كيف يحقّق بوتين أحلامه في الشرق الأوسط باستمرار الفوضى في ليبيا؟

  • 3/17/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

تندرج ليبيا ضمن المخطط الروسي العام الذي يسعى من خلاله بوتين إلى تعزيز نفوذ بلاده في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تعدّ ليبيا البلد الجديد الذي يمكن أن تلعب فيه روسيا دور "صانعة السلام". ولكن، على عكس الوضع في سوريا، فموسكو تقف إلى جانب الجهة المسلحة وغير الشرعية في ليبيا وتدعم حليفها حفتر. ويبدو أن التدخل الروسي في الشؤون الداخلية الليبية أصبح جليّاً على الصعيديْن العسكري والسياسي، كما أن تدخّلها داخل الأراضي الليبية أصبح أكثر وضوحاً. في المقابل، مازالت الأهداف والطموحات الروسية المُراد التوصل إليها غامضة نوعاً ما، إذ لا يمكن لأي طرف توقع الأهداف التي يسعى فلاديمير بوتين إلى بلوغها. في الواقع، لا تقتصر نوايا السلطات الروسية من التدخل في الشؤون الداخلية الليبية التي مزقتها الحرب التي تلت ثورات "الربيع العربي"، على الزيارات الدبلوماسية المنظمة والمتبادلة بين ليبيا وروسيا، وإنما وصلت إلى الخطط العسكرية الدقيقة. ولعل تواجد القوات العسكرية الروسية في مدينة سيدي براني المصرية على بعد 100 كيلومتر من الحدود الليبية أكبر دليل على ذلك.زيارات حفتر لروسيا وفي هذا السياق، يذكر أن خليفة حفتر زار عدّة مرات العاصمة الروسية موسكو خلال السنة الماضية، حيث التقى بأمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف وبوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وطلب دعماً عسكرياً من روسيا، يتمثل في تطوير الترسانة العسكرية وإرسال الخبراء العسكريين الروس الذين من شأنهم أن يساعدوا أفراد جيش حفتر. وعلى الرغم من الاتهامات الدولية والمصادر الإعلامية الرسمية التي أكدت تواجد القوات الروسية على الأراضي المصرية، نفت مصر تواجد أية قوات روسية خاصة على أراضيها. في المقابل، أكد المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، بشكل غير مباشر أن لروسيا مصالح خاصة في ليبيا. أما خليفة حفتر، فقد أشاد في أكثر من مناسبة بجهود روسيا في مكافحة الإرهاب ومحاولة الحفاظ على استقرار ليبيا. ووفقاً للخبير الدولي في المجال العسكري، فلاديمير فرولوف، فإن روسيا تسعى لتحقيق 3 أهداف رئيسية داخل الأراضي الليبية. أولاً، مواصلة إحياء مكانتها كقوة عالمية فاعلة، إذ يشمل ذلك محاولة الحد من نفوذ الولايات المتحدة الأميركية على الصعيد العسكري والسياسي. ثانياً، مقاومة ثورات "الربيع العربي" حيث أن روسيا لا تعتبر هذه الثورات، ثورات عفويّة اندلعت بهدف التخلص من الأنظمة الاستبدادية وإنما تعتبر أنها انتفاضات مدعومة من الغرب حتى يتمكّن من تعزيز نفوذه داخل هذه البلدان. أما الهدف الثالث فيتمثّل في محاولة استعادة شبكة الدول العميلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخاصة تلك التي كانت تجمعها علاقات وطيدة بروسيا قبل سقوط الاتحاد السوفياتي. كما أن خليفة حفتر شخصية مثيرة للجدل، إذ كان من حلفاء الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، ثم تحول إلى أحد ألدّ أعدائه مما دفعه إلى الفرار إلى الولايات المتحدة الأميركية والتخطيط للإطاحة بالقذافي. كما قضى العديد من السنوات في الولايات المتحدة الأميركية، إذ مُنع من دخول ليبيا طيلة فترة حكم الزعيم المخلوع. وبالتالي، يعدّ خليفة حفتر من الشخصيات التي لا يمكن الوثوق بها، مما يفضي إلى القول أنه على الرغم من التقارب الظاهر بينه وبين روسيا، إلا أنه من المؤكد أن روسيا تتعامل معه بحذر وتحاول من خلاله تحقيق مصالحها، خاصة وأن خليفة حفتر لا يتمتع بأية شرعية قانونية أمام الدول الغربية وأمام حكومة الوفاق الوطني الليبية. علاوة على ذلك، تصر روسيا على أهمية الحوار بين جميع الأطراف المتنازعة في ليبيا، وتدعو إلى مشاركة جميع الحركات الاجتماعية، والسياسية، والجماعات القبيلة، والأقليات القومية، في الحكومة الليبية. كما لا شك أن هذا الوضع المتأزم في ليبيا من شأنه أن يخدم المصالح الروسية هناك، خاصة وأن فلاديمير بوتين على يقين من استحالة اتفاق هذه الأطراف. على الرغم من افتقاد حفتر للشرعية القانونية إلا أن الدول الغربية "تحسب له حساباً". فبالإضافة إلى تقارير الأمم المتحدة حول جرائم التعذيب التي يقوم بها جيش حفتر، يسيطر الجنرال على الجزء الأكبر من ليبيا فضلاً عن معظم الأراضي التي يسيطر عليها في شمال شرق البلاد، وهي المناطق الغنية بآبار النفط. وطالما أنه قادر على الحفاظ على هذه المناطق، فهو يعدّ الطرف الأقوى. وفي الفترة الأخيرة تمكنت بعض الجماعات المسلحة من السيطرة على ميناء النفط رأس لانوف ووفاق سدر وانتزاعها من حفتر، إلا أنه سرعان ما تمكن من استعادتها بمساعدة القوات العسكرية الروسية رغم إنكار الطرفين لذلك. ويعتبر النشاط الروسي المراوغ والخفي في ليبيا عاملاً مهماً لتزويد مخاوف الاتحاد الأوروبي، إذ أن موقع ليبيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط قد يحولها إلى نقطة عبور للاجئين والمهاجرين من بلدان أفريقية عديدة حال احتدام الصراع وتصاعد حالات الفوضى، وهذا من شأنه أن يجدد أزمة الهجرة التي مازالت أوروبا تواجهها إلى حد الآن على إثر الحرب السورية التي لعبت فيها روسيا دوراً حاسماً. لعبة جيوسياسية من جهة أخرى، يقرّ المراقبون العسكريون الروس بأن ليبيا تندرج ضمن لعبة جيوسياسية بالغة الأهمية بالنسبة لكل من روسيا وفلاديمير بوتين خاصة وأن اختراق ليبيا هو عبارة عن بداية سلسلة جديدة من التدخل الروسي. وتجدر الإشارة إلى أن العمليات العسكرية الروسية في الشرق الأوسط، لم تكن لها أهداف مادية. أما ليبيا، فتعد من بين أهم الخيارات المتاحة أمام الجانب الروسي لنشر طائراته. بالإضافة إلى ذلك، تأمل شركة "روسنفت" الروسية في تطوير مصالحها في ليبيا، إذ من المؤكد أن تطوير هذه المشاريع يتوقف على التدخل العسكري والسياسي في ليبيا. وللتمكن من تنفيذ هذه الصفقة، يجب دعم خليفة حفتر حتى يتمكن من بسط سيطرته الكاملة على أهم المناطق الليبية. ومن المؤكد أن السلطات الروسية تفهم حدود قدرات خليفة حفتر العسكرية والسياسية وعجزه عن التمكن من إيجاد حلول سياسية ناجعة مع بقية الأطراف الأخرى. ووفقاً لذلك، يقدم بوتين دعماً عسكرياً هائلاً لحفتر حتى يتمكن من الحفاظ على المناطق التي يسيطر عليها ويحاول التقدم نحو مناطق أخرى. وبالتالي، فإن المناطق التي سيتمكن حفتر من السيطرة عليها، ستكون بالأساس مناطق نفوذ روسية. ووفقاً للخبراء، روسيا تحاول أن تظهر للعالم أنها تفتقد لأية إستراتيجية واضحة المعالم في ليبيا، إلا أنها تعمل على دعم حفتر للسيطرة على كامل الأراضي الليبية. ولتحقيق ذلك، لا ينوي الكرملين البدء بعملية عسكرية واسعة النطاق، وإنما يقتصر تدخله على المشاركة في العمليات الاستفزازية التي تهدف لرفع درجة الصراع وإرساء الفوضى في ليبيا. وبالتالي، من الممكن أن يؤثر ذلك على مصالح دول الاتحاد الأوروبي الواقعة على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط. روسيا تسعى لتفتيت ليبيا ومن جهته، أكد الخبير الدولي السياسي، ألكسندر جولتس، أنه من الصعب أن نفترض أن روسيا تسعى إلى توحيد ليبيا. بل على العكس، لا تسعى موسكو سوى لخلق حالة من الفوضى في الشرق الأوسط تمتد إلى شمال أفريقيا. فهذه الأوضاع من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وتطوير تجارة الأسلحة، والطيران الروسي. علاوة على ذلك، تصر روسيا، من خلال هذا التدخل، على إظهار نفسها كقوة عظمى في أكثر مناطق العالم توتراً. وبالتأكيد لا يمكن مقارنة الحليف الجديد لروسيا خليفة حفتر ببشار الأسد، ففي حين حاولت روسيا في خضم الحرب السورية الحفاظ على النظام الحاكم قائماً، تحاول في الوقت الراهن دعم القوة المسلحة في ليبيا ما يكشف مدى تناقض السياسة الروسية التي لا تعمل إلا على حماية مصالحها التي تتغذى من الفوضى والدماء. بالإضافة إلى ذلك، تعدّ الجهود الروسية الرامية لزعزعة استقرار ليبيا والحفاظ على الأجواء الفوضوية على أراضيها، محاولة جديدة تهدف من خلالها إلى توجيه "صفعة إلى وجه الغرب". "هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Apostrophe الروسية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط ".

مشاركة :