نيك باتلر| انخفض سعر النفط مرة أخرى، ومع الانخفاض الأخير بلغ السعر في الولايات المتحدة أقل من 50 دولاراً للبرميل. وراء الانخفاض هناك قصة لافتة حول التقدم التقني الذي يقود مرة أخرى ارتفاع حجم النفط المنتج من الصخر الزيتي الأميركي. مر حتى الآن ما يقرب من عقد من الزمان منذ أن بدأت ثورة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة. من إنتاج لا شيء تقريبا من الغاز من الصخر الزيتي في البلاد إلى حوالي 50 مليار قدم مكعب في اليوم في بداية هذا العام، وفقا للبيانات الصادرة عن إدارة الطاقة الأميركية. الغاز منخفض التكلفة أخرج الفحم من قطاع الطاقة الكهربائية. وبدلا من استيراد الغاز ، كما توقع الكثيرون، أصبحت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا قبل أن تصبح دولة مصدرة للفحم أولا ثم للغاز ، مما أدى في كلتا الحالتين إلى إضعاف الأسواق العالمية الهشة أصلا. امتدت ثورة الصخر الزيتي إلى النفط، فارتفع انتاج الولايات المتحدة بواقع 3 ملايين برميل في اليوم، مما دفع السعودية إلى إغراق السوق بالنفط في محاولة لإخراج منتجي النفط الصخري الأميركي خارج السوق والحفاظ على حصتها في السوق. لم يحقق الانخفاض في الأسعار العالمية التأثير المقصود. حدث بعض التخفيض في الإنتاج الأميركي، لكن الأثر الرئيسي للسياسة السعودية تمثل في دفع صناعة الصخر الزيتي للولايات المتحدة إلى عملية خفض دراماتيكية في التكاليف وتقدم تقني. وبدأت الآن الآثار الكاملة لذلك تظهر وتتضح: فهناك ثورة ثانية تجري في الصخر الزيتي حاليا. القصة مؤثرة. فقد تم خفض التكاليف إلى حد باتت الصناعة ككل تحقق نقطة التعادل عند 50 دولاراً، وفي بعض الحالات حتى أقل من ذلك. لكن، الأكثر أهمية هو أنه تم العثور على المزيد من الاحتياطيات، وبخاصة النفط. وسيكون هذا محور ثورة الصخر الزيتي الثانية، ومرة أخرى، ستحدث اضطرابا شديدا في الأسواق العالمية. بعد تراجع العام الماضي، ها هو انتاج النفط من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة آخذ في الازدياد مرة أخرى. وتتراوح التقديرات لهذا العام بين زيادة صافية قدرها بين 400 ألف برميل و800 ألف برميل يوميا، ولن يكون 2017 العام الوحيد الذي سيشهد ذلك. فحوض بيرمين في ولاية تكساس، المحور الرئيسي للنشاط الجديد، يضم احتياطيات نفطية تتجاوز الاحتياطيات النفطية في جميع الحقول الكبيرة المكتشفة في العالم، مثل حقل الغوار في السعودية وخليج برودو في ألاسكا. وهذا يعني أننا يمكن أن نتطلع إلى زيادة مستمرة قوية بمقدار ربما 800 ألف برميل سنويا من الصخر الزيتي حتى عام 2020. ومن شأن ذلك أن يرفع الإنتاج الإجمالي للنفط في الولايات المتحدة بحلول ذلك الوقت من 9 ملايين برميل يوميا إلى حوالي 11 مليون برميل يوميا.ومن غير المرجح أن يتجاوز نمو الطلب في جميع أنحاء العالم 1 مليون برميل يوميا، ويمكن أن يكون أقل. الإمدادات الأميركية الإضافية ستأخذ «حصة الأسد» من هذا النمو وتجعل من الصعب الحد من تراكم المخزون الذي يضع سقفا للأسعار. وحتى لو احترمت دول أوبك وروسيا نظام الحصص الذي اتفقوا عليه بشكل كامل، فإن التطورات في أميركا تفوق جهودهم. وسيتعين على أوبك والسعودية بشكل خاص تقديم المزيد من التخفيضات للحفاظ على الأسعار الحالية. ومع هذا النمو يأتي المزيد من الغاز الذي يتم إنتاجه إلى جانب النفط. وتملك الولايات المتحدة إمدادات جيدة من الغاز، التي تعافت أسعاره قليلا في نهاية العام الماضي. وكانت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة انخفضت إلى ما دون 3 دولارات للوحدة الحرارية البريطانية، ويبدو أنها ستنخفض أكثر. على هذا المستوى، سيحل الغاز محل المزيد من الفحم في قطاع الطاقة الكهربائية الأميركية، مما يجعل من الصعب للغاية على الرئيس دونالد ترامب تحقيق وعود حملته بإعادة بناء صناعة الفحم. زيادة إمدادات النفط والغاز ستقرب البلاد من حالة الاكتفاء الذاتي لتصبح أقل اعتمادا على الواردات. وبالتالي، تقل الحاجة والرغبة في الولايات المتحدة للتدخل في الصراعات حول العالم. ويبدو أن زيادة صادرات الغاز أمر لا مفر منه في كل من أوروبا وآسيا. ونظرا لدفء العلاقات الجديدة مع اليابان، يبدو إبرام اتفاق تجاري طويل الأجل يشمل صادرات الغاز ممكنا. ولكن، وجود وفرة في الإنتاج سيؤذي موردين آخرين. ومن المقرر دخول المزيد من الإنتاج إلى السوق في جميع أنحاء العالم عندما تبدأ مشاريع الغاز الطبيعي المسال قيد التطوير في العمل والإنتاج. تزايد صادرات الولايات المتحدة هو آخر شيء يرغب منتجو الغاز الآخرين من روسيا إلى إستراليا بوجوده. وقد يضطر بعض المنتجين لإعادة التفاوض على العقود الحالية في حين سيتم تأجيل مشاريع الغاز الطبيعي المسال المستقبلية في المناطق المكلفة نسبيا مثل شرق البحر الأبيض المتوسط وشرق أفريقيا. وكان الصخر الزيتي في الولايات المتحدة أكبر عامل فردي يؤثر في قطاع الطاقة العالمية في العقد الماضي. إذ انقلبت التوقعات، وتم تقويض الأسعار التي حددتها سابقا بيئة يندر فيها النفط على نحو متزايد والاعتماد على مناطق إنتاج غير آمنة ومضطربة. وتبدو تلك الآثار الآن قابلة للاستمرار وعرضة لأن تتفاقم بسبب التحولات في التكنولوجيا. وقد ثبت خطأ أولئك الذين يفترضون أن الهبوط الدوري في الأسعار سيقضي على ثورة الصخر الزيتي. وبدلا من ذلك، نشهد الآن تحولا هيكليا مع نمو المعروض الذي يتجاوز الطلب. تبعات ذلك، لا سيما بالنسبة للبلدان التي تعتمد في إيراداتها على ارتفاع أسعار صادراتها، تعتبر خطيرة جدا. وسوف يتمثل الأثر النهائي لهذا الأمر في إعادة توزيع الثروة بعيدا عن المنتجين لمصلحة المستهلكين. نحن الآن في خضم مرحلة طويلة من عدم الاستقرار، مدفوعة هذه المرة بالوفرة وليس الندرة.
مشاركة :