بمجرد ذكر مصطلح (التسويق)، يتبادر لأذهاننا جميعاً (منتجٌ و إعلان) وبعض الشعارات التسويقية الجاذبة التي من شأنها أن توقِعَ اختيار المستهلك على بضاعة دون الأخرى بغرض البيع والربح لا أكثر. ولكن الفكر التسويقي لا ينحصر فقط في التعاملات التجارية الصرفة فحسب، بل إن أجمل تطبيقاته تكون في الإدارة ومراكز القيادة. فالتسويق الناجح للخطط العملية أو الرؤى المستقبلية في داخل محيطك العملي، قادرٌ على إيصالك لأهدافك المنشودة بوقت أقصر، وبحماسة أكبر، وبروح فريقٍ آمنَ كل أفراده بتوجهاتك وهو راغبٌ في تحقيقها، وليس لمجرد اتباع أوامر (المدير). مثل هذا النهج، يجب أن يكون حاضراً وبقوة في أي ميدان تنافسي. يجب أن تكون كل مكونات فريق العمل قد فهمت تماماً على أي أرضٍ تقف، ولأي محطة ستتحرك. فالهلال على سبيل المثال، عانى لفترة من الزمن في تحديد مكانه و مكانته. فسجله البطولي وما حققه رجاله من إنجازات على مر تاريخه، تفرض عليه أن يعي موقفه الحقيقي من المنافسة و المنافسين. فمتى اتسع الفارق بينك وبينهم بهذا الشكل، فمن المحبط جداً أن تبدأ بمقارنة نفسك بهم. فذلك والله أشبه بنكران للواقع وجحود لتاريخ مضيء. فإذا وجدت نفسك في القمة، بعيداً جداً عمن يليك، فيجب عليك أن تبدأ بمنافسة نفسك، وتحدي منجزك. ومن هنا يبدأ البناء للمستقبل. من الأعلى، وليس من حيث يقف الآخرون. ما دعاني للحديث عن هذا الموضوع هو نقاش جرى بيني وبين أحد الإخوة والذي طرح فيه سؤالاً عن فريق يوفنتوس الايطالي: لماذا يقوم اليوفي بإبرام كل تلك الصفقات القوية و دفع تلك المبالغ العالية وهو الفريق الماضي في طريقه لتحقيق لقب الدوري السادس على التوالي، و بقية الأندية خلفه بفارقٍ شاسع؟ قلت له: لأنه يعي تماماً أن المنجز لدى من تزعم بطولات بلاده ليس في تحقيق لقب فقط، بل في تكراره مرة تلو الأخرى. و أن الفرح ليس بملامسة الذهب وحسب، بل بترسيخ تواجده داخل دواليب الذهب العامرة. ولذلك، فيجب على الهلال إن أراد ترسيخ زعامته أن يبدأ بتسويق هذه الفكرة على إدارته و داعميه و أصحاب القرار و اللاعبين و حتى الجماهير. فيحذف من قاموسه عبارة: (موسمنا ناجح لأننا لم نخرج خالي الوفاض)، ويستبدلها بعبارة: (لماذا لم ننجح بتحقيق بقية الألقاب؟). يجب عليه أن يستغني عن فكرة (تفوقنا على منافسينا)، ليجعلها (تفوقنا على أنفسنا مقارنة بالموسم الماضي). فالمتابع لما جرى خلال أسبوع واحدٍ فقط سيعلم يقيناً أن هناك اتفاقاً شبه معلن على وجوب تعطيل الهلال، ولتذهب الألقاب إلى أي منافسٍ آخر غير الهلال ليعم الهدوء وننعم براحة البال. فالجنون الذي تلا لقاء الكلاسيكو والذي كان خالياً من الأخطاء المؤثرة على نتيجة اللقاء، قابله هدوء تام في نهائي كأس ولي العهد رغم الأخطاء التحكيمية التي حولت الكأس من جهة لأخرى. بل و حتى الثواني المضافة في مباراة الهلال الأخيرة (رغم قانونيتها)، غطت على جميع أحداث النهائي التحكيمية. ختاماً أقول، ضع نفسك في المكانة التي تستحقها لتصل لما هو أعلى منها. أما القناعة و الركون لما تحقق ولو كان ضئيلاً، فهو من شيم المنافسين وليس من أعراف الزعماء.
مشاركة :