النسخة: الورقية - دولي بعد تجميد عضوية الجمهورية العربية السورية في كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، هل آن الأوان للتطلع إلى الأبعد واتخاذ القرار الحاسم الذي يفرضه الحرص على المصالح العليا لدول العالم الإسلامي، على مستوى منظمة التعاون الإسلامي؟ لقد عوقبت سورية بتجميد عضويتها في المنظمتين الإقليميتين، لأن النظام السوري يشن الحرب على الشعب، ويمارس أقسى أنواع التنكيل والقمع والاضطهاد ضد المواطنين السوريين الذين قاموا مطالبين بحقوقهم في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولكن سورية لا تقف وحدها في الميدان، فلولا الدعم الكامل المطلق الذي تقدمه لها إيران على جميع المستويات، الذي اعترف به قادة إيران وتفاخروا به، لما بقي النظام الاستبدادي قائماً. فالوجود الإيراني على الأرض السورية هو احتلال عسكري وأمني وسياسي، بكل ما في الكلمة من مدلول. وحينما نقول الاحتلال الإيراني لسورية، فهذا يعني وجود قوات إيرانية وميليشيات عراقية تابعة لها وأكثر من خمسة آلاف مقاتل من «حزب الله» اللبناني في هذا الاحتلال. فالشعب السوري خاضع اليوم للاحتلال الإيراني ومحاصر تحت نفوذه الطاغي الكاسح. ولقد توضح بالقدر الكافي، أن بشار الأسد وعصابته الإجرامية، ليسوا سوى واجهة تخفي وراءها الهيمنة الإيرانية على القرار السوري، إن جاز أن نقول القرار السوري، لأنه في الحقيقة القرار إيراني في البدء والختام. الدولة التي تعيث فساداً ودماراً وخراباً وتقتيلاً فوق الأرض السورية، أليست هي الدولة التي تتحمّل المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة التي لا مثيل لها في التاريخ المعاصر التي يكتوي الشعب السوري بنيرانها؟ أليست إيران، العضو في منظمة التعاون الإسلامي، مسؤولة مسؤولية سياسية وأخلاقية كاملة إزاء استفحال الأزمة السورية وتفاقم الأخطار المحدقة بالمنطقة من جراء ذلك؟ أليست الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الدولة التي تشارك بقوة في قتل الشعب السوري، وتدمر المدن والقرى، وتحول دون التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه في إطار جهود الأمم المتحدة؟ إن السياسة التي تنفذها إيران في سورية تتعارض كلياً مع ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، كما تتعارض بالكامل مع ميثاق الأمم المتحدة. وقبل هذا وذاك، تتناقض هذه السياسة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومع منظومة القيم الأخلاقية الإسلامية ومع المبادئ الإنسانية. وهو الأمر الذي يؤكد أن إيران تتناقض هنا مع نفسها، وتنتهك مبادئ ما تسميه (الدستور الإسلامي)، وهو دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أليست هذه أدلة كافية للحكم على النظام الإيراني بالتواطؤ والشراكة في ارتكاب جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية فوق الأرض السورية، مما يقتضي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب قبل فوات الأوان وضياع سورية بالكامل من العرب؟ إن خطورة الأمر تتطلب تحركاً مسؤولاً وسريعاً من منظمة التعاون الإسلامي، على مستوى مجلس وزراء الخارجية، لوضع الأمور في نصابها، وللحفاظ على صدقية العمل الإسلامي المشترك، ولإنقاذ الشعب السوري من الكارثة التي حاقت به. إن إيران متشبثة بسورية إلى آخر قطرة دم، كما يقال. بل ها هو القول الفصل من قائد القوة الجوية في الحرس الثوري الإيراني علي حاجي زاده، الذي قال بصراحة لا مزيد عليها: «إن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة وعدم سقوط نظامه يعودان في جزء كبير منهما إلى رغبة إيران في استمرارهما». وهذا الكلام الخطير يطرح تساؤلاً حول الأطراف الأخرى التي لها مصلحة (سماها المسؤول الإيراني رغبة) في استمرار نظام بشار الأسد، لأن سياق هذه العبارة (يعودان في جزء كبير منهما)، يفيد أن ثمة (جزءاً صغيراً) من بقاء الأسد وعدم سقوط نظامه، يعود إلى أطراف أخرى. وهنا لا نحتاج إلى كثير من الجهد لكي نعرف أن روسيا هي طرفٌ رئيسٌ في استمرار النظام الاستبدادي في سورية، وأن الولايات المتحدة ضالعة في دعم هذه السياسة الرامية إلى بقاء الوضع على ما هو عليه خشية من مجيء الأسوأ الذي سيهدد أمن إسرائيل التي هي متورطة أيضاً في درء الخطر عن النظام السوري، وفي تسهيل السبل للحفاظ عليه من أن يسقط وحتى لا يحل محله (نظام غير مأمون) يخل بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة. وهو التوازن الذي يخدم مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى. أليست هذه إذاً مؤامرة من المؤامرات الكبرى التي يسعى القائمون عليها إلى إغراق المنطقة في الفوضى الهدامة؟ وهل يخفى، بعد هذا الوضوح الكامل، أن ثمة مؤامرة حقيقية جرى ويجري تنفيذها في سورية وأن الشعب السوري هو الضحية الأولى لهذه المؤامرة؟ وهل يجادل أحد في أن من مصلحة الدول الثلاث أن تنفرد إيران بسورية، وأن تستمر في بسط هيمنتها عليها، مقابل أن تلتزم بمقتضيات الاتفاق الذي وقعت عليه مع القوى الكبرى بخصوص الملف النووي، وأن تفي بالتفاهمات السرية التي جرت بينها وبين الولايات المتحدة حول ترتيبات إقليمية يجهل حتى الآن طبيعتها؟ إن بقاء النظام الاستبدادي في سورية هو قضية حيوية، لا بالنسبة الى إيران فحسب، ولكن بالنسبة الى الدول الثلاث الأخرى، روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل. وإذا كان العرب والمسلمون لا يملكون اليوم القدرة على ممارسة الضغط على الدول الثلاث، أفلا يملكون هذه القدرة على اتخاذ قرار حاسم لوقف التمدد الإيراني في المنطقة من خلال احتلالها سورية؟ هنا تتحدّد مسؤولية منظمة التعاون الإسلامي التي يتوجّب عليها أن تكون حريصة أشدّ الحرص على الالتزام بالميثاق وبالقرارات التي يتخذها مجلس وزراء الخارجية والقمة الإسلامية، وأن تتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب. * أكاديمي سعودي
مشاركة :