انتشرت في الآونة الأخيرة ما يعرف بالديوانيات النسائية وهي عبارة عن استراحة يكون الدخول إليها بمبلغ مالي بسيط بحدود 10 ريالات للشخص الواحد كبيراً أم صغيراً، كما أن هناك سعراً آخر للمشاركات في البازار. وبإمكان أي سيدة أن تدفع رسم الدخول وتدخل حتى وإن كانت لا تعرف أحداً من الحاضرات، فهناك يمكنها تناول القهوة والشاي وتبادل الأحاديث مع الحاضرات والتسوق من البازار الذي يقام كل أسبوع وتجد هذه الديوانيات إقبالاً من السيدات خاصة الكبيرات؛ وذلك لقضاء وقت ممتع والالتقاء بنسوة ربما يتشاركن كثيراً من الهموم والتفاصيل.. لكن هل يمكن أن نستشف من هذا الإقبال أن هؤلاء السيدات يعانين من الوحدة والإهمال؟ في البداية تتحدث أم سند صاحبة ديوانية بقولها: الحقيقة أن الديوانيات النسائية أصبحت تلبي حاجة النساء في سن معينة؛ وأعني بذلك من كبر أولادها وقلت مسؤولياتها فهي تشعر بفراغ وملل بسبب بقائها في البيت بمفردها أو هي وزوجها فقط بسبب انشغال الأولاد والبنات بشؤون حياتهم لذلك فهي تجد في هذه الديوانيات ما يدخل السرور على نفسها ويطرد الملل من حياتها؛ فهنا تلتقي بعدد من النساء اللاتي يشاركنها الكثير من الأمور ويتبادلن الأحاديث ويسترجعن الذكريات الجميلة. أم عبدالله إحدى مرتادات هذه الديوانيات تشاركنا الحديث قائلة: عرفت عن هذه الديوانيات من قريبتي التي اعتادت الذهاب إلى الديوانية بشكل أسبوعي، فقد دعتني لمرافقتها، وبصراحة لم أكن أتخيل الجو العام ولكنني وجدته مريحاً وهادئاً نوعاً ما بعيداً عن ضجيج الأطفال، كما توجد بازارات أسبوعية لبيع الأطعمة والملابس وغيرها، كما أن رسوم الدخول لهذه الدواوين مبلغ بسيط وغير مرهق، ما يجعلها خيار الكثيرات لقضاء بعض الوقت والأنس بصحبة بعض السيدات وإن كانت المعرفة لم تنشأ إلا هنا ثم تحولت إلى صداقة ومحبة تربط بينهن، الله يجزي القائمات عليها بكل خير.. أم فهد من جانبها ترى أن سبب وجود هذه الديوانيات ورواجها يعود إلى قلة التواصل الاجتماعي بين الأهل والأقارب؛ فأنا مثلاً أشعر بالملل من كثرة وجودي لوحدي مع الخادمة في المنزل ومع ذلك فأنا لا أستطيع أن أزور قريبتي أو حتى جارتي بسبب تعقيدات هذا الوقت كما تعرفين؛ لذلك آتي إلى هنا لأقضي بعض الوقت مع نساء في مثل سني، كما أنني أذهب في بعض الأحيان إلى ديوانية أخرى لرؤية بعض ممن تعرفت عليهن ولا يأتين إلى هنا، وتضيف أرى أن هذه الديوانيات فكت أزمة الكثير من السيدات وأصبحت تمثل لهن متنفساً وتغييراً عن جو البيت والوحدة القاتلة. وتضيف: أمهاتنا لم يشعرن يومًا بالفراغ أو الإهمال فقد كن هن نور البيت وبركته، ولكن في وقتنا الحالي أصبحت الأم حملاً ثقيلاً على من حولها لذلك أصبح كثير من الأمهات يفضلن البقاء في بيوتهن وحيدات على أن يسمعن كلمة تسيء لهن أو تجرح قلوبهن.. الشاب محمد عبدالله يرى أن وجود هذه الديوانيات أصبح شيئاً مهماً على حد قوله؛ فهي تلبي بالفعل حاجة الكثير من النساء وأعني بذلك الكبيرات على وجه الخصوص فهن لا يجدن راحتهن في الكفيهات أو المطاعم التي أصبحت التي أصبحت وجهة لكثير من الفتيات والسيدات لذلك فهذه الديوانيات مكان مناسب وقريب من الأحياء يجدن فيه مجلساً لتبادل الأحاديث والذكريات بعيداً عن ضجيج الأماكن العامة التي قد يجدن صعوبة في التأقلم معها. ويضيف محمد: أنا أحضر أمي إلى هذه الديوانية مرتين في الأسبوع وأرى انعكاس هذه الزيارة على محياها حين تعود، حيث تكون سعيدة ولديها الكثير من الأحاديث التي ترويها لي وربما التقت كذلك ببعض الصديقات القديمات اللاتي فرقت بينهن ظروف الحياة كما حصل مع والدتي ذات يوم حين التقت بجارتها قبل عشرين عاماً في هذه الديوانية ثم أصبحن يجتمعن كل أسبوع.. فكرة النشأة أم فواز صاحبة ديوانية تحدثنا عن نشأت الفكرة وما الهدف من هذه الديوانية بالنسبة لها كصاحبة ديوانية بقولها: جاءت الفكرة عندما ذهبت مع أختي إلى ديوانية إحدى جاراتها، وبما أن زوجي لديه استراحة فقد طلبت منه أن يخصص لي أحد أيام الأسبوع التي لا تحظى بالإقبال وأخبرته بأنني أريد استثمارها في هذا اليوم من كل أسبوع، فوافق رغم استغرابه كيف أنني أريد الاستثمار من خلال اختيار الأيام الميتة بحسب تعبيره، ولكنه غير رأيه حين بدأت بتنفيذ الفكرة. الديوانية تعني لي دخل شهري شبه ثابت يزيد عن 2000 ريال كما أنني تعرفت على الكثير من السيدات وكونت صداقات معهن وهذا مكسب آخر لي. وحول ماذا كان هناك منافسة بين صاحبات هذه الديوانيات تقول نعم هناك تنافس بيننا فكل واحدة تريد جذب الضيوف أو الزباين وذلك من خلال إيجاد مسابقات وسحوبات على مبالغ مالية وكروت شحن الجوال وذلك لترغيب الضيفات بتكرار الزيارة ثانية. مجالس النميمة أم سامي تحدثت عن هذه الديوانيات بقولها: أذهب إلى كم ديوانية خلال بداية الأسبوع لأنني أقضي غالب وقتي لوحدي فبناتي متزوجات ولا يأتين إلي إلا نهاية الأسبوع، وابني يسكن خارج الرياض فكنت أشعر بالوحدة القاتله لكن الحقيقة أن هذه الديوانيات توسع الصدر وتعطينا صداقات وعلاقات جديدة وهذا الشيء جعلني أكثر حماساً وحيوية أكثر من قبل. ولكن هناك ملاحظة وأتمنى ألا تنتشر أكثر وهي أن البعض اتخذ من الديوانيات مجالس للغيبة والنميمة وهذا شيء غير مريح وربما يجعل البعض ينصرف عن الحضور؛ لذلك على صاحبة الديوانية تذكير الحاضرات بعظم هذا الذنب، أما غير ذلك فكل شيء تمام، كما أنني أتسوق من هناك فأغلب الأيام يكون هناك بازار لبيع الملابس والمأكولات والأواني يعني على قول المثل حج وحاج. رأي مختص المستشار النفسي والأسري دكتورة سحر رجب تشاركنا الرأي حول هذا الموضوع بقولها: بالفعل لقد انتشرت مثل هذه الديوانيات النسائية وهي مجهودات جماعية بحد ذاتها، كما يقال فيد واستفيد، ومن هذا المنظور انتشرت التجمعات تحت مسمى الديوانيات، فهناك الكثير من الكبيرات في السن والمتقاعدات لا عمل لهن الآن فالتجمع بات مثيراً لوجودهن، فالسيدات الكبيرات انتهت تقريباً مسؤولياتهن الاجتماعية والعملية فأصبحن يشاركن في التجمعات للترفيه والحديث من هنا وهناك وأصبحن يجدن سلوتهن بين الحاضرات، فللأسف الشديد باتت كل أسرة صغيرة تنفرد بذويها في الخروج ونسوا أن هناك آباء وأمهات بانتظارهم على أحر من الجمر. ويرغبن في التجمع والحديث والضحكات والضوضاء من الأحفاد والحفيدات. وعندما افتقدن للحب والاهتمام وربما تسرب إليهن شعور بأنهن أصبحن شيئاً ثانوياً في حياة أبنائهن وبناتهن ومن هنا بدأن بالبحث عن سلوتهن وتمضية وقتهن الممل في التجمعات البريئة وإطلاق الضحكات، حتى جمعية المتقاعدات ليس لها نفس طويل أو أي دور يذكر في هذا الجانب. فآثرن هؤلاء السيدات التجمعات مع الصديقات وكل صديقة تجلب لها أخرى ويبدأن بالأحاديث والثرثرة. ويستفدن من التبضبع من ذات المكان. لا ألومهن صدقاً فهذا بات هو المخرج الوحيد لهن، علينا أيضاً أن نراعي الحالة النفسية لهن والوحدة التي باتت تطوقهن. فالمخرج من هذا وذاك ميسر وراقٍ ويجمعهن بالصديقات وربما القديمات أيضاً، لكن هذا بكل تأكيد لا يعوضهن عن حب واهتمام أبنائهن وإنما هي سويعات يروحن بها عن أنفسهن المتعبة والعاتبة على زمن جعلهن يعشن على هامش حياة طالما شهدت كفاحهن وتضحياتهن..
مشاركة :