تقديم المترجم: هنا دراسة مشتركة للبروفيسور يورام ميتال والباحث موشيه ألبو نشرت عام 2014، قسم دراسات الشرق الأوسط، جامعة بن غوريون في النقب. وستشكل هذه الدراسة أحد فصول كتاب مترجم بعنوان «الأزهر والسياسة» (تحت الإعداد) أخطط لصدوره في عام 2018 بحول الله: فعلى سبيل المثال، أدت رسالة مفتوحة لطلب تبرعات نشرت في الصحف العربية إلى الحصول على تبرع فوري من السعودية بثلاثة ملايين دولار. وفي الواقع، كان هناك دعم أوسع وأعمق من النظام الملكي السعودي لجامعة الأزهر تحت قيادة محمود. واستثمر الأزهر معظم تلك الأموال في البنية التحتية والقوى العاملة والخدمات اللوجستية والإنشاءات (*). (19) وشعر الشيخ بسعادة خاصة لإنشاء فروع أكاديمية على الحافة المصرية (مثل: أسيوط وطنطا والزقازيق والمنصورة)، وبالارتفاع الضخم في عدد المؤسسات الدينية الأزهرية. فبين عامي 1974 و1975، افتتح محمود 290 مدرسة ابتدائية، و96 مدرسة إعدادية، و96 مدرسة ثانوية، و5 معاهد دينية للبنات. واعتبر محمود هذه الإنجازات كخطوات مهمة لتحقيق برنامجه ورؤيته لأسلمة المجتمع المصري. (20) قانون إصلاح الأزهر يؤدي إلى «نتيجة عكسية» تمثلت في تقوية سلطة الأزهر و«تسييس علمائه»!! لقد وضع الرئيس جمال عبد الناصر أساس إصلاح الأزهر عبر القانون رقم 104 لعام 1961. وكان هدف النظام تشديد قبضته على المجال الديني وتأمين مصادقته على شرعية النظام. وتضمنت خطة عبد الناصر التغييرات التالية: إدخال تخصصات علمانية (أي غير دينية كالطب والهندسة) حديثة في مناهج جامعة الأزهر؛ وإعادة تنظيم الإدارة لإخضاعها للدولة؛ وإنشاء كليات ومؤسسات مهنية جديدة مثل مجمع البحوث الإسلامية. ونجح النظام في تحويل الأزهر إلى جامعة حكومية تشمل أقساما أكاديمية غير دينية؛ ولكن أدت تلك التغييرات إلى نتائج غير مقصودة لصالح علماء الأزهر. (21) فقد كان الهدف المعلن للقانون 104 هو إدماج العلماء في الطبقات الحديثة والعصرية للمجتمع؛ ولكن النتيجة الأكثر أهمية وانتشارا لإصلاح عبد الناصر كانت تقوية الأزهر و«تسييس العلماء». (22) وعلى المدى الطويل، كان أثر هذا الإصلاح على المجتمع المصري هائلاً؛ فقد أدت تلك التغييرات إلى فتح بوابات الأزهر لتستوعب جماهير جديدة من جميع فئات المجتمع المصري، أي تحديداً الطلاب الذين التحقوا بتخصصاته العلمية الجديدة، كالهندسة والطب والزراعة وإدارة الأعمال. وبالإضافة إلى ذلك، وكما أوضحت مليكة الزغل، استطاعت الجامعة غرس مضامين دينية في تلك التخصصات العلمانية. وأدى هذا الجانب من جوانب الإصلاح إلى «نتيجة عكسية» مذهلة تمثلت في تقوية وتعزيز منزلة وسلطة الأزهر. وهكذا، استفاد محمود من ذلك الإصلاح لتجديد الأزهر من الداخل، ومن ثمَّ تمكين المؤسسة الدينية أن تبرز مجدداً كقوة لا يستهان بها على الساحتين السياسية والاجتماعية. (23) وفي فتوى بعنوان «تعزيز مؤسسات الأزهر» (أغسطس 1978)، أوجز الشيخ محمود تفسيره للقانون رقم 104 (24) وجادل بأن القانون صدر في سياق عملية التحرر الوطني في مرحلة ما بعد الاستعمار. وكجزء من هذه التطورات، أدركت القيادة وجوب دمج المؤسسة الدينية في المجتمع الحديث. ولذلك، فإن الإصلاح لم يحوّل جامعة الأزهر إلى جامعة حكومية عادية. فبخلاف الجامعات الأخرى، تنشر هذه المؤسسة الدينية المعرفة الإسلامية ليس فقط لجميع طلابها بما في ذلك أولئك الذين يلتحقون بالدراسة في التخصصات العلمية الحديثة؛ ولكن أيضا لعامة الناس. كما زعم محمود أن تعليم التخصصات غير الدينية ليس بدعة؛ لأن تعليم العلوم الحديثة لا يتعارض مع التعليم الديني. وأضاف أن التاريخ الإسلامي أثبت أن العلم والإيمان يكملان بعضهما. وهكذا، فإن بعض أفضل الأطباء والكيميائيين وعلماء الرياضيات كانوا من علماء الدين. وباختصار، أشار الإمام عبد الحليم محمود إلى أن القانون 104 جعل جامعة الأزهر مفتوحة لجمهور أوسع؛ وهو ما سهل مهمة العلماء في نشر الدعوة في المجال العام. الكفاح لتحويل مصر إلى دولة إسلامية أعاد محمود، في كتاباته ومحاضراته، تعريف الحداثة بمصطلحات إسلامية وعَرَّفَ الهوية الوطنية الإسلامية لترتكز على الأخلاق الإسلامية والتشريع الديني. وامتنع عن نفي المعرفة الغربية ككل، بل جادل بأنها لا تتعارض مع الإسلام. كما صادق على المعرفة «العلمانية» الحديثة، عبر تعريفها كجزء من تراث الإسلام وتاريخه. وبالنسبة إلى محمود، فإن جميع الحلول اللازمة لمواجهة تحديات الحداثة يمكن العثور عليها في نظام المعرفة الشامل الذي يوفره الإسلام. وبعكس المسيحية، لم يتأسس الإسلام على مجرد الإيمان بقدرة الله؛ ولكنه تأسس على شريعة إلهية متطورة ومفصلة تشمل مجموعة كبيرة من المبادئ الإلزامية. وبالمثل، غطّت الشريعة جميع ج وانب حياة المؤمن وغرست فيها معنى ومحتوى روحيا. وباعتبارها إطارا قانونيا وأيديولوجيا، لا يمكن تحقيق الإسلام، وفقاً لمحمود، إلا في دولة إسلامية تخضع لحاكمية الله. (25) ودعا محمود، خلال فترة توليه منصب وزير الأوقاف ونائب الإمام الأكبر للأزهر، القيادة السياسية إلى إعادة تأسيس مصر لتصبح دولة إسلامية. وأكد أن الظروف السائدة في مصر كانت مهيأة لهذه الخطوة. ... ... ... هوامش المترجم: (*) يقول المؤلف في الهامش رقم (19): ويجادل هيبارد بأن السادات قام بتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية كخطوة أولية في خطة تحوله نحو الغرب. وهكذا، بدأت فترة أصبحت فيها قيادات دول الخليج تضخ المال لتعزيز الإسلام المحافظ في جميع أنحاء المنطقة، وخصوصاً مصر. وقدم الملك فيصل، في عام 1971، للشيخ عبد الحليم محمود 100 مليون دولار لصالح حملته ضد الشيوعية والإلحاد. وجرى استثمار هذا المبلغ في توسيع الحرم الجامعي للأزهر وفروعه في جميع أنحاء مصر. (العيسى) يتبع حمد العيسى - الدار البيضاء hamad.aleisa@gmail.com
مشاركة :