عادت أحداث الموصل، وما سبقتها من معارك، طرح موضوع الأقاليم في الواجهة، بحثا عن إعادة الاستقرار والإعمار، بعد الفشل الحكومي في تأمين ذلك طوال السنوات الأربع عشرة الماضية، منذ غزو العراق حتى الآن. ويناقش الوسط السياسي في العراق حاليا اجراءات ما بعد تحرير الموصل، خصوصا تشكيل أقاليم جديدة، أو منح المحافظات مزيدا من الصلاحيات. حيث أعلن أيزيديون وآشوريون وتركمان في العراق، عن تحالف ثلاثي يجمع أقليات العراق ضمن إدارة ذاتية مرتبطة بالحكومة الاتحادية في بغداد، وتحت شعار «إقليم الرافدين»، كضمانة لاستقرار الأقليات. وويطالب التحالف الوطني لإقليم الرافدين بتشكيل أقاليم ومحافظات جديدة، ويعطي الحق لجميع القوميات التي تتعايش داخل العراق، في الإدارة الذاتية، والحفاظ على التراث، والثقافة والحضارة، (حسب الباب الخامس/ الفصل الأول/ المواد: 112 و115 و116 من الدستور العراقي الدائم لسنة 2005)، مع تأكيد أن الدعوة إلى إنشاء الإقليم ما هي إلا ممارسة الحقوق الدستورية المشروعة للجميع، ومنع تكرار المصائب وحملات الإبادة الجماعية والمجازر التي ارتكبت وما زالت تُرتكب ضد المجتمعات الصغيرة، وحمايتها. بعد «داعش» وعلى الرغم من بطء التقدم في معركة الموصل الذي يعزوه عسكريون إلى صعوبة تحرك القوات في أحياء مكتظة، فإن الأوساط السياسية بدأت الإعداد لـ «التسوية التاريخية» بعد «داعش» بإشراف بعثة الأمم المتحدة، ويتقدم فريق صوغ التسوية زعيم «التحالف الوطني» عمار الحكيم. وتتحدث المصادر المقربة من تلك الحوارات عن قضيتين عالقتين: الأولى تتعلق بآلية تحول محافظة أو أكثر إلى إقليم أو الإبقاء على التنظيم الحالي بعد توسيع قانون المحافظات، أما القضية الثانية فهي تسوية الملفات القضائية لقادة سنة، بعضهم معتقل. وأشار الكثير من الباحثين والمحللين، حتى السياسيين انفسهم إلى أن (عراق ما بعد تنظيم داعش) سيكون اكثر تعقيدا، فالطموحات الكردية ارتفع سقف مطالبها علنا بإعلان رغبتها ضم مناطق أخرى تشمل سنجار ومناطق من كركوك وديالى، وفي هذا الصدد صرح مسؤولون أكزاد بأن: (العراق ما قبل سقوط الموصل لن يعود كما كان). وتأكيدات رئيس الإقليم (مسعود بارزاني) أن (جهود قوات البيشمركة لن تذهب سدى)، وتكرار تهديداته بإعلان (استقلال الإقليم)، والعيش كدولة مستقلة تتمتع بعلاقة «حسن الجوار» مع جارها الجديد (العراق). صعوبة معطى آخر يشير إلى أن مرحلة ما بعد داعش ستكون أصعب واعقد، ذلك أن معظم الجهات السياسية أمنت نفسها بوجود قوات تابعة لها، إضافة إلى وجود الدعم الإقليمي لكل جهة من تلك الجهات ما يؤدي إلى تبلور حالة من النزاع السياسي. هذا ناهيك عن الموقف التركي الرافض لسحب قواته العسكرية من منطقة بعشيقة فضلا عن تحكمه بمصادر المياه النابعة من الأراضي التركية، ما يزيد الأمور تعقيداً اكثر. في الأثناء، أكد رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، الالتزام بوحدة العراق وأرضه ورفض أي شكل من أشكال التقسيم تحت أي عنوان وأي تبرير مؤكدا حرصه فيما لو تحققت هذه المبادئ الحضور في أي محفل وطني او إقليمي او دولي يراعي هذه المبادئ وهذه الشروط ويقدم الضمانات الأكيدة لتحقيقها. وأوضح رئيس البرلمان، أن العراق خلال الفترة الماضية عانى من ارتدادات صراع المحاور والتنافس الإقليمي فيه، مؤكداً أن المصلحة الوطنية المطلقة التي تحقق سيادتنا وتمنع تدخل الآخرين في شؤوننا هو معيار ترحيبنا بكل جهد خارجي مخلص وداعم يسعى لإعانتنا على هذه الظروف.
مشاركة :