رسائل من تحت الأنقاض إلى المفاوض السوري بقلم: عديد نصار

  • 3/17/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان من شروط وفدي المعارضة في جنيف وأستانة الالتزام بوقف إطلاق النار، والنظام لم يتوقف عن القتل والدمار ساعة واحدة، لماذا يشاركون في هذه المهازل؟العرب عديد نصار [نُشر في 2017/03/17، العدد: 10574، ص(8)] تصريحات كثيرة أطلقها قادة الامبريالية الروسية منذ تدخلها في سوريا تنم عن عقلية فاشية تستهزئ بالشعوب وبالإنسانية وبحق البشر والبلدان في مجرد الحياة. التدخل الروسي الذي بدأ دبلوماسيا لحماية نظام بشار الأسد على مستوى قرارات مجلس الأمن واستخدام حق النقض مرارا وتكرارا، ثم التدخل العسكري الذي قال فيه المسؤولون الروس إنه لو لم يحصل في حينه لتداعى نظام الأسد خلال أسابيع. وكان أكثر التصريحات فجاجة ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين اعتبر أن مشاركة القوات العسكرية الروسية في سوريا هي “أفضل تدريبات ميدانية لجيشنا”. معبرا عن مدى استهانته بالمدن السورية وأبنائها الذين تجعل منهم قواته مجرد ساحة مستباحة لمناوراتها بالذخيرة الحية والتجارب على الأسلحة الأحدث والأشد فتكا. ولا يتورع مسؤولون عسكريون روس وعلى رأسهم وزير الدفاع من القول إن التدخل العسكري الروسي في سوريا وبهذا الحجم عزز وبشكل كبير جدا سوق الأسلحة الروسية في العالم. ولا عجب، فالأسلحة الروسية في سوريا تستخدم في حقول مفتوحة ومجردة من أي سلاح نوعي يمكن أن يتصدى لها وخصوصا مضادات الطائرات، ما يجعل الساحة السورية بمدنها وقراها وبشرها حقلا نموذجيا للاستعراض. وماذا تريد أنظمة حكم معادية للشعوب أكثر من ذلك طالما أن حروبها باتت مقتصرة على شعوب شبه عزلاء؟ وفيما تواظب المعارضة السورية على تشكيل الهيئات والوفود والمنصات التفاوضية، متوهمة أن إمبريالية ما ستتخذ يوما ما قرارا بإزاحة الأسد، فتراهن على أميركا تارة، وعلى “حياد” روسي تارة، وربما تعود لتراهن على أميركا دونالد ترامب تارة أخرى، يستمر النظام الأسدي بقضم المدن والمناطق حصارا وتدميرا ومجازر، ثم مصالحات مشروطة باقتلاع أبناء الأرض ورميهم في المجهول. وحيث يلازم الأميركان الغموض المزعوم بعد تسلم دونالد ترامب لمهامه كرئيس للولايات المتحدة، فيما تعلن قوات النظام في منبج وفي سواها عن وضوح لا يخفى على نبيه، تؤكد الامبريالية الروسية كل يوم على موقفها المعادي، ليس فقط لكل أهداف الثورة، بل حتى لجميع ما تحدده وفود المعارضة من أهداف لعملية التفاوض نفسها. الأهداف التي أخذت تتقلص شيئا فشيئا منـذ أن قبلت برعـاية الاحتلال الروسي لعملية التسوية، بينما يؤدي “الرعاة” العسكريون الروس على الأرض المطلوب منهم تجاه أبناء المناطق المحاصرة ولجانها المحلية، بعد عمليات القصف الممنهجة التي يشارك فيها الطيران الروسي، أنه ما لم تخضعوا “للمصالحات” التي تقضي بإخلاء المنطقة فإننا سندمرها فوق رؤوس الجميع. كل هذا يدور فيما وفود هيئات التفاوض تستعيد للقاءات أستانة أو جنيف، أو تشارك فعليا في جلسات التفاوض هنا أو هناك. باتت الرعاية الروسية لوقف إطلاق النار مثار سخرية السوريين الذين لا يزالون تحت القصف اليومي بمختلف الأسلحة الروسية التي يستخدمها النظام وكذلك القوات الروسية والميليشيات التابعة للنظام الإيراني، ما جعل الكاتب رياض جبر يقول “إذا كان من شروط وفدي المعارضة في جنيف وأستانة الالتزام بوقف إطلاق النار، والنظام لم يتوقف عن القتل والدمار ساعة واحدة، لماذا تشاركون في هذه المهازل؟”.ألم يتبين بعد للمفاوض السوري طبيعة الموقف التركي منذ حلب؟ ألم يتبين بعد طبيعة الرعاية الروسية لوقف النار منذ وادي بردى وصولا إلى حي الوعر؟ ألم يتلمس (الغموض) الأميركي الصارخ في منبج؟ يطلق رأس النظام الأسدي موقفا واضحا وصريحا يحسم الموقف حين قال في لقائه مع وفد إعلامي صيني “في الواقع إذا أردت أن تتحدث عن الحل السياسي الحقيقي منذ بداية الأزمة ومنذ بداية الحرب على سوريا، حتى هذه اللحظة، فإن الحل الوحيد تمثل في تلك المصالحات بين الحكومة ومختلف المسلحين في سوريا الذين انضم العديد منهم إلى الحكومة وهم يقاتلون معها الآن، والبعض الآخـر سلم أسلحته وعاد إلى حياته الطبيعية”. وهذا يعني أن لا حل سياسيا سوى استسلام المناطق المحاصرة، بينما العودة إلى الحياة الطبيعية فكان طريقها الوحيد، الباصات الخضراء، التي تستخـدم في تهجير أبنـاء الأرض واقتـلاعهم. لقد كانت مقاطعة وفد المعارضة المسلحة لمؤتمر أستانة في محلها، لولا أن بعض المشككين ممن لم تعد المفاوضات مع النظام تعني لهم سوى المـزيد من التسويف والتورية على ما يجري على الأرض السورية، والذي لا يمت بصلة إلى ما يتم التصريح به في ردهات أستانة أو جنيف وخصوصا أمام وسائل الإعلام، هؤلاء المشككون يردون تلك المقاطعة إلى موقف تركي بالأساس ينحصر في التعارض بين روسيا وتركيا حول منبج تحديدا. قلنا ونكرر، لا تبيعوا الوهم للسوريين. السوريون باتوا يدركون ما يدور حولهم تماما. وها هم يخاطبون وفود المعارضة التفاوضية من حي الوعر المحاصر عبر رسالة الكاتب عبدالباسط فهد: “رسالة إلى معارضة لا تقرأ ولا تصل بالبريد؛ أيها المعارض في متاهات العواصم: نحن نكتب رسائلنا من بين الأنقاض، ومع أصوات القذائف، وهدير الطائرات. قد لا يكون لدينا ما يكفي من طعام لهذا اليوم ولا نُقُود نشتري بها طعاما من الباعة، هذا إن كان لدى الباعة ما يبيعونه. ونحن ليس لدينا ثلاجات نخزّن فيها الأطعمة في مواسمها لوقت الحاجة. كما أننا دائما في حالة تعب من اجتهادنا في تجهيز القبور وحفر الاحتياطي منها. ونتابع في الصباح غرس الأزهار وشتول الخضار لنؤمن كفاف يوم. لعلمك ما أنصف الدهر بيننا”. ألم يتبين بعد للمفاوض السوري طبيعة الموقف التركي منذ حلب؟ ألم يتبين بعد طبيعة الرعاية الروسية لوقف النار منذ وادي بردى وصولا إلى حي الوعر؟ ألم يتلمس “الغموض” الأميركي الصارخ في منبج؟ وهل أدمن المفاوض السوري التفاوض الذي لا ينتهي مع الأعداء وبرعاية الأعداء كما أدمنها المفاوض الفلسطيني؟ كاتب لبنانيعديد نصار

مشاركة :