من رماد المصابيح .. من زمن الأغنية الجميل .. يثبت الموسيقار طلال مرة أخرى عبقريته وإصراره على انتشال الأغنية السعودية والعربية من الضياع بلحن معقد جداً احتوى على أربع مقامات أساسية، بلحنٍ صاغه على وقع كلمات مهندس الكلمة بدر بن عبدالمحسن وأداه الفنان الكبير محمد عبده…يبدأ الموسيقار طلال أغنية رماد المصابيح بموال من لون (الحدري) والذي اشتهر به أهل الوادي في الحجاز في توافق مذهل بين الكلمات واللحن بحيث يبدو صوت محمد عبده وكأنه آتٍ من الوادي أو الماضي السحيق.. وبعد الموال يبدأ محمد عبده الكوبليه الأول ليثبت توافق الكلمات مع اللحن فيقول:“من رماد المصابيح .. اللي انطفت في الريحجيتك أنا وقلبي”ويكمل هذا الكوبليه كاملاً مستخدماً أكثر المقامات التي تناسب لون الحدري ألا وهو مقام (سيكا الهزام)؛ وسمي هكذا لأنه يرتكز على حرف (المي).. قبل أن ينتهي الكوبليه ومحمد عبده يصدح:“كنتي الحبيبة والصديق ..اللي خذتني من الطريقوسكنتني أهدابها ..من رماد المصابيح .. اللي انطفت في الريح!”ثم يبدأ الكوبليه الثاني بأبيات حزينة من مهندس الكلمة فيقول:“في قلبي شوك.. وفي عيوني شوك..شوفي أصابعك انزفت من كثر ما لمست جروحي وجففت دمعي الحزين ..”وهل يليق بهذه الأبيات الحزينة سوى مقام (الصبا) الحزين؟لقد استخدم الموسيقار طلال مقام (الصبا) ببراعة هنا وبشكل زاد وضاعف من هذا الحزن اللامنتاهي.ومن ثم تبدأ موسيقى الكوبليه الثالث على مقام جديد في الأغنية وأصيل في الوقت ذاته وهو مقام (حجاز كار).. ثم يبدأ محمد عبده الغناء على نفس المقام فيقول:“ياللي أغلى من سنيني ..ناظريني لين تحسدني العيون ..وان حكوا حسادي فيني ..وقالوا انك تعشقيني ..آه يا محلا السوالف والظنون ..”ثم بعبقرية متناهية يخرج الموسيقار طلال من مقام (حجاز كار) ليدخل مقام (البياتي) ولكن في جملة بسيطة جداً ألا وهي جملة: “ليتهم ما يسكتون”! .. ثم يعود لمقام (حجاز كار) قبل أن يختم الأغنية كما بدأها بمقام (سيكا الهزام).أفبعد أن يلحن موسيقارنا طلال أغنية مكبلهة بهذا التعقيد مستخدماً مقامات (سيكا الهزام والصبا وحجاز كار والبيات) ومستخدماً لون الحدري الأصيل، أقول أفبعد كل هذا ألا يحق لنا القول بأن الموسيقار قد نفض رماد المصابيح وانتشل أغنيتنا من الضياع وبقاءها تعيش أمجاد ماضيها السحيق والغابر؟الرأيكتاب أنحاءمحمد سلامة
مشاركة :