2017 مفترق حاسم ... هل هي نهاية التاريخ؟

  • 3/12/2017
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

بدأ القرن العشرون سنة 1917 بأحداث تاريخية فاصلة. والقرن الحادي والعشرون بدأ سنة 2017 إثر سقوط حلب التي سقطت بالطريقة نفسها التي سقطت بها غروزني في الشيشان وبِتَسَلُّم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الرئاسة، وبتصويت مجلس الأمن على إدانة الاستيطان الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية. رد فعل نتانياهو كان إعادة النظر بعلاقة إسرائيل مع الأمم المتحدة. هل يهدد إذاً بالانسحاب من المنظمة الدولية؟ لعله يستقوي بترامب الذي هو أكثر إسرائيلية من أي إسرائيلي، والذي وضع في برنامجه الرئاسي إعادة النظر بانتساب أميركا للأمم المتحدة. أشرق القرن بسقوط حلب وببوادر تفكك الأمم المتحدة وعودة أميركا إلى الانعزالية وتمدد المشروع الإيراني لتشييع المسلمين وظهور البوتينية الروسية وسقوط الأتاتوركية في تركيا وتقدم اليمين الأوروبي المتطرف بعد ضربات «داعش» الدموية في قلب أوروبا! إلــى أيــن يــسير بــنــا الــقرن الحادي والعشرون؟ هل هي نهاية العالم؟ أم نهاية التاريخ التي كتب عنها المفكر الأميركي فرنسيس فوكوياما بعد سقوط حائط برلين؟ والاتحاد السوفياتي بعده؟ حلب أسقطها بوتين صديق ترامب وصديق الأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة التي هي في طريقها إلى الحكم بعد المذابح التي ارتكبتها «داعش» في عقر دار الأوروبيين. وبوتين قفز إلى الموقع الاستراتيجي الأول منتهزاً الفرصة التي وفرها له الرئيس الأميركي السابق أوباما حين تخلى عن التهديد بمعاقبة نظام بشار الأسد في حال تجاوز الخطوط الحمر باستعمال الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري. تراجع أوباما وأدرك بوتين أن أميركا عاجزة، فقفز وأخذ مكانها، على الأقل في الشرق الأوسط. من سيملأ الفراغ ؟ روسيا البوتينية؟ في شباط (فبراير) 2007 أعلن بوتين بصوت عال في مؤتمر الأمن في ميونيخ أن روسيا تعافت وعادت ويجب أن يُحْسَب لها حساب. ينفخ بوتين في عظمة روسيا بينما الاقتصاد الروسي ضعيف جداً، والدخل القومي في روسيا بالكاد يصل إلى الدخل القومي في إسبانيا! ومع ذلك أثبت بوتين أن روسيا دولة استراتيجية فاعلة وقادرة على اتخاذ قرارات قوية وتنفيذها. بدأت الرحلة في جورجيا وسجل بوتين خطوات سنة 2008. بعد ذلك بست سنوات، ضمّ القرم إلى روسيا ضارباً عرض الحائط بكل العقوبات الأوروبية والأميركية. النظام الروســي البوتيني يقوم على السيادة المطلقة للدولة الروسية والدفاع عن هذه السيادة هي الأولوية المطلقة. وهي تماماً الفكرة نفسها التي أسس عليها هتلر النظام النازي في ألمانيا سنة 1930 وموسوليني النظام الفاشستي في إيطاليا، فالقانون يفسح المجال لمكانة الدولة، وقوة القانون الدولي تتراجع أمام سيادة الدولة. اتجاه محافظ ورجعي بالمفاهيم السائدة بعد الحرب العالمية الثانية. وبوتين يمارس السلطة في شكل استبدادي، لأنه لا يقدّم حساباً لأي سلطة أو مؤسسة أخرى، بعدما أصبح البرلمان مكتباً للتدوين. السلطة كلها بيد رجل واحد هو بوتين، سياسته أن الشر كله والمشكلات كلها تأتي من الغرب، والديموقراطيات الغربية. الحديث نفسه لهتلر وموسوليني في القرن العشرين انتقل إلى القرن الواحد والعشرين على لسان آخر. لكن الديموقراطيات في منتهى الضعف، أضعف مما كانت أيام تشرشل الذي قوّاها، لكن ليس هناك تشرشل في القرن الواحد والعشرين. أوباما الذي تراجع عن الخطوط الحمر في الكيماوي وترامب الذي يؤيد بوتين بل هو معجب به وبسياسته يكمل سياسة أوباما، ومارين لوبان في فرنسا، وميركل تتراجع حظوظها كثيراً في ألمانيا بفعل عمليات «داعش» في برلين، وانكلترا تنسحب من أوروبا، والجدران تشيّد حول كل دولة أوروبية والجسور تتساقط بين الدول الأوروبية. وفي تركيا، يســقط أتاتورك وسياسته، لتحلّ محلها الديكتاتورية الدينــية الموســولينية. وإيران تتقدم في مشروعها الديني في العالم العربي أولاً والإسلامي ثانياً. وقضـــية فلســطين لم تتراجع فحسب إلى آخر الهموم العربية، بل سقطت من الاهتمام الدولي. ثم كل التظاهرات في الأمم المتحدة وغيرها والتي هي رسائل سياسية بين الزعماء الأميركيين لا تقدم ولا تؤخر ولا تؤثر في القضية الفلسطينية. والمسلمون يعيشون ويعانون من «داعش» ويخوضون الحرب السنية الشيعية، وكثير من الفِرَق العراقية التي كانت على أبواب الموصل «لتحريرها» من «داعش»، رفعت الصوت والشعار باسم نوري المالكي: لبّيك يا حسين! وكأن أهل الموصل هم قتلة الحسين! عالم مجنون، في القرن الواحد والعشرين، هل هي نهاية التاريخ؟ أم نهاية العالم؟ الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي كتب مؤلّفه «الانحطاط» المليء بالمراجع الدينية والفلسفية. وهو يعتبر أن تاريخ الحضارة اليهودية - المسيحية ركض سريع نحو الجحيم. ويخلص في نهاية رحلته البحثية إلى استنتاج أن الغرب منهك. في العام 1996، كتب هانتنغتون عن نهاية الدول التي لم تعد تسيطر على المال والأفكار والتكنولوجيا، وحركة البضائع والأفراد، وتراجع السلطة الحكومية، وظهور مفاجئ لبعض الدول واختفائها، وتكثيف الصراعات العشائرية والعرقية والدينية، وظهور مافيات إجرامية دولية، وتنقّل عشرات الملايين من اللاجئين على هذا الكوكب، وتكاثر الأسلحة، وانتشار الإرهاب، والتطهير العرقي. هل بيّنت الحقيقة خطأ الفيلسوف الأميركي؟

مشاركة :