الفنون ألوان، والألوان تحكي حكايات الناس وما تخفيه نفوسهم وشخصياتهم، كما تحكي معالم الزمن والعصر الذي عاشوا فيه، ومن أين جاؤوا وإلى أين ينتمون. الرسم ليس لوحة وريشة، بل حكاية ومدرسة، جميل أن نكتشفها ونتعرف على مضمونها وأبعادها وأفكار من رسمها. عالم من الإبداع ينقلنا إليه كل ثلاثاء الدكتور مأمون علواني في برنامجه «ألواني» على قناة «أبوظبي». مرة أخرى، تسير بنا القناة باتجاه الإعلام الهادف لا الفوضوي أو المبتذل. تحرص على الارتقاء بالذوق العام، تدرك جيداً أن للصورة وللكلمة عبر الإعلام المرئي وقعاً لا يمحى بسهولة بل يترك أثراً واضحاً في المشاهدين، وأنها تستطيع تعويد النظر على الجمال وتقديم أفضل صورة عن البلد الذي تنتمي إليه أو العكس.. لذا تختار دائماً أن تكون صاحبة الرسالة الإعلامية المباشرة، تنتقي من البرامج ما يتماشى مع خطتها المرسومة، وتتطور وفق متطلبات العصر مع مواكبة تطورات الدولة وتطلعاتها وسياستها. لا تغرد «أبوظبي» خارج السرب إلا لتأتي بإضافة، أي إنها ليست قناة تريد أن تخالف لتُعرف كما تفعل قنوات عربية صارت أشبه بالصحافة الصفراء من كثرة فضائحها. هكذا تفعل وسائل الإعلام المرئية في الإمارات، وكلها حريصة على أن تنأى بنفسها بعيداً عن موجة الابتذال والاتجار بالمُشاهد، السائدة في عدة دول عربية. تخالف النمط السائد لتكون النموذج الإيجابي الطيب. على خريطتها الجديدة مجموعة من البرامج المتميزة، كلها تعكس الواقع وتمشي مع العالم الافتراضي في آن. تذهب إلى جبهات القتال وتحكي حكايات الأبطال، كما تحلق مع الفنون والقراءة والأدب والفكر.. ومن باقتها الجديدة نقطف برنامج «ألواني» العابق بروائح الفنون التشكيلية. ليس كلاسيكياً ولا تقليدياً، هو يسرد الماضي بتقنيات الحاضر. يقدمه الدكتور مأمون علواني، الفنان التشكيلي، ويساعده فريق تشكّل عربياً وإيطالياً ليجمع مصورين وفنيين من هنا وهناك، وتوقيع ناهد نصر وكورادو ريتزو في الإخراج. أهمية البرنامج أنه يسلط الضوء على فنانين تشكيليين عالميين أسسوا مدارس وتركوا أعمالاً خالدة، دون أن يغرق في المواعظ أو الأرشفة التقليدية. وحتى كتابة هذه السطور، تعرفنا على اثنين في حلقتين، هما ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو. الحلقة الأولى جاءت أكثر تنوعاً من الثانية، لكن الثراء المعلوماتي والتقني متوفر في الاثنتين معاً. من الكتب والسير الذاتية يستقي معلوماته، ويتعمد الاقتراب من الواقع أكثر، فيجري حوارات في إيطاليا، مع المسؤول عن المتحف الملكي، وأحد أفراد العائلة التي ينتمي إليها الفنان مايكل أنجلو، بينما يلتقي الأميرتين ناتاليا وإيرينا ستروتزي من سلالة «لا جوكوندا» المرأة التي رسمها دافنشي. تفاصيل كثيرة ومهمة تجعل المُشاهد يغوص في عمق اللوحات والمنحوتات وكأنه يتلقى درساً مجانياً و«غير ممل» في الفن التشكيلي. يجعلك تعشق الألوان، تحب الخطوط لأنك تفهمها أكثر وتعرف أبعادها ومدلولاتها. تتسع صورته لتصير اللوحة تفصيلاً دقيقاً ترى النمنمات فيها، ويصبح مقدم البرنامج أحد عناصرها بفضل التقنيات الذكية التي تجعله يمشي على الجسر وسط الطبيعة في خلفية الموناليزا. يسلط الضوء في الربع الأخير من الحلقة على «فنان محلي»، فتعرفنا على عالم الفنانة الإماراتية فاطمة لوتاه. تصوير سينمائي يتفنن في جعل خطوات الرسامة تمشي جنباً إلى جنب ريشتها وألوانها الصحراوية.كم جميل أن يصير الإعلام مهذِّباً للذوق العام، مشجعاً على الفنون التي ترتقي بالإنسان ليسمو بروحه فوق الصراعات الضيقة والحروب والعنصرية والتعصب والفكر الهدّام. الفن يحث على التطوير والبناء والابتكار وجعل الحياة أجمل، يدفع الناس من مختلف الأعمار لاكتشاف مواهبهم. «ألواني»، دعوة للهدوء، واستراحة فنية تهذّب النفس والروح. مارلين سلومmarlynsalloum@gmail.com
مشاركة :