إعداد:محمد هاني عطوي قبل أن يصل المسبار نيوهورايزون «آفاق جديدة» إلى بلوتو في يوليو/تموز العام 2015 كان هذا الكوكب القزم بالنسبة للعلماء عبارة عن بضعة بكسلات تلمع بالكاد في ظلمة الفضاء الحالك. وبعد أن وصلته تحولت الصورة إلى شيء آخر حيث بدت السهول على شكل يشبه القلب والسماء الزرقاء وربما هناك محيط تحت يابسته. منذ اكتشافه في العام 1930، ظل هذا الجرم السماوي يمثل الرقم الصعب بين كواكب المجموعة الشمسية أو كأنه خروف أسود بين قطيع من الخراف البيض، ويمكن القول إنه كان يقطع بمداره الشاذ بيضاوي الشكل، شديد الميلان، ذلك الانسجام الواضح لنظام يمثل من الداخل إلى الخارج، وبشكل متناظر تقريبا، أربعة كواكب صخرية تليها أربعة عملاقة غازية على حد وصف فرانسوا فورجيه، المتخصص في علم الكواكب في مختبر الأرصاد الجوية الدينامية التابع لمعهد بيير لابلاس. إضافة إلى ذلك، يحيط ببلوتو قمر كبير هو شارون، مع أنه في الحقيقة ليس قمره بل يدور كلاهما حول نقطة واحدة، ويشكلان نظاما ثنائيا، وهو الوحيد المعروف في ضواحي الشمس. والواقع أن الاكتشافات المتتالية للأجسام الضخمة التي تتحرك مثله خارج مدار نبتون تغلبت أخيرا على وضعه ككوكب في 24 أغسطس/آب 2006. إلا أن تخفيض مكانته لدرجة كوكب قزم لم يقوض من أهميته لأنه بات ينتمي إلى أسرة ذات تصنيف جديد في النظام الشمسي. هزة كبرى في صيف العام 2015، أحدثت الصور الأولى التي التقطتها نيوهورايزون لبلوتو هزة كبرى في المجتمع العلمي، فمنذ بدايات الثمانينيات 1980، تمكن علماء الفلك من معرفة تكوينه ودرجة حرارة جوه، لكنهم لم يعرفوا الكثير عن تضاريسه. وأول ما فاجأ العلماء، ذلك السهل الشاسع المتألق الذي يشبه القلب، الموجود في جهته اليسرى والمسمى سبوتنيك. ويقول فورجيه: «كنت أتوقع العثور على مجموعة متنوعة واسعة من الجليد بحكم أنني كنت قد وضعت تصميمها بنفسي ولكن بالتأكيد لم أتوقع وجود هذا الجبل الجليدي الهائل المكون من النيتروجين والذي يصل عمقه إلى آلاف الأمتار علما بأن وجود هذه الكمية الكبيرة من النيتروجين يشكل مما لا شك فيه جزءاً مهماً من تضاريس بلوتو. وترتفع على حافة هذا الجبل الجليدي النيتروجيني العملاق جبال شاهقة يزيد ارتفاعها عن 3000 متر ربما تزيد غرابة عن جبال غرينلاند أو بارك يوسمايت في الولايات المتحدة الأمريكية. هذه المناظر الطبيعية نحتت بفعل حركات الجليد النيتروجيني. ويقول برنارد شميت من معهد الكواكب والفيزياء الفلكية في غرينوبل وهو أيضا عضو في فريق نيوهورايزون: لم نتصور حقا هذا النشاط الجليدي في الحالة الصلبة فعلى سطح سبوتنيك مثلا، يلاحظ أن عدم وجود حفر صدمية يشير إلى نشاط جيولوجي حديث جداً. وفيما عدا الصورة النمطية لعالم جليدي جامد، فإنه وبعد أكثر من عام من العمل، يعتقد الباحثون العثور على مفتاح هذا اللغز. فالعلامات المرسومة على هيئة أشكال مثقبة وتظهر على أرضه بشكل واضح وتمتد إلى عشرات الكيلومترات مشابهة للخلايا وربما تكون مسرحاً لظاهرة الحمل الحراري. ويصف الباحث شميت الوضع على النحو التالي:«خذ كوبا من الشاي الساخن الذي يصعد منه البخار وسترى على سطحه نفس الأشكال المرتسمة على بلوتو فالمادة الدافئة الأخف ترتفع إلى مستوى مركز تلك المكونات المشابهة للخلايا لتعود إلى حدودها بمجرد أن تبرد». من جهته يقول فورجيه: «عندما وصلتنا الصور الأولى كان التركيز على السمة المستغربة لسطح بلوتو لأنه إذا كانت معظم المناطق التي تحتوي على جبال جليدية حديثة من الناحية الجيولوجية، فإنه وبعد التحليل والحسابات يبدو أن جل سطح الكوكب القزم قد تشكل بين 3-4 مليارات سنة. الجليد البركاني الحقيقة أن الظواهر التي تحرك الجليد النيتروجيني لا يمكن أن تكون وحدها المسؤولة عن التشوهات التي تؤثر بها أيضا قشرة من جليد الماء ويبلغ سمكها 300 كيلومتر وتغطي نواة صلبة يبلغ نصف قطرها حوالي 900 كم. ويبدو أنه في بداية حياة هذا الكوكب القزم قد تم على ما يبدو تعرض وشاحه إلى تمزيق تحت تأثير التوسع في الطبقات السفلى وهذا ما يجعلنا نعتقد أن بلوتو كان يوما دافئا بما يكفي لإيواء أحد المحيطات تحت سطحه وقد تمثل ذلك بمنبسط مائي تعرض في مرحلة ما، للتجمد والتمدد متسبباً في هذه الصدوع والتشققات. ويعتقد الجيولوجي براندون جونسون في جامعة براون، أن هذا المحيط ما زال موجوداً، فوفقا لدراسة حديثة أجراها بنفسه فإنه من المحتمل أن يوجد خزان من المياه السائلة يبلغ عمقه 100 كيلومتر ويقع تحت جليد سبوتنيك. ويشير برنارد شميت إلى أنه حتى إذا كان هذا صحيحاً فلا بد من أن تتم مناقشته بشكل جدي لأن بلوتو يبدي علامات على وجود ما يسمى بالجليد البركاني، وهو ظاهرة تتمثل في تشكل الجليد على أجرام جليدية في درجات حرارة منخفضة جدا كما في حزام كويبر وبدلاً من خروج مقذوفات بركانية (حمم) نجد أن هذه المقذوفات تكون عبارة عن مكونات متطايرة مثل الماء والأمونيا أو الميثان. وتسمى هذه المواد السائلة عموما cryomagma (الماجما الجليدية) ولكنها قد تكون أيضا في شكل بخار. وبعد الثوران، تتكثف لتصبح صلبة بسبب درجات الحرارة المنخفضة جدا. تسرب غازي من ناحية أخرى، تتخذ المرتفعات الجليدية على هذا الجرم القزم شكل الكثبان الرملية وهو ما يثير الدهشة خاصة أنه لا يمكن للرياح الآن أن ترفع أدنى ذرة من الغبار عليه. والواقع أن الأمر الذي يثير الاستغراب أكثر هو الغلاف الجوي فالضغط الجوي على السطح يبلغ حوالي واحد باسكال عند درجة حرارة تبلغ حوالي 170 درجة مئوية تحت الصفر في حين أن درجة الحرارة في الغلاف الجوي العلوي أكثر برودة من المتوقع (- 200 درجة مئوية بدلا من - 160 ) ما يعني أن هناك تسربا غازيا وخاصة لغاز النيتروجين، ولكنه أقل بعدة آلاف من المرات مما كان متوقعا. ولو أن كل النيتروجين تسرب، فلن يكون هناك أية جبال جليدية، وهكذا وخلافا لما كان يعتقده العلماء فإن بلوتو الذي كان حسب رأيهم يسلك سلوك المذنب مُطْلِقًا كمية كبيرة من الغاز في الفضاء، ليس كذلك. ولكن لماذا؟ لا أحد يعلم حتى الآن. وربما تفسير ذلك يكمن في كيمياء الغلاف الجوي لهذا الجرم فهذه الكيمياء أخفت للباحثين مفاجأة لطيفة: إذ وجدوا أن ثمة هالة زرقاء لازوردية رائعة تظهر حول بلوتو في الخلفية المعاكسة لمصدر الإضاءة، وكما توقع هؤلاء فإن الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس تكسر جزيئات الميثان، التي تتفكك بدورها إلى عناصر شديدة التفاعل وتمتزج مع بعضها البعض لتشكيل أل (tholins) وهو نوع من السخام يضفي على الكوكب القزم لوناً أحمر بنياً غامقاً. ويتساءل فرانسوا فورجيه: لماذا هذا الضباب الملون مكون من طبقات منتظمة؟ لغز آخر ينبغي على العلماء حله خلال السنوات القادمة خاصة أنهم اكتشفوا كوكباً يشبه المريخ بلونه. تكوينات جيولوجية رصدت المركبة نيوهورايزون، جبلين تعلو كل واحد منهما حفرة عميقة على ما يبدو، ولكن هل ذلك يجعلنا نتصور أن هناك حياة على بلوتو؟ الباحثون لا يعتقدون بجدية هذا الأمر. فالحقيقة أن هناك تضاريس أخرى غير عادية، مثل تلك الشفرات أو التعرجات الحادة، التي يبلغ طولها عدة مئات من الأمتار، وتمتد من الشمال إلى الجنوب على مسافة بضعة كيلومترات عن بعضها بعضاً. ويقول برنارد شميت: «لم نشاهد مثل هذه التضاريس أبداً في النظام الشمسي». ووفقاً لشميت، فإن هذه التكوينات الجيولوجية يمكن أن تكون مرتبطة بعمليات التسامي والتكثيف لجليد الميثان.
مشاركة :