أكد عدد من التربويين أهمية الإسراع في تطبيق جودة العمل في الحقل التعليمي؛ لتحقيق رؤية المملكة «2020» التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - في المؤتمر الدولي الأول للجودة، مشددين على ضرورة تطبيقها داخل المؤسسات التعليمية، وجعلها الحد الفاصل بين التطوير والجمود؛ من أجل تحقيق الريادة العالمية في هذا المجال، موضحين أن عملية تحسين معايير وجودة التعليم تعد أحد أهم التحديات التي تواجهها جميع الدول؛ لذا كان من الضروري نشر ثقافة الجودة في التعليم العام، والعمل على تمكين المدرسة من قيادة عمليات التغيير والتطوير، بما يضمن تقديم خدمات تربوية وتعليمية نوعية لكل المتعلمين والمتعلمات وفقاً لاحتياجاتهم، وما تسمح به إمكاناتهم وسرعة تعلمهم، مشيرين إلى أن ذلك يأتي تحقيقاً للتوجيهات السامية الكريمة، التي تؤكد أهمية تطبيق معايير الجودة والتميز في جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية الحكومية والخاصة، وتوظيف أفضل الممارسات لتحقيق الرؤية الوطنية بأن تكون المملكة بمنتجاتها وخدماتها معياراً عالمياً للجودة والإتقان. «الرياض» استطلعت آراء عدد من القيادات التربوية ومشرفين ومعلمين ومهتمين في مجال الجودة والتميز، عن كيفية العمل على تطبيق ذلك بشكل سريع، وتحديداً الإجابة عن سمات القيادة التي تصنع فارق التغيير في البيئة التربوية، وأيهما أقدر على ذلك «المهابة أم المحبوبة»؛ فخرجنا بالحصيلة التالية: إلهام العاملين وقال «عبدالعزيز المحبوب» - مدير إدارة دعم الجودة الشاملة بتعليم الشرقية، نائب رئيس المجلس السعودي للجودة: «انطلق مفهوم القيادة بالإلهام قبل عدة سنوات، وذلك في ظل التوجهات العالمية نحو التميز المؤسسي، الذي يدور حول مهمة القائد في إلهام العاملين وتفجير طاقاتهم والتركيز في مكامن القوة لديهم وتوجيهها نحو خدمة المنظمة، وذلك عوضاً عن التحكم فيهم بصفته رئيساً عليهم، وإيمانه أن نجاحه من خلالهم»، مضيفاً أنه لكي يتحقق ذلك فإنه لابد أن يجمع القائد الملهم بين أمرين، وهما: المهابة والمحبة، موضحاً أنه لابد أن يكمن في نفوس الفريق هيبة قائدة؛ كي يتبعه في قيادته له، إلى جانب المحافظة على إبقاء المنظمة في المسار الصحيح وفق ما تم التخطيط له، مشيراً إلى أن توفير مناخ عمل يمكن القائد من إلهام العاملين معه على استمطار الأفكار الإبداعية التي تسهم في تطوير منهجيات العمل وتحسين الأداء، يتطلب أن يكون محبوباً لدى الجميع، لافتاً إلى أنه من المهم جداً تحقيق التوازن بين المهابة والمحبة، إذ أن التركيز على تحقيق الهيبة قد يصل بالقائد للشخصية الديكتاتورية، كما أن تكريس الجهود للوصول لقبول ومحبة الموظفين بشكل مبالغ فيه يصل به إلى الضعف وفقدان السيطرة والتحكم في توجيه الفريق. قيادة ناجحة وأكدت «نوال المالك» -مدير التميز المؤسسي في الإدارة العامة للجودة، ومدرب معتمد للتخطيط والتنمية البشرية- على أن القيادة تعني أن يهاب الشخص كعالم وأن يحب كأب، وأن يحزم وهو يعدل، وأن يقدر دون أن يحقر، مضيفةً أن القيادة فن، كما أنها ليست عملاً يؤديه الشخص نيابةً عن الآخرين، بل يؤديه معهم، موضحةً أنه ينتج عن القيادة الناجحة أن تتم تأدية الأعمال حتى وإن كان القائد ليس موجوداً، مشيرةً إلى أنه إذا كانت القيادة ضرورية في كل مكان، فإنها للجودة بمثابة الهواء للإنسان. جوانب تنفيذية وبين «محمد كامل داغستاني» - استشاري أنظمة جودة ومراجعة داخلية - أن الإدارة تتعلق بالجوانب التنفيذية التي توفر الظروف المناسبة والإمكانات المادية والبشرية اللازمة لتحقيق الأهداف، مضيفاً أن قائد التغيير يمثل سلطة تنفيذية تسعى إلى تطبيق نصوص الأنظمة واللوائح؛ ما يجعله غير محبوب بين العاملين، إلا أن له هيبة لتطبيقه الأنظمة واللوائح، موضحاً أن القيادة تتعلق بالتخطيط للأهداف بعيدة المدى، والعمل على مواكبة المستجدات المعاصرة، وإحداث التغيير والتطوير المناسبين، لذلك فإن القائد يمتلك مكانةً بين العاملين تمكنه من التأثير عليهم، ويستمد نفوذه من محبتهم بما يحقق بيئة عمل يسودها الاستقرار النفسي، مشدداً على ضرورة أن يكون القائد الإداري محبوباً من العاملين، لافتاً إلى أن هذا الحب يولد الهيبة بما يساهم في تسيير العمل وفق الأنظمة واللوائح، ويساعد على إحداث التغيير لتحقيق التطوير. خطوط مرسومة وأوضح «عبدالله آل الشيخ» - مدير إدارة جودة شاملة بتعليم الباحة - أن المهابة والاحترام تبقي الخطوط المرسومة في التعامل والعمل، مضيفاً أن المحبة قد تصل إلى تجاوز الخطوط على حساب العمل، أما في حال اجتماعها فإن الإنتاجية ستكون أعلى، والانتماء أكبر، موضحاً أن على من أراد أن يكون قائداً مهاباً ومحبوباً؛ فإن عليه أن يقرأ سيرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم. وأيدته في ذلك «ندى العامر» - رئيس قسم الجودة بتعليم الغاط «بنات» - التي أشارت إلى ضرورة أن يجمع القائد الناجح بين المهابة والمحبة، مضيفة أنه إذا كانت المهابة تكفل التزام والانضباط - الذي قد يكون شكلياً في بعض الأحيان - إلى جانب عدم تجاوز حدود معينة مع القائد المهاب، فإن المحبة هي التي تكفل التجاوب والولاء والإنجاز المتقن وروح الهدف، موضحة أنه من الخير امتلاك كلتا الصفتين، وإبراز كل منهما بما يتفق وطبيعة المهمة والهدف. صفات شخصية ولفت «خالد الثبيتي» - عضو إدارة الجودة الشاملة بتعليم الطائف - إلى أن القائد عندما يكون مهاباً فإنه خير له من أن يكون محبوباً، وقال: «لا بد أن نضع المصطلحات في سياقها الصحيح، فالحب درجة تجعل المرؤوسين يتبعون القائد، سواء كانت قراراته إيجابية أو سلبية، وبالتالي فإن المحبة صفة تقود لاتباع القائد وإظهار الولاء له». فيما رأت «تركية الجندل» - عضو إدارة الجودة الشاملة بالقريات - أن قائد التغيير يستمد سلطته من مصدرين، هما: السلطة الرسمية الممنوحة له من المركز الوظيفي، إلى جانب الصفات الشخصية التي يتمتع بها، مضيفة أن القائد الحقيقي هو من يستطيع الجمع بين المصدرين؛ بيد أن الصفات الشخصية هي الأصل فيه، وبناءً عليه يمكن توظيف السلطة الرسمية من خلال الصفات الشخصية، مشيرة إلى أن ذلك يعني أن تكون السلطة الرسمية عاملاً محفزاً للسلطة الذاتية، لافتة إلى وجود ثقافة مغلوطة تجعل بعضهم يفسر الحب بالضعف؛ ما يؤدي إلى حدوث نتائج عكسية، ولذا فإنه لا بد من الوسطية. قمة النجاح وشدد «مسلي الدوسري» - عضو الجودة الشاملة بتعليم القويعية - على ضرورة أن يكون القائد محبوباً أكثر من كونه مهاباً؛ لكي تتحقق الجودة الشاملة في التعليم، مضيفاً أن الحب هو الذي يجعل أفراد الفريق يبدعون، ويحاولون أن يصلوا بالعمل إلى قمة النجاح حتى وإن كان ذلك على حساب وقتهم، موضحاً أنهم قد يضحون أحياناً في سبيل نجاح العمل، مشيراً إلى أن الذين يعملون بسبب مهابة القائد يعملون في حدود النظام، محاولين عدم الوقوع في الأخطاء؛ حتى لا يمنحوا القائد الفرصة لمحاسبتهم، وفرض أسلوب القوة والتخويف عليهم. بينما رأى «حمد حماد الجهني» - رئيس قسم الجودة الشاملة بتعليم ينبع - أن القائد يجب أن يمتلك العديد من الصفات الشخصية المثالية، التي تستثير من يتبعونه، وتلهمهم وتحفزهم؛ ليعطوا أقصى ما لديهم، مضيفاً أن المهابة من الصفات المهمة للقائد، بيد أن بعضهم قد يفسرها بالشدة والتفرد بالقرارات - الديكتاتورية - موضحاً أن القائد يمتلك المهابة عندما يمتلك عدداً من الصفات المهمة، منها: الذكاء، والحزم عند اتخاذ القرارات، والقدوة الحسنة، والتغلب على الصعاب، وألا يمنعه الخوف من اتخاذ القرارات المناسبة، والشخصية القوية في مواجهة الخلل لدى منظومة العمل، وقوة التعبير والحجة، والسيطرة التامة على نفسه، وخاصة عند التواصل مع الآخرين، مشيراً على أن المهابة في أحايين كثيرة تقود إلى المحبة.
مشاركة :