في 17 نوفمبر 1925، ولدت نظيرة موسى شحاتة، والتى عُرفت فيما بعد بـ «نجوى سالم»، داخل القاهرة لأب لبناني وأم أسبانية من أصل يهودي، وقد حصل الأبوان على الجنسية المصرية، فأصبحت ابنتهما «نظيرة» مصرية بالتبعية. كانت أسرة «نجوى» فقيرة، إذ كان يعمل والدها إسكافيًا ونظرًا لظروفه الصعبة، توقفت «نجوى» في تعليمها عند المرحلة الابتدائية فقط، أشهرت نجوى سالم إسلامها عام 1960، وتزوجت من الناقد الفنى المعروف، عبد الفتاح البارودي، والذى كان يكتب بابًا يوميًا في جريدة «الأخبار» بعنوان «للنقد فقط». روت «نجوى» بداياتها الفنية، عبّر كتاب «يهود ولكن مصريون»، قائلة: «كان بيتهم مجاورًا لمكتب متعهد الحفلات المشهور (فيتسايون)، الذى جاء لأسرتها ذات يوم بـ (بون) مجاني لحضور أحد العروض بمسرح الريحاني، وكان نجيب الريحاني يقدم وقتها مسرحية (حكاية كل يوم)، وفي نهاية المسرحية طلبت نجوى من (فيتسايون) أن يقدمها للريحاني». ولمّا ذهبت إلى مكتب الريحاني، وجدتهُ يداعب قطة، فقالت لهُ إنها معجبة جدًا بتمثيله، فضحك الريحاني وهو يقول لها، «إنتِ لسه صغيرة يا شاطرة، متنفعناش»، فقد كانت لاتزال وقتها في الثالثة عشر من عُمرها. عادت «نجوى» ليلتها، وهى تحلم بالوقوف على خشبة المسرح، وبعد أسبوعين من التفكير، لبست حذاء أمها ذا الكعب العالي، ولطّخت وجهها بالبودرة والمساحيق، ثم ذهبت لمقابلة نجيب الريحاني الذى لم يكد يراها حتى نهرها قائلاً: «لقد صغرت في نظرى الآن 5 سنين أخرى»، ونصحها بأن تسرع بالعودة إلى المنزل، كي تعيد الحذاء إلى والدتها قبل أن تكتشف سرقته. لم تملّ «نجوى» من زيارة مكتب الريحاني أسبوعيًا، حتى ضج منها فألحقها في النهاية بفرقته كهاوية، وظلت عامًا كاملاً بلا مرتب، ثم قرر لها أربعة جنيهات في الشهر مع بداية عامها الثاني مع الفرقة. وذات يوم، مرضت ميمي شكيب، بطلة فرقة الريحاني آنذاك، وكانت الرواية المعلن عنها حيئذ «استنى بختك»، وقد نفذت تذاكر المسرحية قبل موعد الحفل، واحتشد الجمهور في مقاعده انتظارًا لرفع الستار، ولكن فجأة جاء من يقول لنجيب الريحاني إن ميمي شكيب مرضت، ولن تستطيع الحضور، فلم يجد الريحاني أمامه غير قرار إلغاء العرض، وإعادة ثمن التذاكر للجمهور، لكن المُلقن، محمد لطفي، اقترح عليه أن يسند الدور للفتاة «نجوى». وبالفعل ظهرت «نجوى» على المسرح أمام نجيب الريحاني، ومن فرط صدقها لم يصدق أعضاء الفرقة أنها تقف على خشبة المسرح لأول مرة، وبعد انتهاء الحفل ذهبت إلى نجيب الريحاني لتسأله عن رأيه في أدائها فمنحها عشرين جنيهًا كمكافأة، كمّا أعطى عشرين جنيهًا للملقن، صاحب الاكتشاف العظيم. توالت بعد ذلك المسرحيات التى شاركت بها «نجوى»، حيث لعبت الكثير من الأدوار، أهمها «لو كنت حليوة»، «مين يعاند ست»، «مع إيقاف التنفيذ»، «عشم إبليس»، «كلام في سرك»، و«على عينك يا تاجر». وفي بداية الستينيات، عرفت مصر التلفزيون لأول مرة، فعرف الناس نجوى سالم، بعد أن كانت ممثلة مسرح فقط، وكان برنامج «من الجاني» الذى يُقدم كل ليلة هو أول عمل لها بالتلفزيون، وفي كل حلقة كانت تقدم شخصية جديدة مختلفة، فكانت فرصة لتثبت قدرتها على الوقوف أمام الكاميرا، حتى ظهرت بعدها في العديد من التمثيليات التلفزيونية. وفي أحد اللقاءات الصحفية، قال زوجها عبدالفتاح البارودي، إن هُناك علاقة حب نشأت بينها وبين الريحاني، فطلب من الزواج بشرط أن تعتزل التمثيل، فرفضت قائلة إنها تزوجت المسرح ولا تستطيع الجمع بين زوجين في آن واحد. وفي عام 1970، فكرت أن تنشئ فرقة مسرحية خاصة بها، أطلقت عليها فرقة «نجوى سالم»، وكانت تقدم عروضها على مسرح معهد الموسيقى العربية، الكائن بشارع رمسيس بوسط القاهرة، حيث أدت أولى مسرحياتها «موزة و3 سكاكين». لم يكُن حظ «نجوى» كبيرًا في السينما مثل المسرح والتلفزيون، حيث اشتهرت بتقديم دور الخادمة أو «العبيطة»، فلم تكُن تطلب إلا في تلك الأدوار. وفي عام 1966، دخلت «نجوى» مستشفى للأمراض النفسية والعصبية، إثر وفاة والدتها التى كانت تعيش معها، وبعد أن تماثلت للشفاء، أرسلت خطابًا للمسئولين لتقول فيه إنها على استعداد للاشتراك في حفلات وعروض مسرحية يخصص دخلها لصالح صندوق المعاشات للفنانين، وهو الذى كان قد تكفل بكل مصاريفها أثناء علاجها وتوقفها عن العمل. وكانت «نجوى» قد حاولت الانتحار بعد وفاة أمها، فتناولت كمية من الحبوب المخدرة، نقلت على إثرها إلى المستشفى ومنها إلى مستشقى الأمراض العصبية. وخلال فترة علاج «نجوى»، قرر أطباؤها المعالجون أنها كانت تعانى من عقدة الاضطهاد، وهى العقدة التى تلازم عادةً، يهود العالم، وفقًا للمؤلف، فكانت كثيرة الشكوى من أن المخرجين يتجاهلونها ولا يسندون إليها إلا الأدوار التى لا تُناسب إمكانياتها الكبيرة، كما أنهم يضعون اسمها بعد أسماء من هم أقل خبرة ومكانة. وقالت «نجوى» ذلك في أحد حوارتها الصحفية، لأن الأدوار التى اشتركت بها في مسرح الريحاني لم تكن كبيرة، بالدرجة التى تدعو النقاد للحديث عنها، أما أدوارها التلفزيونية فكان تشجيع النقاد لها مناسبًا لحجم الأدوار التى أدتها فيه. ورغم أصولها اليهودية، كان لـ «نجوى» دورًا وطني، فقد وجهت الدعوة لـ 70 من أبطال حرب أكتوبر كل ليلة لمشاهدة مسرحيتها، وكانت تقف كل ليلة برفقة أعضاء الفرقة ليستقبلوا ضيوف المسرحية من الأبطال بالزهور والتصفيق. وكانت «نجوى» قد رهنت محتويات شقتها لتكوين فرقة مسرحية طافت المحافظات، كمّا قدمت عروضها على الجبهة في منطقة قناة السويس، للترفيه عن المقاتلين المصريين أثناء حرب الاستنزاف، كمّا قدمت عروض فرقتها على مسارح الاسكندرية، لصالح ضحايا العدوان الإسرائيلي. اضطرت الفرقة بعدها للتوقف، فأصيبت «نجوى» بالإفلاس، وعجزت عن فك الرهن عن محتويات شقتها، كما عجزت عن دفع إيجارها فانهارت أعصابها وأصيبت بالذهول، راحت تشكو قلة العمل والإهمال، حتى وقعت في براثن الوهم والعصاب، وأصبحت مريضة بأعصابها، حتى أن بعض زملائها كان يطلقون عليها إسم «نوبة سالم» من فرط عصبيتها. واشتهرت «نجوى» أيضًا بإنسانيتها، حتى أنها كانت تعلق صورة نجيب الريحاني وميمي شكيب في غرفة نومها وفوق سريرها حتى ماتت، كما كانت الفنانة الوحيدة الت تزور الفنان، عبد الفتاح القصري، أثناء مرضه الأخير، وكانت تدعو زملائها لرعايته وعلاجه. وفي 12 مارس 1988، توفت نجوى سالم بعد صراع مع المرض، ومع الاضطهاد الذى تعرضت لهُ، نظرًا لأصولها اليهودية، رغم إعلانها إسلامها كمّا أكد زوجها.
مشاركة :