الرباط - أكد بلاغ الديوان الملكي الذي أنهى تكليف عبد الإله بنكيران وأعفاه من مهمة تشكيل الحكومة واتخذ قرار تعيين شخصية سياسية من حزب العدالة والتنمية نفسه للقيام بالمهمة، أن المسار الديمقراطي في المغرب يتجه في الطريق الصحيح في ظل ما أبداه العاهل المغربي محمد السادس من سلاسة في التعاطي مع الملف الجدلي في البلاد. وجاء قرار الملك محمد السادس إعفاء رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران الأربعاء بعد أزيد من خمسة أشهر على تعيينه عقب 48 ساعة على إعلان النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية الأخيرة. ويرى مراقبون أن الملك احترم المنهجية الديمقراطية التي يقرها دستور المملكة والذي يسند منصب رئيس الحكومة للحزب الذي تصدر الانتخابات التشريعية، مانحا بنكيران الوقت الكافي لتشكيل حكومته رغم الصلاحيات التي يمنحها الدستور له بتعيين شخصية أخرى. فالملك عيّن الأمين للحزب الفائز في الانتخابات، وكان من الممكن تعيين شخصية من غير الأمين العام حسب أحكام الفصل 47 من الدستور، لكنه منح فرصة لبنكيران دامت خمسة أشهر. ويعود الملك اليوم بمقتضى الدستور ليمنح فرصة جديدة لشخصية ثانية من العدالة والتنمية، مادام أن الحزب منظمة سياسية لا تتوقف على شخص واحد، بل يُفترض أنها تضم موارد بشرية قادرة على تجاوز وضعية الانحصار التشاوري التي وضعها فيها بنكيران. خيارات العدالة والتنمية وخلال الساعات الأولى التي تلت بلاغ الديوان الملكي، بدا أن حزب العدالة والتنمية دخل في حرب بيانات وبلاغات داخلية تدفع بالبعض نحو تشكيل الحكومة من جديد والبعض الآخر نحو خيار الذهاب إلى الديمقراطية. وشككت قيادة الحزب في كل البيانات وقطعت الشك باليقين وخرجت ببلاغ، عبر الموقع الالكتروني الرسمي للحزب يدعو جميع الأعضاء إلى التزام الصمت. ويرى مراقبون أنه إذا ما هيمن داخل الحزب التوجه الداعي إلى الذهاب نحو المعارضة وحصلت له الغلبة، فإن الحزب يكون بذلك قد خالف الدستور والخيار الديمقراطي، كما أنه لم يقدر بتاتا مخاطر التحديات الخارجية التي يعيشها المغرب في الأسابيع الأخيرة. ويقول مراقبون أن السيناريو المفتوح آنذاك سيكون الذهاب نحو حكومة تكنوقراط لتجاوز حالة الفشل الحزبي، ولضمان حسن سير المؤسسات الدستورية وإدارة الملفات في مرحلة انتقالية إلى حين نضج الشروط والظروف لإجراء انتخابات تشريعية جديدة، هذه الحكومة قد تكون مدعومة من طرف كل المكونات الحزبية ماعدا العدالة والتنمية". لكن بنكيران لم يتمكن هذه المرة من تشكيل تحالف حكومي يحظى بموافقة الأغلبية البرلمانية على الرغم من المشاورات الطويلة التي أجراها واستمرت خمسة أشهر. و تكهنت صحف مغربية في الأيام الأخيرة باستقالة بنكيران أو إقدام الملك على اختيار شخصية أخرى لتشكيل الحكومة، وذكرت بان الدستور ينص على أن الملك يجب أن يختار رئيسا للحكومة شخصية من الحزب الذي جاء في الطليعة في الانتخابات التشريعية. وتحدثت الصحف المغربية مساء الأربعاء عن أسماء ثلاث شخصيات قد تحل محل بنكيران هي سعد الدين العثماني الرجل الثاني في قيادة حزب العدالة والتنمية، ومصطفى الرميد وزير العدل والحريات، وعزيز رباح وزير التجهيز والنقل واللوجستيك السابق. واعتبر مصدر من داخل حزب العدالة والتنمية أن الأسماء السابقة تبقى قيادية يمكن أن يعين منها الملك رئيسا للحكومة خليفة لبنكيران. لا مؤشرات إلى حلحلة وبنكيران الذي اقترح تمديد ولاية التحالف المنتهية ويضم أربعة أحزاب من إسلاميين وليبراليين وشيوعيين سابقين، واجه معارضة وزير الزراعة السابق عزيز اخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار (ليبراليون) الذي يضم تكنوقراطيين ووجهاء، واشترط أخنوش أن يضم الائتلاف حزبين آخرين هما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري، مع استبعاد حزب الاستقلال. وقد تمكن أخنوش من أن يحشد حوله ائتلافا من أحزاب صغيرة سمح له بمنافسة بنكيران وبفرض نفسه كقطب مؤثر في السياسة المحلية وفي معارضة الإسلاميين. وفي الواقع تحولت العلاقة بين الرجلين إلى مواجهة ما أغرق المغرب في وضع غير مسبوق. وقال بيان الديوان الملكي إن العاهل المغربي "حث رئيس الحكومة المعيّن عدة مرات على تسريع تكوين الحكومة الجديدة". وأضاف أن الملك محمد السادس وبعد عودته مطلع الأسبوع الجاري من جولة افريقية طويلة "أخذ علما بأن المشاورات التي قام بها السيد رئيس الحكومة المعين لمدة تجاوزت الخمسة أشهر لم تسفر إلى حد اليوم عن تشكيل أغلبية حكومية إضافة إلى انعدام مؤشرات توحي بقرب تشكيلها".تأكيد الخيار الديمقراطي وقال بيان الديوان الملكي إن الملك محمد السادس "سيستقبل في القريب العاجل هذه الشخصية وسيكلفها بتشكيل الحكومة الجديدة". وأكد أن الملك "فضّل أن يتخذ هذا القرار السامي من ضمن كل الاختيارات المتاحة التي يمنحها له نص وروح الدستور، تجسيدا لإرادته الصادقة وحرصه الدائم على توطيد الاختيار الديموقراطي وصيانة المكاسب التي حققتها بلادنا في هذا المجال". وقال مسؤول مغربي كبير إن "هذا القرار الذي يحتفظ فيه حزب العدالة والتنمية بإمكانية تشكيل الأغلبية المقبلة، يدل على أن الملك يرغب في تشجيع المنطق الديموقراطي". وأشاد العاهل المغربي "بروح المسؤولية العالية والوطنية الصادقة التي أبان عنها السيد عبد الإله بنكيران طيلة الفترة التي تولى خلالها رئاسة الحكومة، بكل كفاءة واقتدار ونكران ذات". وتقليديا لا تؤخذ التوجهات العقائدية للأحزاب في الاعتبار في المغرب عند تشكيل التحالفات الحكومية التي تعمل بإشراف الملك الذي يحتفظ بسلطة القرار في الخارجية والأمن والقطاعات الأساسية للاقتصاد. وهي المرة الأولى التي تصل فيها فترة التأخير في تشكيل حكومة جديدة في المغرب إلى خمسة أشهر بعد الانتخابات التشريعية.
مشاركة :