إنّ نعمة العقل هي ما يميّز الإنسان عن غيره من الكائنات الحيّة، فقد اصطفاه الله سبحانه بتلك النعمة، التي تجعل منه فريداً ومختلفاً، والدخول في فلسفة الدماغ وأساليب عمله قد تبدأ حكاياتها ولا تتوقّف. فالتعمّق داخل العقل البشري كالدخول في عالم من المؤسسات الضخمة، التي تؤدي خدمات متخصصة في التفكير والحركة والنشاطات الحيوية ووظائف لا نهاية لها، والتي تجعل منه سبباً في تطوّر البشرية في جميع مساراتها على مرّ الزمان. تلك المؤسسات العقلية تمتلك جيشاً جراراً من الموظفين، الذين يعملون ليل نهار في خدمة ذلك الانسان، الذي لا يُطلب منه إلاّ إيقاظ هؤلاء العاملين وتنشيطهم عبر متابعاتهم بالمهام والأنشطة، لأنّ وجود هدف وغاية يجعل تلك الخلايا الدماغية في حالة نشاط دائم. ولكن ماذا يمكن أن يحدث عندما يبدأ ذلك الإنسان في التوقف عن إيصال رسائل ومهمات عقلية للدماغ، ستبدأ تلك الخلايا الدماغية النشطة في التكاسل. وقد تصل إلى مرحلة الاضمحلال وصولاً إلى إعلان انتهاء الخدمة تماماً، ومعها صعوبة استعادتها من جديد. والذي يزيد الطينَ بّلةً أنّ بعض المناطق في الدماغ البشري قد تتحوّل من عمل إيجابي نشط إلى سلبي مُحبِط لبقية الخلايا الدماغية، فالموظف السلبي داخل المؤسسة إن لم يتم استثمار وقته بشكل نافع سيستخدمه بشكل، قد لا ينفع المؤسسة. لذلك أَحسِنُوا استثمار طاقة عقولكم. فالعقل البشري ما زال يمتلك أكثر مما يتصوره عقلكم البسيط. إن الأدوات التكنولوجية والتطبيقات الإلكترونية ما هي إلا أدوات مساندة، حيث يجب عدم الاعتماد عليها بشكل كامل، فالهدف من وجودها مساعدة الإنسان في استخدام عقله، وليس لإيقاف عقله عن البحث والعمل، فحياة الإنسان ترتبط بوجود عقله حيا، إذاً فكّر وقرأ وحلل وناقش، وكما قال الفيلسوف ديكارت «أنا أفكر إذاً أنا موجود»، فحتى الوجود ارتبط باستخدام العقل والتفكير. قد تتوقف قلوبنا وأعضاء جسدنا عن العمل، ولكن حياتنا لا تتوقف، أما موت الدماغ فهو موت الإنسان. حافظوا على عقولكم نشطة فهي مصدر حياتكم، وسبب حضارتكم ومستقبلكم.د. عبدالفتاح ناجيabdelfttahnaji@yahoo.com
مشاركة :