سليمان البسام، مخرج ومؤلف مسرحي كويتي عالمي، قدم عديداً من الأعمال الناجحة على كبرى المسارح العالمية في أمريكا ولندن وفرنسا، ونشرت أعماله بعدة لغات وشكل إنتاجه المسرحي جزءاً من المناهج في الدراسات العليا بأمريكا وبلدان الشرق الأوسط. مشواره حافل بالنجاحات والمواقف والأحداث، التقيناه لنتعرف إلى رحلة العمل والحياة: النشأة ومحطاتها r ماذا عن النشأة وتأثيرها على حياتك ومحطاتها المختلفة؟ - ترعرعت في منطقة السالمية في فترة السبعينيات من القرن الماضي وعشت طفولتي في بيت عربي قديم، كان بيت جدي محمد البسام وتربيت في منطقة مختلطة جداً من حيث العائلات التي تقطنها، من عائلات كويتية وعائلات من الأخوة العرب من كل أقطار العالم من عراقين ولبنانين وسورين ومصرين وما إلى ذلك. هذه المرحلة مع أني كنت صغيراً، كان لها الأثر في محبتي واندهاشي أمام سعة وآفاق الحضارة العربية بعيداً عن الاستفزاز الآيديولوجي.. وبشكل بسيط وطفولي وطبيعي جداً. كما قضيت فترات طويلة في شمال بريطانيا في الصيف بحكم والدتي من شمال بريطانيا، فكان لذلك الأثر في محبتي للغة الإنجليزية، وأعتقد أن هذه عناصر مهمة للبيئة والنشأة الأولى في حياة الإنسان. أفخر بانتمائي للجزيرة العربية وبأني من قبيلة بني تميم، فالأصول العائلية والامتداد العائلي من أجمل الأشياء التي أراها. وأجمل شيء في التاريخ هو التنوع، لذا كثيراً ما يستدعى الجانب القبلي والأسري بمفهوم المنظومة الموحدة لكن بالواقع عندما ننظر بتفاصيل القبائل نكتشف أن تنوع الحياة فيها وخيارات الأفراد بها تشمل جوانب مدهشة ومغايرة شخصياً، إذ نجد بعض القبائل تنتشر في المنطقة كجنوب العراق وفي قلب الشام وعلى خطوط القوافل النجدية وهذا تنوع كبير وإرث جميل في العوائل والقبائل التي سكنت المنطقة التي قامت على الترحال والانفتاح نحو الآخر. r كيف كانت طفولتك وما الذي يميزها؟ - أعتقد أول تجربة للوحدة كانت في الطفولة، فأنا الطفل الوحيد لأبوين وهذا الشعور عودني على الوحدة. كان لدي أبناء عمومة وأصدقاء لكن عندما يكون الشخص وحيداً يعتاد على الملل، ويبحث عن أفكار لابتكار طرق للتسلية الذاتية. انتقلت للدراسة في بريطانيا وعمري 11 سنة، وفي الانتقال للمدرسة ببريطانيا فوجئت بشيء لم يكن عادياً واستغربته، فهناك شعرت بالكويت بلدي خاصة ما يتعلق بالحرية التي كانت أكبر من بريطانيا، فقد كنا نذهب للمدرسة دون التزام بالزي المدرسي وغيرها من الأمور التي تجعلني أقارنها بمدرستي الجديدة في بريطانيا. لقد شعرت في المدرسة الداخلية ببريطانيا كأنني في معسكر، علينا الانضباط بكل شيء والالتزام بالزي الرسمي علينا ممارسة التمارين الرياضة، فكل شيء كان صدمة بالنسبة لي. تعلمت الكثير من التجربة كطفل على صعيد الزملاء والصداقات المبنية على الوفاء في أجواء الغربة المبكرة التي عشتها. دور الأسرة r ماذا عن دور الأسرة في بناء الشخصية والميول والاهتمامات، ما القيم التي تربيت عليها وكان لها أثر ودور في حياتك ونجاحاتك؟ وما الذي اكتسبته من والديك؟ - بالتأكيد هذا الاختلاف بالخلفيات والتطلعات والعادات واللغة التي عشتها في الطفولة كان لها دور كبير في حياة الطفل.. وهو مكان التقاء هذه التجاذبات المختلفة. أهلي تركوا لي حرية القرار في اهتماماتي الفكرية أو الحياتية لدرجة كبيرة وأكن لهم الشكر في هذا الجانب، حيث أعطوا مجالاً لطفلهم ليختبر العالم من حوله، على عكس كثير من أولياء الأمور يمنعون أطفالهم من اكتشاف الحقائق بدافع الخوف عليهم وعلى ذواتهم. أخذت من الوالد العمل الدؤوب فقد كان والدي محباً لعمله ونشيطاً، والمثابرة كان عنصراً مهماً في حياة أبناء جيله وهذا لاحظته في أكثر من شخص من رجال ونساء جيله. أما من الوالدة أخذت الحنان والتعاطف مع الآخرين والانفتاح نحو الغير. r ماذا عن الدراسة في الخارج والغربة، ماذا أضافت لك الغربة؟ - استفدت من المدرسة الداخلية في بريطانيا كثيراً بالاعتماد على النفس والرغبة في التميز على الآخرين بشكل خلاق. هذه المدرسة هي مجتمع مصغر لتعلم الدروس. درست الفلسفة والأدب الإنجليزي في أدنبرة وحصلت على البكالوريوس وفي الفترة نفسها كنت مع فرقة المسرح الجامعي، وحبي للمسرح جعلني أشعر بالملل من الدراسة ولكن أكملت دراستي على مضض. وأكملت دراستي وحصلت على الماجستير من اسكتلندا أيضاً في الفلسفة والأدب الإنجليزي واكتشفت في الجامعة أن الناس من آفاق مختلفة تماماً، فكانت الجامعة تجربة دولية بالنسبة لي، فهناك طلاب من أمريكا الجنوبية ومن أوروبا وجميع الدول. تجربتي بالجامعة كان لها علاقة على الصعيد الإنساني مع الانفتاح على أقطار مختلفة. اكتشفت عالم المسرح عن طريق المسرح الجامعي خلال دراستي البكالوريوس في أدنبرة باسكتلندا، وأدنبرة هي عاصمة المهرجانات الصيفية للمسرح، فكل عام تقام أكبر التجمعات المسرحية. أعتقد أن الحريات المعطاة للفرق المسرحية وارتباطها مع المسرح السنوي أضفى نوعاً من المهنية على المسرح الجامعي، وأعطاني دافعاً مع مجموعة من الأصدقاء الذين كانوا معي للاستمرار في المسرح. كانت تجربة حقيقية بماهية إدارة مسرح، كمبنى وكمنظومة فنية وإدارية، وثم بدأت العمل في لندن مساعد مخرج. r ماذا عن زملاء الدراسة وهل تتواصل معهم؟ - الأزمنة والجغرافيات هي من تباعد بين الناس، أنا من جيل ما قبل الفيسبوك، والسنوات أبعدتنا ولكن نحاول أن نلتقي من وقت لآخر. فرقة مسرحية r أسست أول فرقة مسرحية في 1996(زوام) وكان أعضاؤها من البريطانيين، حدثنا عن ذلك؟ - جاءت فكرة تأسيس أول فرقة مسرحية من وراء تمرد على المسرح اللندني الذي رأيته مقتصراً على اهتماماته البرجوازية، وأيضاً على النظرة الإنجليزية البحتة ومفهوم المسرح الكلاسيكي، إضافة إلى رغبتي الكبيرة في الانطلاق نحو كتابة نصوص وتنفيذها، إلى جانب لقاءات عديدة مع أشخاص ساهموا معي في تأسيس هذه الفرقة وخلق أعمالها الأولى. كان هو توجه مشترك مع الأصدقاء وحمل اسم «زوام» وهي مفردة مأخوذة من ديوان شاعر المستقلين الروسي خالابنكيوف، وهو عالم بالرياضيات وشاعر، ابتدع لغة اسماها «زوام» وهو مسمى يطلق على (اللغة المبتكرة). في بداية تأسيس الفرقة كان الأعضاء بريطانيين وفرنسيين ونرويجيين عملنا معاً نحو انطلاقة مميزة. مسرح سبب r وماذا عن تأسيس «مسرح سبب» وكيف نجحت في ذلك؟ - «مسرح سبب» هي فرقة مسرحية كويتية دولية تأسست عام 2002 وتضم مجموعة من الفنانين والممثلين والتقنيين الكويتيين والعرب والأجانب. جاءت فكرة تأسيس الفرقة من خلال «مسرح زوام»، حيث قمت بأول جولة مع «زوام» لتقديم أول عرض بالكويت وكانت مسرحية (هاملت بالكويت) في 2001، وكان لها صدى كبير رغم محدودية أيام عرضها ضمن فعاليات أيام مهرجان الكويت المسرحي. وبعد أحداث 11 سبتمبر في السنة نفسها كنت في القاهرة تلبية لدعوة المهرجان التجريبي، في هذه الأثناء اكتشفت أن وضع العالم اختلف ومنها اتخذت خطوة إلى الخلف وخطوة إلى الأمام في الوقت نفسه قررت إنشاء فرقة جديدة تُسهم بإنتاج الأعمال باللغة العربية بشكل رئيس وكانت هذه بدايات تأسيس مسرح سبب. من أول الأعمال بالعربية التي قدمناها كان عبارة عن عمل مشترك (كويتي عراقي) بعنوان «ذوبان الجليد». وهو أول عمل يقدم بحضور فنانين من البلدين على ذات خشبة المسرح منذ عقود، وهذا العمل كان بتكليف من لجنة التآخي الكويتية التي تتبع جمعية الخريجين. في «مسرح سبب» عملت مع فرق متعددة الهويات من الفنانين العرب وفنانين من أمريكا وفرنسا وأستراليا. r وكيف تم اختيار الاسم «مسرح سبب»؟ - اختيار «سبب» يعتمد على تشكيلية سبب وله علاقة بفكرتين، فكرة تتعلق بالتحفيز أو بخلق معنى أو سبب لفعل شيء آخر.. المسرح بالنسبة لي هو غاية وليس وسيلة وهو وسيلة وليس غاية في الوقت نفسه. المعنى الأول أن المسرح هو عملية فنية مشتركة ومحصنة في مكوناتها بموجب بساطتها البشرية وهي عناصرها بسيطة تتمثل في (اللغة، الفضاء والزمن) ومن جانب التأثير الفكري أو الفني أو الاجتماعي فهي وسيلة وليس غاية... بأن الفعل المسرحي يكون هو مسبباً لشيء بهذه المعادلة. r اليوم تعمل بين الكويت وباريس ولندن ونيويورك وتقدم عروضاً متنوعة، ما الصعوبات التي تعيشها؟ - هذا الشكل من الفرق المسرحية بطبيعة حاله يثير غضب وحفيظة الإدارات الثقافية أو القائمين على المشاريع الثقافية على صعيد الحكومة خاصة في الدول العربية سواء كان الأمر مرتبطاً بالرقابة أو بشكل من التهميش أو بشكل أو آخر بوضع العراقيل... كل هذه الألوان من التخوف تجاه مشروع المسرح كانت صعوبات عشتها وجربتها وفي الوقت نفسه رأيت الكثير من التشجيع والعون والشجاعة وتحديداً من قبل أشخاص من داخل المجتمع الكويتي. إن «مسرح سبب» شكل من أشكال طموحي المسرحي وأيضاً هو مشروع مستقبلي، ولا يخضع لأي ضغوط آيديولوجية أو توجيه من أي شخص.. هو جزء مصغر من طموحي الأكبر للحراك المسرحي سواء كان ذلك في تشييد فرقة وطنية كويتية أو فرقة عربية أو خلق أعمال ذات أبعاد موسمية وليس بضعة ليالٍ هنا وهناك، أو خلق مناضرة لتكون بمثابة جسور بين الثقافة العربية المعاصرة والغرب أو شرق آسيا وغيرها من الدول. حققت العالمية r أعمالك تعرض على مسارح لندن وعلى مسارح عالمية وبمشاركة ممثلين أجانب، كيف حققت العالمية ولا سيما أنه نادراً ما يصل عربي لذلك؟ - هناك عدة عوامل أوصلتني للعالمية جزء منها له علاقة بقيمة الطرح الفني والابتكار الذي نقدمه، وجزء له علاقة بالحظ والفرصة المناسبة، وجزء يتعلق بإصراري وإيماني بأفكاري وبأن تأسيس فرقة مسرحية هو عمل جماعي وليس فردياً. في أول 10 سنوات كان التركيز على العناصر المختلفة في «فرقة سبب» وما الذي يمكن تقديمه على صعيد الفكر الفني وعلى الصعيد الإنتاجي، كذلك كان هناك عنصر آخر وهو أن الأعمال الثلاثة الرئيسة (الشكسبيرية العربية) لاقت نجاحاً كبيراً من حيث المشاركات والإنتاج العربي وهذا أيضاً سبب انتشار هذه الأعمال. r وهل هناك جديد قادم يضاف لمسيرتك العالمية؟ - حالياً أنا في مرحلة إعادة تجديد المركبة المسرحية من خلال أعمال جديدة. من هذه الأعمال مسرحية «محطة الوقود» من تأليفي وإخراجي وستعرض ضمن فعاليات مهرجان مسارح العالم الذي يقيمه مركز كينيدي سنتر بالعاصمة الأمريكية واشنطن في مارس القادم على خشبة مسرح إيزنهاور. يشكل مشروع «محطة الوقود» نقلة نوعية في شكل التعاطي بالحيز المكاني والزماني ومع اللحظة المعاصرة باستخدام محطة وقود مهجورة كمساحة شعرية لاستكشاف المظالم والتطلعات في منطقة الخليج العربي، ويتناول العمل إشكاليات الهوية والولاء والخيانة والحب والطموح. سوف يقدم العمل بالإنجليزية مع ممثلين أمريكيين محترفين، والعمل يتم بإنتاج مشترك بين مركز كينيدي سنتر و«مسرح سبب». r شاركت في عديد من المهرجانات العالمية، حدثنا عن هذه المشاركات؟ - هناك مهرجانات امتداد ل «بقالات»، ووزارات الثقافة عندما تتحول لبقالات فهي خدمات متبادلة، وهذا الأمر يشوب كثير من المهرجانات العربية. أما مهرجانات الدول الأخرى فهي مهرجانات بكل ما تعني الكلمة، حيث يدعى لها فنانون من الخارج وتعرض أعمال قيمة، وتصرف عليها بشكل يعكس القيمة الفنية للبلد.. فهناك فارق كبير بين ما نقيمه من مهرجانات وبين مهرجاناتهم. لذا لا أشارك إلا بالمهرجانات التي تغنيني وتضيف لي جديداً وتستقبلني وتستقبل فرقتي المسرحية بكل تقدير وقيمة. مزيج من المصادر المختلفة r من أين تستمد أفكار أعمالك، ولا سيما أنها مميزة بعناوينها ومضامينها؟ وهل من طقوس خاصة قبل البدء في الكتابة؟ - الأفكار هي مزيج من المصادر المختلفة منها الحديثة، التاريخية أو الأدبية، الشعرية والحسية، هذه حلبة التكوين أو مختبر التكوين بالنسبة للنص. العمل يعني فضاء مفتوحاً على عناصر كثيرة منها الأسطورة والحدث الآني والنص الشعري وغيرها. أما أهم طقوس الكتابة الانفراد، فأنا أفضل الصمت وعدم الإزعاج. r كتبت عديداً من المسرحيات، ما أقرب واحدة إلى نفسك؟ - من الصعب تحديد عمل دون آخر؛ لأن لكل نص أو مشروع لحظة الولادة أو لحظة إشعال الفكرة وتطويرها وتغييرها ومزجها. r ترجمت بعض أعمالك إلى الإنجليزية والفرنسية، هل الترجمة تؤثر في قيمة النص وفكرته الأساسية؟ - غالباً الترجمة تثري النصوص خاصة عندما تكون الترجمة صائبة، وأنا من أتباع فكر والتر بنيامين، المفكر الألماني الذي يرى في ترجمة الشعر امتداداً له، لذا فإن الترجمة الصائبة يمكن أن تضيف إلى العمل آفاقاً آخرى من خلال نسج اللغة الآخرى وتداعياتها. r حصلت على عديد من الجوائز ماذا عنها وماذا تعني لك؟ - أرى في عرض الأعمال في بعض المسارح الدولية جائزة قيمة وكبيرة سواء في البروكلين أكاديمي نيويورك أو في الملكية الشكسبيرية أو على المسرح الوطني الفرنسي، فهذه بحد ذاتها تكريم للفنان والمؤلف والمخرج، وهذا لا يعني أني لا أقدر الجوائز العربية، فقد حصلت في 2002 جائزة مهرجان القاهرة عن «مؤتمر هاملت» التي قدمتها مع فرقتي زوام البريطانية فكان حدثاً مهماً ومشاكساً بالنسبة للمسرح العربي. r لا بد أنك عاصرت شخصيات كبيرة ومعروفة، من الشخصية التي أثرت في مشوارك واستفدت من خبرتها؟ - الفنان العراقي عوني كرومي، كان بالنسبة ليّ رفيقاً وأستاذاً وصديقاً وزميلاً، تعلمت منه الكثير. كان باحثاً درامياً ومؤرخاً ومخرجاً عرفته كقارئ لتاريخ النصوص ودلالاتها على مدى القرون واستمددت من تجربته الكبيرة والمختلفة ما بين العراق وفي شتات المنفى. r الحياة ملأى بالمواقف والأحداث سواء كانت سعيدة أو حزينة.. ماذا عن المواقف التي ما زالت تحتفظ بها الذاكرة؟ - في كل يوم هناك الكثير من الأحداث، ومن بينها بدايات الربيع العربي، حيث تحركت شعوب المنطقة من تونس للقاهرة وسورية.. شعرت بتلك اللحظة بسعادة كبيرة وسرعان ما اختطفت هذه السعادة. هذه تجربة ليست على الصعيد الشخصي ولكن لها تأثيرات كثيرة على الجانب الشخصي تتمثل في الانقطاع عن فنانين وزملاء، والتفكير بمصائرهم وحياتهم، وصولًا إلى شكل المنطقة ككل وواقعها. اليوم قد يكون الوضع أفجع مما كان عليه في بدايات الربيع العربي، فهذا نوع من التضاد الحياتي والفكري، حيث نعيش كعرب معاً ولكن حائرون. رسالة لنقل الواقع r حقب تاريخية وأحداث لا بد مرت وعايشتها ولا سيما أن أعمالك بمثابة رسالة لنقل الواقع في المجتمعات والدول، ماذا عن هذه الفترات ومدى تأثيرها على كتاباتك؟ - أخطر التطورات على المنطقة خلال السنوات الماضية هو الاحتقان المذهبي والتفرقة والممارسات التأجيجية من أطراف مختلفة حول هذا الخطر المذهبي، ولعل هذه الحالة التأجيجية التي نعيشها هي بمثابة ناقوس الخطر بالنسبة لمنطقتنا. وما يزيد الأمر خطورة أننا لا نرى أفقاً واضح الملامح للخروج من هذه الدوامة. ولا أعتقد التطورات الدولية مع شعبويين مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو أوتوقراط مثل الرئيس الروسي بوتين لا تجدي بالحلول. واقعنا الثقافي r كيف ترى واقعنا الثقافي والفني اليوم في ظل الأحداث التي تعيشها المنطقة؟ - أراه مشتتاً في ظل اكتساح أدوات العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي للعالم، والتي جلبت لنا بشكل غير مسبوق تأثير الثقافة الأجنبية على المنطقة العربية. وبالمقابل أرى هناك تشدداً خطيراً على صعيد المحافظة على العادات والتقاليد، ولكن في الوقت نفسه هناك مبادرات مهمة تمت في منطقة الخليج منها «مركز عبد العزيز الثقافي» بالدمام وعلى غرارها المراكز الثقافية التي أسست في الكويت وأبو ظبي وقطر وعُمان.. هذه المباني شيدت وبتشييدها كان هناك فرح كبير وسؤال مهم وجذري: في ظل وجود صناعة ثقافة جديدة في هذه الدول وغيرها من الدول العربية، هل ستكون قادرة على مواكبة التحديات الحالية؟. نوعان من النقاد r حدثنا عن علاقتك مع الصحافة والنقد؟ وكيف ترى الصحافة اليوم؟ - علاقتي بالصحافة جيدة جداً، أما بالنسبة للنقد، فهناك نوعان من النقاد، منهم أسماء مهمة بالعالم العربي مثل بيير أبي صعب وبول شاؤول وإسكندر حبش، وفئة أعتبرها أقلاماً غير مثقفة، قد يفهمون بالمسرح التجاري ولكن لا علاقة لهم بالمسرح الأكاديمي. بشكل عام أستمع للنقد طالما فيه مضمون. r ما الذي يقلقك اليوم؟ - يقلقني العدد المتزايد في كوادر الشباب مقابل عدم إمكانية دولهم في خلق المجالات النافعة لهم ولاهتماماتهم ومهاراتهم وطاقاتهم خاصة في مجال الاقتصاد الثقافي الذي أراه جلياً وواضحاً. وأخشى ما أخشاه أن هؤلاء الشباب رغم الحاجة الماسة لدولهم قد يحبطون ويذهبون لآفاق أخرى. r هل الدموع ضعف للرجل؟ ومتى تذرف الدمع؟ - الدموع ليست ضعفاً بالنسبة ليَ واعتبرها نوعاً من التعبير. وقد ذرفت الدمع عندما تعرض ابني إسكندر لحادث في دراجته النارية وسقط منها. خالية من الناس r اليوم بعد رحلة طويلة وناجحة أين تجد راحتك؟ - على جزيرة فيلكا فهي خالية من الناس وحاضنة لمجموعة من الأفكار والمشاريع والآمال. «فيلكا» هي جزيرة تتمثل بالهدوء وبالبعد التاريخي والحضاري العظيم، لذا اتطلع لتأسيس وتطوير مشروع «فكر» FIKAR على الجزيرة لتحويلها لجزيرة ثقافية تهتم بالفلسفات الدولية والعالمية والتأثير الحضاري، وسيكون ذلك من أكثر الأمور سعادة لي. r حدثنا عن هذا المشروع بشكل أوسع؟ - «فكر» FIKAR هو مركز فني يستهدف تطوير اقتصاد المعرفة بين الكويت والعالم، ليشكل مساحة فريدة من نوعها تعزز التواصل عبر الأبحاث المتخصصة والممارسة الفنية من خلال الجمع بين الفنانين والمؤدين والعلماء والمفكرين ذوي الشهرة الواسعة وكذلك أمثالهم من الكوادر المحلية والعربية والدولية. مهمة «فكر» هي دعم الخلق والاستكشاف في مجال الفنون وخاصة المشاريع متعددة التخصصات التي تجمع بين الفنون والعلوم والتكنولوجيا الإنسانية وتترك أثراً في المجتمعات المحلية والعالمية. اختيار جزيرة «فيلكا» لتكون المقر الرئيس لمشروع «فكر» جاء على أساس هدوء وجمال فيلكا وهي الجزيرة القديمة التي تشكل المهد العريق للثقافة العالمية ليكون مركزاً يحتوي على مكتبة وقاعة تستقبل 150 شخصاً ومختبر لأفلام الفيديو والسينما وعديد من استديوهات العمل والاستراحات. هناك عديد من الأنشطة والفعاليات التي سيقيمها «فكر» بالتعاون مع عدة جهات من بنيها دار الآثار الإسلامية والمراكز الثقافية، والمركز سيستقبل المشاركين من الكويت ودول الخليج والمحيط العربي والدولي والعالمي. ولتعزيز عمق ونطاق عمل «فكر» تجمعنا شراكة مع إحدى أعرق المؤسسات الرائدة في العالم بقطاعات المعرفة الشخصية «كلية غالاتين للدراسات الفردية في جامعة نيويورك بالولايات المتحدة». فكر هو احتفاء بالمعرفة وتاريخ الحضارات والفنون، وهذا ما أتطلع لتنفيذه. حالياً في طور البحث للتعاقد مع إحدى كليات الدراسات الفردية في جامعة نيويورك العريقة لتأسيس مركز «فكر» وهي حامل للكثير من تطلعاتي على صعيد الفكري والفني بالسنبة لربط جسور المعرفة بين الشمال الخليجي والعالمي. الهوايات r ماذا عن الهوايات في وقت الفراغ؟ - أهتم كثيراً بالجانب التعليمي وتعليم النشء وأقرأ كثيراً في هذا الجزء. أما هواياتي السباحة والتنس واحب البحر. كما أني محب للزراعة وأمارسها كهواية على أيدي أصدقائي المستشارين الزراعين. وحالياً أنا في طور زراعة بستان في جزيرة فيلكا، يحتوي نباتات وأشجاراً متنوعة ليكون بمثابة غابة مصغرة. r ماذا عن رفيقة الدرب والأبناء؟ وما الذي زرعته في أبنائك؟ - كل الامتنان لأم أبنائي، هي امرأة فاضلة إنجليزية الأصل. لدي اثنان من الأبناء إسكندر ونور وكلاهما طالب في المدرسة. ابني إسكندر يحب البحر وكرة القدم، أما نور تحب الرسم واللغات.
مشاركة :