رواية مغربية تخرج طنجة من خشبة تياترو ثرفنطيس بقلم: حسونة المصباحي

  • 3/10/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

رواية مغربية تخرج طنجة من خشبة تياترو ثرفنطيسلا شيء يبقى على حاله لا الناس لا الأرض لا السماء ولا حتى الذكريات والمشاعر، كل شيء يتغير وتطاله يد الزمن لتعبث به فإما أن ترفعه إلى الأفضل وإما أن تنزله إلى الأسفل، هكذا هو حال مدن عربية كثيرة كانت قبلة الفن ومحور القصائد ومحط أنظار العالم، لكنها باتت أقل بريقا، فيما تأمل أن يعود لها بريقها على أيدي الجيل الجديد.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/03/10، العدد: 10567، ص(14)]مسرح ثرفنطيس فقد الحياة وتآكل من النسيان ليست هناك مدينة مغربية فتنت الأدباء والشعراء من جنسيات ومن ثقافات مختلفة مثلما هو حال طنجة المطلة على الأندلس وعلى جبل طارق. فعندما كانت مدينة عالمية في السنوات الفاصلة بين الحربين العالميتين، عرفت المجد والشهرة بعد أن توافدت عليها أعداد وفيرة من الأوروبيين والبريطانيين والأميركيين لينعموا فيها بحياة هادئة بعيدا عن صخب الحروب وجراح الانشقاقات والنزاعات. وكان الأميركي بول بوولز (1910-1999) أول كاتب أميركي يبادر بالاستقرار في طنجة، وفيها ظلّ حتى وفاته، وفيها دفن أيضا. شخصيات الذاكرة كثيرون آخرون جاؤوا إليها من فرنسا وإسبانيا وألمانيا وسويسرا بحثا عما يمكن أن يحرك السواكن ويلهب النار في الأنفس الباردة والمجمدة. أما الراحل محمد شكري الذي قدم إليها من منطقة “الريف” في سنوات المجاعة الكبرى التي ضربت المغرب في الثلاثينات من القرن الماضي، فقد خلدها في كلّ ما كتب من قصص وروايات. وربما كان على حق عندما كان يقول “أنا كاتب طنجاوي” لكن طنجة التي تحدث عنها بوولز ومحمد شكري والطاهر بن جلون تغيرت كثيرا، حتى أننا بالكاد نتبيّن ملامحها القديمة التي أضحت رُسوما تشبه رسوم الحبيبة في قصائد شعراء ما قبل الإسلام. وهذا ما نستكشفه من خلال رواية الكاتبة المغربية الشابة نسيمة الراوي ” تياترو ثرفنطيس” الصادرة حديثا عن دار “العين” بالقاهرة. وهذه الرواية القصيرة المكثفة، والتي تقع في 124 صفحة فقط، بإمكاننا أن نعاين هذه التغيرات التي طرأت على طنجة خلال العقدين الأخيرين من خلال شخوصها. وأول هذه الشخصيات شخصية الجد، جد بطلة الرواية الشابة أحلام إول. فهو من جيل محمد شكري، ذلك الجيل الذي عاش أجواء طنجة عندما كانت مدينة منفتحة على العالم وعلى الثقافات واللغات، طنجة السعيدة باللونين الأبيض والأسود.قصص الحب العنيفة تعرف نهايات مأساوية كان الجد يعمل في “تياترو ثرفنطيس” الذي أقامه الإسبان في المدينة تخليدا لصاحب رائعة “دون كيخوت”. وبفضل احتكاكه بالأجانب ومعاشرته لنساء أوروبيات، تعلم الفرنسية والإسبانية والإنكيلزية وأصبح مرشدا للسياح. وحفيدته أحلام تحب أن يحدثها عن زمن طنجة الجميل، إلاّ أن الجد تدركه الشيخوخة وتتكالب عليه الأمراض فيبيت شبحا قاتما عاكسا لانقراض ذلك الزمن. أما الخالة مريم فهي أيضا من جيل محمد شكري وجد أحلام. وفي شبابها أحبها أميركي ومنه أنجبت ولدا سمته آدم، إلاّ أن الأميركي يترك طنجة إلى الأبد وتظل الخالة مريم تكابد مع ابنها مشاق الحياة. ورغم الجهود التي بذلها، إلا أن آدم يعجز عن التأقلم مع المجتمع المغربي الذي يرفضه لأنه “اين نصراني”. وفي النهاية، يحمل آدم في سيارة الإسعاف إلى مصحة الأمراض العقلية. وتياترو ثرفنطيس يجسّد هو أيضا التغيرات التي حدثت. فقد كان في الماضي رمزا للمدينة العالمية الزاهية، أما الآن فقد بات مهددا بالسقوط ومرتعا للفئران والمشردين، بل إن ما تبقى منه مهدد بالحرق بعد تنامي الحركات الأصولية المتشددة. جيل الحرائق أما أحلام فهي صورة للجيل الجديد. والدها عاش “سنوات الرصاص” في السبعينات من القرن الماضي ومات في السجن بسبب انتمائه إلى تنظيم ماركسي لينيني. ونشأت هي يتيمة، دائمة البحث عن أثر لوالدها. وقد ظنت أنها عثرت على هذا الأثر عندما تعرفت في الجامعة على مراد المتحمس مثلها للماركسية، لذلك أحبته بجنون. إلا أن قصة الحب العنيفة عرفت نهاية مأساوية. فقد تخلى مراد عن مريم بعد أن امتلأ بطنها ليتزوج من أميركية، ومعها غادر المغرب، مُنتزعا من قلبه ومن فكره عواطفه وأفكاره الثورية. ولا تختلف آسية عن صديقتها أحلام، فهي أيضا ضحية التغيرات والتحولات الجديدة. فقد قتل والداها في الحادث الإرهابي الذي ضرب أحد فنادق الدارالبيضاء السياحية في 16 مايو 2003. وبسبب الصدمة، كان على آسية الجميلة أن تقضي نصف عام في مستشفى الأمراض العقلية بتطوان. بعدها نزعت غطاء رأسها وانخرطت في حياة اللهو والعبث، متنقلة بين الفنادق الفخمة، رابطة علاقة غرامية مع رجل أعمال كان يستهويه تعذيبها في الفراش. وفي النهاية، قتلته وذهبت هادئة إلى السجن. في رواية “تياترو ثرفنطيس” تشتعل الحرائق من البداية إلى النهاية. حرائق داخل نفوس الشخوص وخارجها. حرائق تلتهم الأجساد والمعالم القديمة والزمن الجميل والأحلام وطنجة كلها. إنها رواية الخيبات المرة والانكسارات القاتلة. وليس كل هذا هو الذي يشدنا إلى الرواية، بل أيضا لغتها. فهي لغة أنثوية بسيطة متقشفة من دون زينة ومن دون تبرج. لغة كاتبة تحب أن تحكي العديد من القصص دون إطالة ولا تمطيط. لذلك يمكن أن نقول إنها حفيدة محمد شكري بامتياز.

مشاركة :