساب كل المبادئ والأعراف، وعلى حساب الأطفال. حين يكون في لبنان هبة طوجي والرحابنة وأمثالهم، نرفض أن نحكي عن أي عارضة للجسد والأخلاق وهي دخيلة على الغناء.. لا الأمل سينتهي ولا القمر سينام. مارلين سلومmarlynsalloum@gmail.com
مشاركة :