خدر بألوان صاخبة في لوحات ريما أميونيخارج السياق الفني العام، وعلى هامش المعارض الفنية التي تقدم أعمالا تهجس بشؤون المنطقة أو بالأحوال الشخصية الخارجة عن المألوف، تقدم الفنانة اللبنانية ريما أميوني معرضها الجديد تحت عنوان “الفردوس المُزهر” في صالة “أجيال” في بيروت، أعمال تؤكد من جديد أن هناك فنانين يمارسون فنهم ضمن سياق عام لا يخرجون عنه مهما تقدمت بهم التجربة الفنية.العرب ميموزا العراوي [نُشر في 2017/03/10، العدد: 10567، ص(17)]وحشية غير متوحشة بيروت- قدمت الفنانة التشكيلية اللبنانية ريما أميوني في معرضها “الفردوس المُزهر” المقام حاليا في صالة “أجيال” البيروتية مجموعة من اللوحات تصور مشاهد طبيعية بعيدة وقريبة من عين المتلقي تزخر بالأشجار والنباتات وتعرجات الطرقات، وبرسومات لبيوت من القرميد “اللبناني”. بيوت توحي بالهدوء والهناء وتذكر برسوم الأطفال لناحية بساطة ألوانها وخطوطها المُشكّلة باختزال شديد. تبرز الألوان الصارخة في لوحة الفنانة حتى في تلك التي صوّرت في معارضها السابقة مشاهد تذكر بأجواء الثلوج والشتاء القارس، إذ يأخذ اللون الأسود دورا أساسيا، فهو في لوحاتها لا يحتمل مقاسمة سلطته مع “أنصاف” الألوان، إذا صحّ التعبير، ألوان كالرمادي أو الأزرق الفاتح. يدخل الأسود في تلك الأعمال ليزهق روح الغموض ويرديه قتيلا على مذبح هاجس التقنية الفنية على حساب البعد العاطفي والنفحة الفلسفية.لوحات الفنانة اللبنانية ريما أميوني ترزح تحت ثقل ألوان سميكة تشقها الخطوط والفراغات المشكلة للهيئات كل أعمال الفنانة المتفاوتة الأحجام مشغولة بهندسة بصرية أنيقة تشي بالخبرة الفنية والقدرة على التعاطي مع العناصر المؤلفة للعمل الفني من ضوء وعتمة وظلال وأبعاد بحرية وتمكّن عالي المستوى. ولعل أهم ما يميز لوحة ريما أميوني هو تلك القدرة على تشكيل موجودات الواقع من أشياء ومناظر طبيعية بتفاصيلها الملونة، وبدقة في تحديد الأشكال وتكوينها بصريا، لتكون واقعية من دون أن تكون نسخة طبق الأصل عمّا تشاهده العين، نذكر من تلك الأعمال اللوحات التي تحمل هذه العناوين “المقهى في الروشة”، و”مشهد من مرسمي” و”الصنوبرات الثلاث”، إذ يبرز ذلك خصوصا في ضربة ريشتها المتمرسة وباستعمالها السكين في وضع طبقات الألوان ومسحها أو مراكمتها على القماش بأسلوب فيه جرأة كبيرة وثقة بمعرفتها لأسرار الأبعاد الثلاثة، وكيفية تمظهرها من دون مراعاة كلاسيكية وفيّة لقوانينها. الأهم من ذلك، والذي قد لا يعثر عليه المشاهد مباشرة، هو دور الألوان الصاخبة، لا بل الصارخة التي تستخدمها الفنانة دون كلل أو ملل في “كمّ” المشاهد المرسومة ومنعها من التعبير عمّا ينام طويلا خلفها، أو ما يأبى أن يتبلور باطنيا، من تلك الأعمال “شجرة التين”، و”صور” و”حديقة ضومط”. ألوان الفنانة والتي تذكر بما جرى على تسميته بالـ”الفوفيزم” (الوحوشية) الذي سيطر فترة طويلة على عالم الفن التشكيلي/الغربي، هي ألوان وحشية ولكن غير متوحشة البتة، تضغط كما شمس منتصف النهار في أحد أيام الصيف الأكثر حرا على المشهد وعلى كافة عناصره وتثبته “في أرضه”، فيصبح مضادا لأي تأويل غير التفسير الذي وضعته الفنانة.فنانة لبنانية تنفصل استراتيجيا عن الواقع لترسم فردوسها الشرقي الشجرة هي شجرة والبيت هو “مجرد” بيت، لوحات ريما أميوني تحمل إمضاءها بالصورة والمضمون، لذا لن يكون للمُشاهد دور فعلي في إعادة تشكيلها في خياله. لوحات ترزح تحت ثقل ألوان سميكة تشقها الخطوط والفراغات المُشكلة للهيئات، لوحات تحاصر نظر المُشاهد وتذكره دائما بأنها مادة مُصنعة وليست جسرا أو نبضا أو وميضا يعبق بدلالات خارج محدوديته الحسية، فمعظم لوحات الفنانة ريما أميوني تقول للمشاهد “أسرع، خذ ما ترى، أتمنى لك نهارا سعيدا، وإلى اللقاء في معرض قادم”. وفي عالم لا تطاله المآسي والكوارث المحدقة بالمنطقة بشكل عام وبلبنان بشكل خاص، تسكن وتعمل الفنانة لتنتج أعمالا يسكنها الخدر اللذيذ، خدر لا تريد أميوني الخروج منه أو ربما أرادت تجاهله وهي في ذلك حرة في تعبيرها الفني وفي خياراتها الشخصية. وتبدو اللوحة التي تحمل عنوان “صورة ذاتية” الأكثر تعبيرا عن هذا الانفصال الإستراتيجي، لا بل العقائدي عن كل ما هو خلف أسوار الحديقة وكائناتها “المقموعة” تحت وطأة ألوانها الصارخة الطاغية على أي همسات قد تأتي من خارج القوقعة المُزهرة، وربما حسنا فعلت في ذلك. تواصل ريما أميوني في معرضها الأخير الإمعان في عالم لم ولن يحدث فيه شيء يُذكر إلاّ تجلياته البصرية المحدودة وغير المفتوحة على أي زمن أو عالم آخر، ليس في ذلك أي انتقاص من قيمة لوحتها الفنية، ولكنه قد يعطي الفرصة الذهبية للملل كي يرخي بعض ظلاله المُدمّرة عليها، ويستكين مستقرا ومعاندا ربما حتى رغبة الفنانة في الخروج من فضاء اللوحة.
مشاركة :