هذا جوابي مع التحية والتقدير

  • 3/10/2017
  • 00:00
  • 46
  • 0
  • 0
news-picture

القضاة والعلماء لم يتدخلوا في زواج مباح اتفقت عليه الأسرتان، مهما كان نسب هاتين الأُسرتين، وإنما تلك الأُسر هي التي ذهبت للقضاة بعد إحدى المقالات التي كتبتها، كتب القارئ الكريم الأستاذ غرم الله قليل، وفقه الله، تعليقا تضمن سؤالا هذا نصه: «سؤال للشيخ الفاضل الرضيمان: لماذا تقبلون من الشيخ الألباني كل شيء إلا قوله عن «كشف وجه المرأة»؟ حيث قدمتم العادات والتقاليد على ما يسعه الاختلاف؟». وكتب سؤالا آخر: حول التفريق بين الزوجين، بحجة عدم كفاءة النسب؟ وهل لعلمائنا فقه خاص؟ ولقناعتي التامة بأهمية التواصل مع القراء الكرام، لأننا نكتب لهم، ونستفيد من أسئلتهم وملحوظاتهم، وقديما قال الفقيه المفسِّر ابن سعدي -رحمه الله-: «ونحن ممنونون في كل ما يقع لكم من إشكالات، لأنها قد تصير سببا لبحث أمور لم تخطر على البال، ومراجعة محالها، وهذا من طرق العلم، فلا تحرمونا ذلك، أرجو الله أن يجعل عملنا وإياكم خالصا لوجهه». فإذا كان هذا ما يقوله العلامة ابن سعدي، فماذا أقول وبضاعتي في العلم مزجاة، ولكن كما قال الله تعالى: (ومن قُدِر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله)، فالعلم رزق من الله، والناس يتفاوتون فيه، ينفقون منه حسب ما آتاهم الله، ولهذا أستعين بالله على جواب أخينا الفاضل، وأسأل الله أن يوفقني للصواب، وأن ينفع بذلك كل من قرأه، فأقول: أولا: قولك -حفظك الله- لماذا تقبلون من الألباني كل شيء...الخ، أقول: يا محب، هذه دعوى لا دليل عليها، ونحن وعلماؤنا لا نتقيَّد بما قال الشيخ الألباني -رحمه الله- ولا غير الألباني، وإنما نتقيد ونعمل فقط بما قاله الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ونفهمه بفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ولهذا فبعض أقوال الشيخ الألباني -رحمه الله- تم ردها بمقتضى الدليل الشرعي، ومنها على سبيل المثال: تحريمه لبس النساء للذهب المحلَّق، ومنها: تحريمه استعانة المملكة العربية السعودية بالقوات الأجنبية في تحرير الكويت، بينما علماء المملكة الراسخون في العلم أجازوا ذلك بالإجماع، وتبين أن ما أفتى به علماؤنا هو الحق، الموافق للأدلة، والمحقق لمصالح بلادنا، ولهذا فتميُز علمائنا الراسخين -بحمد الله- يشهد به حتى المخالفون لهم، يقول الشيخ القرضاوي وفقه الله: «وقفت ضد المشايخ الكبار في السعودية، داعيا لنصرة حزب الله قبل سنوات مضت، لكن مشايخ السعودية كانوا أنضج مني، وأبصر مني، لأنهم عرفوا هؤلاء على حقيقتهم»، وبياني لمكانة علماء المملكة لاسيما الراسخين في العلم منهم، كابن باز وابن عثيمين -رحمهما الله- والمفتي وصالح الفوزان -حفظهما الله-، لا يعني أنهم معصومون، كلا، ولكنهم محل الثقة والعلم والفقه والديانة، ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ومن أبرز سماتهم أنهم يعظِّمون الدليل، وقد سمعت شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- أثناء الدراسة عليه، يقول: «من خالفني بمقتضى الدليل عنده، فهو من أحب الناس إليَّ، وأنا وهو متفقان، لأننا جميعا اتفقنا على تطبيق قوله تعالى: (وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)، فكل منا رده إلى الله والرسول ولم يجامل الآخر». ولهذا ربما يختلف علماؤنا في المسائل الاجتهادية، مع محبتهم لبعض، فالشيخ ابن باز رحمه الله - على سبيل المثال- لا يرى وجوب طواف الوداع للمعتمر، بينما شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- يرى وجوب ذلك، وهما معا يريان وجوب الزكاة في الحلي الذي تستعمله النساء، بينما لا يرى شيخنا صالح الفوزان -حفظه الله- وجوب ذلك. ثانيا: قولك حفظك الله: «قدمتم العادات والتقاليد على ما يسعه الاختلاف»، أقول: تغطية وجه المرأة، ليست عادة وتقاليد، وإنما هي عبادة جاءت الأدلة بمشروعيتها، ومساحة المقال لا تتسع لذكر تلك الأدلة، فأحيلك والقارئ الكريم إلى رسالة صغيرة لطيفة لشيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- بعنوان: (الحجاب) ففيها الأدلة الشرعية، على وجوب تغطية وجه المرأة، وأربأ بأخي الكريم أن يسمي ما وردت به الأدلة الشرعية، مجرد عادات وتقاليد. ثالثا: هذه المسألة - تغطية وجه المرأة- مسألة خلافية بين العلماء، منذ زمن طويل، اختلف فيها العلماء على قولين، وكلٌ له أدلته، وفهمه لتلك الأدلة، وجرى العمل في بلادنا منذ تأسيسها على القول بتغطية وجه المرأة، باعتباره في نظر علمائنا هو القول الراجح من قولي العلماء، فما كان ينبغي لأخينا -سامحه الله- أن يصف من أدَّاه اجتهاده إلى ترجيح أحد القولين، بأنه مُتبعٌ للعادات والتقاليد! ولا يخفاك أخي الكريم أن بعض الناس ينتقون من فتاوى العلماء ما يُوافق رغباتهم، دون نظرٍ في الأدلة، ومعلومٌ أن الشيخ الألباني رحمه الله -وهو الذي استشهدتَ به- يرى تحريم المعازف والأغاني، وهو يوافق علماءنا في ذلك، بمقتضى الأدلة الشرعية، ومع ذلك فالانتقائيون لا يأخذون ذلك منه، وإنما فقط يأخذون قوله بعدم وجوب تغطية وجه المرأة، وهذا المسلك الانتقائي غير صحيح. رابعا: سؤالك الآخر عن قضية تكافؤ النسب، والتفريق بين الزوجين بعد وجود الأبناء. أقول: إن القضاة والعلماء لم يتدخلوا في أمر زواج مباح اتفقت عليه الأسرتان، مهما كان نسب هاتين الأُسرتين، وإنما تلك الأُسر هي التي ذهبت للقضاة في المحاكم، طلبا لحل إشكالات ربما تصل إلى أمور لا تحمد عقباها، فحينئذ ينظر القضاة في ذلك، لتحقيق المصالح، ودرء المشاكل بينهم، وأنت تعلم - أخي الكريم - أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فأحيانا يُمنع المباح، إذا أدى إلى شرٍ وفتن، كما أن إنكار منكر معين، يحرم إذا كان يؤدي إلى منكر أكبر، كما قال تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)، وإذا كان إتمام زواجٍ معين، أو استمراره، يؤدي إلى شرٍ واقتتال، فإنه يمنع لمصلحتهم جميعا، حتى لو كانوا أقارب نسبهم واحد، فضلا عن ما ليس كذلك.

مشاركة :