لا يزال قلب كوناكري عاصمة غينيا يبحث عن هُويَّتِه وسط «خراب جميل»؛ فالمدينة الواقعة في أقصى غرب القارة الأفريقية، المطلّة على المحيط الأطلسي، تحاول أن تنزع عن نفسها لبوس المدن ذات النمط السوفياتي القديم. ثمة بنايات مليئة بشقق مزدحمة، وأحياء عشوائية تثير الحزن والشجن، وأخرى أنيقة سرعان ما تظهر وتختفي، وشوارع مهمَلة تعود إلى الزمن الذي قال فيه رئيسها المؤسس الحاج أحمد سيكو توري، في نهاية عقد الخمسينات من القرن الماضي، «لاءَهُ» الشهيرة لفرنسا شارل ديغول، عندما خيَّرت مستعمراتها بين القبول بالاستقلال الداخلي، والبقاء ضمن فرنسا ما وراء البحار. بيد أن سيكو توري رفض الاندماج الذي دعا إليه بطل تحرير فرنسا عام 1958. تحدى سيكو توري فرنسا حتى النهاية، وكان الثمن الذي دفعته غينيا في لعبة صراع الأمم قاسياً، مما دفع بها إلى التقرُّب من المعسكر الاشتراكي، لعلها تنال بعضاً من هِبَاته. صحيح أن عملتها «الفرنك الغيني» أصبحت رمزاً للسيادة الجديدة، لكن ذلك أفقد الدولة الفتية حيوية اقتصادية في ظل عقوبات فرنسية. ورغم إيجابياته التحررية الكثيرة، حكم سيكو توري البلاد بيد من حديد، وفتح باب المنافي على مصراعيه لجزء كبير من مواطنيه، بينهم شابّ حالم اسمه ألفا كوندي عاش متنقلاً بين موريتانيا وفرنسا، التي أصبحت منفاه ومربَطَ خيلِه، ومنها انطلق في رحلة الألف ميل نحو قصر «سيكوتوريا» في كوناكري. في طريقي لمقابلة هذا الرجل الذي أصبح رئيساً لبلاده في عقده السابع، ويلقبه شعبه بـ«البروفسور»، بحكم أنه أستاذ جامعي، دارت في ذهني أسئلة كثيرة حول مدى تمكُّنه من تحقيق أحلام زمن المعارضة، لا سيما أنه القائل يوم انتخابه رئيساً للبلاد عام 2010: «أنا رئيس التغيير لصالح الجميع، والمصالحة الوطنية والتقدُّم للجميع». لم يتردد الرئيس كوندي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بمناسبة انتخابه رئيساً دورياً للاتحاد الأفريقي، قيد أنمُلَة، في القول بصراحة إنه عندما كان في المعارضة، لم يكن بمقدوره تصوُّر مستوى تدهور البلاد، وأنه لما وصل إلى الحكم وجد غينيا في القاع. لقد كانت أحلام كوندي كثيرة من أجل تحقيق نهضة غينيا، بيد أن نِصالَها تكسَّرَت على نصال وباء «إيبولا». ويقول البروفسور في هذا الصدد: «هنالك أمور كثيرة لم أتمكَّن من تحقيقها، ليس فقط لأنها صعبة، وإنما لأننا تعرضنا، خلال عامين ونصف العام، لوباء فيروس (إيبولا)، الذي دمر كثيراً مما بنيناه وشتَّتَ جهودنا، ولكنني سأواصل العمل بجدّ من أجل تحقيق الأحلام التي راودتني عندما كنتُ طالباً في الجامعة». وفيما يلي نص الحديث الشامل الذي قلّب فيه الرئيس كوندي مواجع غينيا، وتطرَّق فيه إلى آماله في إيجاد حلول لمشكلاتها، وقضايا أفريقيا بشكل عام. * أصبحتم الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي منذ أكثر من شهر... ما خطتُكُم لتطوير هذه المؤسسة القارية؟ - يتوجب علي القول إنني محظوظ بتبوُّئي رئاسة الاتحاد الأفريقي، في ظرفية عَرَف فيها الاتحاد تغييرات كبيرة جداً، ولكننا مع ذلك قررنا الاعتماد أكثر على التمويلات الذاتية، فكلما كان الاتحاد الأفريقي لا يعتمد على التمويل الخارجي، كان أكثر قدرة على التأثير، كما أن الرئيس الرواندي بول كاغامي تمكَّنَ من استحداث تغييرات هيكلية ووظيفية مهمة في الاتحاد الأفريقي. ولكنَّ الأهمّ هو أننا في الاتحاد الأفريقي أظهرنا أنه مهما كان مستوى الخلاف وتبايُن الآراء والتوجهات، ففي لحظة معينة تبقى المصالح الأساسية للقارة الأفريقية هي التي تُحرِّك الجميع. وأخيراً التحق بنا المغرب في حالة إجماع كذَّبت من كان يتحدث عن انقسام القارة الأفريقية بهذا الخصوص، لقد أظهرت أفريقيا من جديد أنه مهما كان مستوى التباين فإن الجميع متفقون على ضرورة التوحد لمواجهة التحديات الحقيقية المتمثلة في الإرهاب، والهجرة السرية، ومشكلات المناخ والتنمية الاقتصادية والطاقة. * لكن سيادة الرئيس لقد بدا واضحاً في قمة أديس أبابا أن أفريقيا انقسمت إلى قسمين: معسكر كبير يضم 39 دولة تدعم المغرب، وآخر أقل عدداً يدعم مواقف الجزائر وجنوب أفريقيا، فما العمل للحيلولة دون ترسيخ هذا الانقسام الكبير؟ - لقد جرى داخل الاتحاد الأفريقي نقاش مفتوح وطويل بشأن ذلك، والمغرب انضم بالإجماع، ولم يكن هنالك مَن عارض عودته إلى الاتحاد الأفريقي، وبالتالي فإن عودة المغرب للاتحاد الأفريقي لم تقسم القارة إلى معسكرين، وأنا كنت حاضراً خلال جلسة العودة، وقد تمت عودته بالإجماع، وجرى تأكيد ذلك في البيان الختامي للقمة الأفريقية. إن الانقسام الذي يتحدث عنه البعض كان خلال النقاشات التي كانت مفتوحة وطويلة جداً، ولكن بعد أن انتهت النقاشات حول عودة المغرب، كان هنالك إجماع تامّ على قرار قبول هذه العودة. * كنتم من بين أشدِّ المدافعين في قمة أديس أبابا عن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، وكان تدخُّلُكم حاسماً بشأن إقرار تلك العودة، لكن هناك إشكال «الجمهورية الصحراوية»، وبالتالي هل لديكم تصور بشأن المرحلة المقبلة فيما يخص نزاع الصحراء؟ - أملنا كبير في أن نتمكن من التوصُّل إلى الحل داخل أروقة الاتحاد الأفريقي، لأننا قَرَّرنا أن يتم حَلّ جميع المشكلات الأفريقية، سواء في ليبيا أو السودان أو في أي مكان آخر من طرف الأفارقة أنفسهم، وإطار في الاتحاد الأفريقي. وبصفتي رئيساً لدولة غينيا، ورئيساً دورياً للاتحاد الأفريقي، سأعمل بكل جهدي من أجل الدفاع عن الوحدة الأفريقية، والعمل على حل مشكلات القارة مهما كانت طبيعتها داخل البيت الأفريقي الكبير، وذلك لتحقيق التنمية والازدهار لمجموع الشعوب الأفريقية، وأيضاً لتحقيق الاستقرار في القارة، وسأعمل ضمن هذا التوجه. * طلب المغرب أخيراً الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو). ما قراءتكم للطلب المغربي؟ وهل تعتقدون أن انضمام المغرب إلى هذه المجموعة واقعي وجدي ومعقول؟ - كما تعلمون، المغرب قَدَّم طلبه إلى الرئيسة الدورية للمجموعة، وهنالك لجنة مختصة ستنظر في الطلب المغربي، وأنا لا أود استباق الأحداث، ولكن كما تعلمون فإن المغرب لديه علاقات متينة جداً ووثيقة مع كثير من بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، كما أنه استثمر كثيراً في هذه المنطقة. وعلى سبيل المثال فإن المغرب اليوم هو المستثمر الأول في كوت ديفوار، وهو ما يؤكد أننا نملك علاقات وطيدة جداً مع المغرب. * رغم فارق السن بينك وبين العاهل المغربي الملك محمد السادس، يُلاحَظ أن هناك انسجاماً كبيراً بينكما، وتطابقاً في وجهات النظر إزاء كثير من القضايا. ما سرُّ ذلك؟ - كما تعلمون، فإن الملك محمد السادس قريب جداً من شعبه، ويهتمّ كثيراً بأوضاع مواطنيه، خصوصاً المواطنين البسطاء، ويهتم أكثر بالتنمية الاقتصادية. وما لفَتَ انتباهي في شخصيته هذا التقارب الكبير بينه وبين شعبه، وهو أمر تفوَّقَ فيه على بقية القادة الأفارقة. إنه مَلِك لكنه يبقى الأقرب إلى شعبه من بين جميع الرؤساء في أفريقيا. ثانياً: الملك محمد السادس يهتم كثيراً بتنمية وتطوير بلاده، وهذا ما نشعر به عندما يزور أي مشروع، حيث يكون دقيقاً ومهتماً بالتفاصيل، وبالتالي فإن حبه الكبير لشعبه، وحب شعبه له، واهتمامه بالاقتصاد والتنمية في أفريقيا، ودعوته الدائمة إلى استقلال القارة، واعتمادها على نفسها، جعلني أحس عبر هذه الأفكار الكبيرة أننا نملك الرؤية ذاتها، وأنا أقول له دائماً: «إنك كملك أقرب إلى شعبك منا نحن الرؤساء الأفارقة». وبالفعل، نحن نملك الرؤية ذاتها لتطوير القارة الأفريقية، وتحقيق تنميتها الاقتصادية، رؤية متقاربة لما يجب أن تكون عليه القارة في المستقبل، وهذه الرؤية المشتركة هي التي تفسر العلاقة الوطيدة التي تربطنا رغم فارق السن بيننا. * من المعروف أن ثلث أفريقيا دول عربية، وفي هذا السياق أودّ أن أسألَكم عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الأفريقي في الظرف الراهن للمساهمة في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه أفريقيا والعالم العربي؟ - لقد قرَّرْنا أن يعمل الاتحاد الأفريقي على حل جميع المشكلات الأفريقية، سواء كانت عربية أو في الساحل أو جنوب الصحراء، فالأزمة الليبية يتوجب حلها من طرف الأفارقة تماماً كأزمة تنظيم «بوكو حرام» في نيجيريا. وأنا لا أفرِّق بين أفريقيا العربية وأفريقيا جنوب الصحراء، أفريقيا هي أفريقيا، هي واحدة بالنسبة لي، وهدفنا هو أن تُحَلّ جميع مشكلات القارة من طرف الأفارقة أنفسهم، وبالنسبة لنا فإن جميع مشكلات القارة الأفريقية بسبب تدخلات خارجية، انظروا إلى ما يجري في ليبيا؛ لقد دخلوها بالقوة وذهبوا تاركين خلفهم بلداً ممزقاً لا توجد فيه أي دولة. ونحن مَن يدفع ثمن التدخلات الخارجية، ولهذا قررنا أن جميع المشكلات الأفريقية ستُحلّ داخل القارة، ومِن طرف الأفارقة أنفسهم، وللقيام بذلك لا يوجد فَرْق لدينا بين بلدان شمال أفريقيا أو بلدان أفريقيا الجنوبية وبلدان غربها أو شرقها، وإنما سنتعامل مع المشكلات الأفريقية فقط لأنها أفريقية، ومن دون أي تفريق، وذلك من أجل الوصول إلى طريق يضمن تحقيق تنمية وازدهار أفريقيين والحفاظ على مصالح سكانها. * انخرطت بلادكم قبل أكثر من سنة في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، الذي أسَّسَتْه وتقوده المملكة العربية السعودية، ويضم 34 دولة عربية وإسلامية. ما الأسباب التي دعتكم للانخراط في هذا التحالف؟ - أولاً لأن محاربة الإرهاب ليسَتْ قضية المملكة العربية السعودية وحدها، وإنما قضيتنا جميعاً، لأن الإرهاب يهددنا جميعاً، ويرفع في هذا الزمن راية وشعار الإسلام، رغم أنه يتناقض مع الإسلام، لهذا قررنا من دون تردد الانخراط في الحرب على الإرهاب، لأنه لا يهدد بلداً واحداً، وإنما جميع بلدان العالم. كما يجب علينا ألا ننسى أن المملكة العربية السعودية تمثل رمزية كبيرة بالنسبة لنا. إنها مكة المشرَّفة والمدينة المنورة. إنها مركز العالم الإسلامي وقبلة جميع المسلمين، وبالتالي فإن حماية مقدسات المسلمين واجب علينا جميعاً، ولهذا لم نتردد ولم نتأخر في الوقوف إلى جانب السعودية من أجل الحفاظ على أمنها واستقرارها، ووحدة شعبها وترابها. * كيف هي علاقة بلادكم بدول الخليج العربي، خصوصاً المملكة العربية السعودية؟ - أعتقد أننا أصبحنا على قناعة تامة بأن أفريقيا تحتاج إلى العالم العربي، والعالم العربي أيضاً بحاجة إلى أفريقيا. وكما تعلمون، فإن البلدان العربية تعتمد في اقتصادها على النفط، ولكن يتوجب عليها أن تخطط لمرحلة ما بعد النفط، ونحن لدينا المواد الأولية والأراضي الخصبة، ودول الخليج تملك رأس المال؛ فلماذا لا تكون هناك شراكات تسمح بالتقاء هاتين القوتين (رأس المال والمواد الأولية) من أجل خلق صناعات تخدم في الوقت ذاته أفريقيا والعالم العربي. وعلى سبيل المثال فقد بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة تستثمر بشكل كبير هنا، ولديها مشروع طموح في مجال استغلال مناجم البوكسيت لإنتاج اليورانيوم، وهو مشروع من المنَتَظَر أن يلعب أدواراً مهمة مستقبلية في مجال توفير الطاقة، خصوصاً في مرحلة ما بعد النفط. وعندما نفهم جيداً مصالحنا المشتركة فسندرك أن التعاون الاقتصادي مربح جداً لأفريقيا والعالم العربي، على حد سواء. * انشغل الاتحاد الأفريقي، وقبله منظمة الوحدة الأفريقية بالنزاعات المحلية، مثل قضية دارفور ونزاع الصحراء وملفات أخرى، ولم يستطع أن يضع استراتيجية ورؤية واضحة المعالم، مثلما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، ألا ترى أنه حان الوقت للتحرُّر من النزاعات الصغيرة والتفكير في المستقبل؟ - كما تعلمون، فإن الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية حاولوا تجاوُز الحدود الجغرافية، لأنهم أدركوا أن هذه الحدود ستخلق كثيراً من المشكلات داخل القارة، ولأنها وضعت بموجب تدخلات خارجية معروفة، وهذا ما جعلنا ندرك أن هذه المشكلات لا يمكن أبداً أن تُحلَّ من طرف «القبعات الزرقاء» بصيغتها الحالية، فأكثر من 20 ألف جندي من قوات الأمم المتحدة يوجدون على امتداد العقود الماضية في مناطق مختلفة من القارة، ولم يتغير أي شيء، بل، على العكس، كل يوم تحدث هجمات وانفجارات، وهذا ما يحدث في دارفور وجنوب السودان ومناطق كثيرة أخرى، لذا وصلنا إلى مرحلة التفكير في أنه من الأفضل أن نستغل هذه الأموال التي تذهب أدراج الرياح لصالح مشروع الاتحاد الأفريقي، وأن ننشر قوات أفريقية مشتركة؛ فقواتنا ستكون أكثر إصراراً وصرامة في التعامل مع الصراعات المحلية، وحظوظها أكبر في تحقيق الاستقرار والدفاع عن وحدة دولنا. وقد قطعنا خطوات جدية في هذا المنحى، لأن ما يحدث في جنوب السودان أو دارفور أو في مناطق تحرك تنظيم «بوكو حرام» خطير جداً، ولهذا أصبحنا مقتنعين بأن الأفارقة وحدهم هم القادرون على حل هذه المشكلات والصراعات. * من المعروف أن القارة الأفريقية تمضي بخطى ثابتة نحو تحقيق وترسيخ الديمقراطية، ألا ترى أن هذه الأجواء الديمقراطية تحتاج إلى مبادرة لتحقيق المصالحة الداخلية في كثير من الدول لخلق روح من التوافق والانسجام والمصالحة؟ - لا يمكن لأي بلد أن يتطور في ظل غياب الوحدة الوطنية، لأنها أساسية جداً، ولكن فيما هو أبعد من الوحدة الوطنية، هنالك الاندماج الأفريقي الذي يعد ضرورياً ومحورياً، خصوصاً أنه، باستثناء بلدان قليلة، مثل نيجيريا، فإن أسواق البلدان الأفريقية صغيرة أو ضيقة، والازدهار الاقتصادي يحتاج إلى أسواق أكثر اتساعاً، لهذا فإننا مقتنعون بضرورة خلق اندماج إقليمي في المرحلة الأولى، ومن بعد سنعمل على تحقيق الاندماج الأفريقي على مستوى القارة بشكل عام، وهذا سيسمح لنا بمواجهة أكبر تحدٍّ أمام القارة الأفريقية، أي تحدي الفقر، خصوصاً أن الشعب الأفريقي شعب شاب، إذ إن 70 في المائة من السكان هم تحت سن الثلاثين، وهذه الميزة من حظ القارة الأفريقية، ولكنها تتطلب خلق فرص عمل أمام هؤلاء الشباب، وبالتالي فإن التنمية الاقتصادية لأفريقيا أساسية، خصوصاً في مجالات الطاقة والمواد الأولية والزراعة، وهي مجالات إذا حققنا فيها المطلوب فإننا لن نضمن فقط توفير فرص عمل لشبابنا، بل تحقيق انتعاش اقتصادي كبير في بلداننا. * أنت الرئيس الرابع لغينيا منذ استقلالها عام 1958، وأول رئيس غيني يُنتَخَب ديمقراطياً؛ ماذا تغَيَّر في عهدك مقارنة بعهدي الرئيسين الراحلين أحمد سيكو توري والجنرال لانسانا كونتي، وعهدي النقيب موسى داديس كامارا والجنرال سيكوبا كوناتي القصيرين؟ - تغيرت الكثير من الأمور، ولو أنني أطمح إلى أن يكون التغيير أكبر وأكثر أهمية؛ فقد عملنا على تطوير قطاعات الزراعة والطاقة والمعادن، وشرعنا في تشييد بنية تحتية صلبة، وبدأنا مشروعاً سيغير الظروف المعيشية للسكان نحو الأفضل. طبعاً ركزنا بشكل كبير على قطاع الزراعة، لأنه يشغل عدداً كبيراً من المواطنين، وهو القطاع الذي سيسمح لنا بتحقيق الثراء في أوساط السكان. كما عملنا أيضاً على تحسين العمل في قطاع المناجم، وسنعمل على تحقيق استغلال أفضل لهذا القطاع، ونجعله ينعكس بشكل مباشر على أوضاع السكان، وهو ما لم يكن موجوداً في السابق. وكما تعلمون؛ فغينيا تُعدّ المنتِج الأول في العالم لمعدن البوكسيت، وهذا ما سيمكِّنُنا من الوقوف على دعامتين مهمتين؛ هما قطاع الزراعة وقطاع المعادن. * عُرِف عنك أنك كنت معارضاً شرساً للرؤساء السابقين. كيف وجدتَ الحكم؟ هل وجدتَه كما كنتَ تتصوَّرُه إبان نضالك الطويل في صفوف المعارضة؟ - لم أجده كما كنت أتصوَّر؛ فعندما كنت في المعارضة لم يكن بمقدوري تصور مستوى تدهور البلاد. لقد قلت عندما وصلت إلى الحكم إنني وجدت غينيا في القاع. لم أكن مطَّلِعاً قبل الحكم على حجم التأخُّر الذي تعاني منه البلاد، تأخُّر في جميع المجالات، وحتى المؤسسات التي أُنْشِئَت كانت قد اختفت تماماً، لدرجة أنني أصبحت كمن وصل إلى الحكم في بلد هو عبارة عن صحراء قاحلة وخالٍ من كل شيء. الرؤساء الذين سبقوني عملوا ما بوسعهم من أجل تحقيق التقدُّم، ولكن للأسف كان هناك عدد كبير من الأطر يفتقدون الوطنية، وأسهموا في عدم تحقيق ذلك التقدم. والآن نحن بصدد العمل على تحقيق ذلك التقدم بشكل تدريجي، وبقدر كبير من الصبر والتسامح، والعمل على تقوية اللُّحمة الاجتماعية والوطنية، بالتعاون مع البلدان الصديقة. * السيد الرئيس... هل تنوون الترشح لولاية رئاسية ثالثة؟ - حتى الآن أكملت عاماً واحداً وشهرين من ولايتي الرئاسية الثانية، ولا تزال أمامي أربع سنوات لتطبيق البرنامج الذي انتخبني الغينيون من أجله، وهذا هو هدفي الوحيد الآن. وهذا النقاش غير مطروح في الوقت الحالي، ومن يطرحه هم أناس لا شُغلَ لهم، ويستمتعون به. * مر أكثر من عام على ولايتكم الرئاسية الثانية... ما نسبة الأحلام التي راودتكم أيام كنتم في المعارضة، وتمكنتم من تحقيقها وأنتم في الحكم؟ - حتى الآن هنالك أمور كثيرة لم أتمكن من تحقيقها، ليس فقط لأنها صعبة، وإنما لأننا تعرضنا خلال عامين ونصف العام لوباء «الإيبولا»، الذي دمر كثيراً مما بنيناه وشتَّت جهودنا، ولكنني سأواصل العمل بجدٍّ من أجل تحقيق الأحلام التي راودتني عندما كنتُ طالباً في الجامعة. * شكَّل نيلسون مانديلا قدوةً بالنسبة لكم خلال مرحلة نضالكم السياسي، ولمنهجكم القائم على مقولة «نغفر لكن دون أن ننسى»، ألم تنسَ بعدُ أوجاعَ مرحلة المعارضة؟ - كثير من أعضاء حكومتي كانوا في السلطة قبلي، وهم من أقرب المساعدين لي، وعلى مستوى رفيع جداً، لأنه من أجل بناء البلد لا بد من توحيد جميع القوى والعمل معاً لتحقيق الأهداف، أما إذا حاولنا إقصاء البعض ودخلنا في صراع فيما بيننا، فإننا سننشغل عن تنمية البلد وتطويره. فلا بد من التسامح وتقبُّل الآخر، وهذا ما أحرص عليه دائماً، لأن الشخص الذي عرفناه سلبياً يمكنه أن يتحول في مرحلة معينة إلى شخص إيجابي. يكفي فقط أن نعطيه الفرصة ونتسامح معه، هذه هي فلسفتي من أجل بناء غينيا وتوحيد أبنائها. لقد أعطيتُ الفرصة للجميع من أجل التغير والتحسُّن. * لقد جلبتم لبلدكم استقراراً سياسياً متميزاً، وحلولاً لعدد من المشكلات التنموية، والأكثر من ذلك أنكم خضتم معركة ضارية ضد وباء «إيبولا»، ما الدرس الذي خرجتم به من هذه المعركة؟ - بفضل الله تجاوزنا مرحلة وباء «إيبولا»، ولكننا ما زلنا نعاني من آثاره. ومن جهة أخرى، فقد نجحنا بفضل «إيبولا» في تقوية وحدتنا الوطنية ولحمتنا الاجتماعية، وأصبحنا أكثر رغبة في تحقيق التغيير، لأن «إيبولا» تسبب في إغلاق الحدود، وضاعت بسبب ذلك كثير من منتجاتنا، وهذا ما جعلنا نفهم ضرورة خلق بنية تحتية قادرة على التأقلم مع حالات الطوارئ، وتسويق منتجاتنا بطريقة أفضل، خصوصاً أن الكمية التي خسرناها من البطاطس وحدها كانت كبيرة جداً، لأن البلدان المجاورة أغلقت حدودها معنا، خوفاً من الفيروس، وها ما جعلنا ندرك أنه من الضروري أن نزيد من مستوى اعتمادنا على أنفسنا، واستهلاك أكبر قدر ممكن من المنتجات محلياً. * من بين المفارقات التي عرفها مساركم السياسي أن القاضي محمدو سيلا الذي حكم عليكم بالسجن مدة 5 سنوات بتهمة المسّ بأمن الدولة، هو الذي أقسمتُم أمامه اليمين الدستورية بصفته رئيساً للمحكمة العليا، عقب انتخابكم رئيساً للجمهورية عام 2010، ما الإحساس الذي انتابك آنذاك؟ - سيلا كان يقوم بعمله فقط، وهو صديق شخصي بالنسبة لي، وقد قام بعمله رئيساً للمحكمة العليا خلال التنصيب، كما قام به أيضاً عندما كان قاضياً، وهو لم يقم بتوقيفي، وليس مسؤولاً عن عملية التوقيف، وليست لديَّ أي مشكلة معه، بل بالعكس هو صديق شخصي. * في عام 1970 صدر في حقكم حكم بالإعدام لكنه لم يُنفَّذ، هل ما زال الحكم بالإعدام قائماً في عهدكم؟ - لا، نهائياً، لقد ألغيناه تماماً أخيراً. * يطلق عليك الغينيون لقب «البروفسور». أيهما تفضل لقب «البروفسور» أم «الرئيس»؟ - {الرئيس» لقب حملَته إليَّ الصدفة، أما «البروفسور» فهو مهنتي (يضحك).
مشاركة :