تشهد الدبلوماسية السعودية نشاطاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة؛ فقد قام الملك بجولة أسيوية، فيما زار ولي ولي عهده البيت الأبيض والتقى بترامب. تدل تلك الجولات على أن المملكة تحاول انتهاج سياسة جديدة في سياستها الخارجية. "اجتماع ولي ولي العهد والرئيس ترامب نقطة تحول تاريخية"، بهذه العبارة يلخص مستشار ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، العلاقات السعودية مع إدارة ترامب الجديدة. في الآونة الأخيرة، ساد خلاف حول العديد من القضايا العلاقات بين البلدين. إلا أن ولي ولي العهد يقول الأن وبكل مجاملة أن ترامب "صديق" للعرب. ويقول محمد بن سلمان بأنه لا يعتقد أن قرار منع مواطني ست دول من دخول أمريكا موجه ضد المسلمين. وأكثر من ذلك، فالأمير يقول أن أمريكا تريد حماية نفسها من الإرهاب. يعتقد سيمون هيندرسون من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أن "ترامب وإدارته أوكلت للسعودية دوراً مفتاحياً في الشرق الأوسط. ويمضي سيمون قائلاً أنه بعد سنوات من فتور العلاقات يبدو أنه من الممكن الآن الانطلاق ببداية جديدة. من الواضح بأن محمد بن سلمان يرغب باستغلال ذلك، ومن خلال كلامات المجاملة، التي لا يجدها كل المنتقدين مناسبة، وخصوصاً بعد المظاهرات المحلية والعالمية ضد قرار منع السفر. "علاقات متغيرة" غير أن كلماته أتت بمفعولها. "يشكل اللقاء نقلة كبيرة للعلاقات بين البلدين في كافة المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية"، يقول مستشار ولي ولي العهد السعودي بعد اللقاء. وعلى وجه الخصوص توافقت رؤيتي ولي ولي العهد السعودي مع ترامب في نقطة؛ ألا وهي "خطورة التحركات الإيرانية التوسعية في المنطقة"، والكلام دائماً للمستشار السعودي. في واقع الحال، فإن الرئيس ترامب وبانتقاده إيران أحدث قطيعة مع سياسة سلفه أوباما. شهدت العلاقات السعودية-الأمريكية توتراً في عهد إدارة الرئيس السابق أوباما ومن المعلوم أن توتراً شهدته العلاقات السعودية-الأمريكية في عهد إداراة باراك أوباما؛ إذ رأت الرياض أن الحوار السعودي-الإيراني جاء على حساب الشراكة الأمريكية-السعودية، الممتدة عبر عقود من الزمن، حسب ما كتبت مجلة "فورين بوليسي" الشهيرة. "تعتقد السعودية أنّ أوباما أحدث عمداً فراغاً بالمنطقة، تملؤه إيران الآن. وتعتقد السعودية أن إيران تهدف لنشر الفوضى والعنف وصولاً لاستهداف العائلة الحاكمة السعودية نفسها". نزاعات عسكرية وأيدلوجية في الوقت الراهن، تتنازع إيران والسعودية في العديد من الساحات وعلى مستويات عدة. فالسعودية تقاتل الحوثيين في اليمن، والذين تعتبرهم ممثليين لإيران في اليمن. وتعتقد السعودية أن إيران تريد الحصول على موطئ قدم لها من خلال الحوثيين في شبه الجزيرة العربية. وبالمثل تقف السعودية ضد إيران في سوريا. حيث تحولت الحرب هناك إلى نزاع متعدد المستويات ومعقد للغاية، تساند السعودية فيه المعارضة في حين تساند إيران بشار الأسد. مؤخراً، اشتبكت إيران والسعودية دينياً. ففي موسم الحج لعام 2015 لقي مئات الحجاج الإيرانيين خلال هلع جماعي حتفهم. وقد حملت إيران العائلة المالكة السعودية المسؤولية. ولم يتوقف التوتر بين الجانبين على ذلك، بل تفاقمت الأمور بينهما. "بالطبع يلعب العامل الطائفي دوراً في النزاع، وقد تم توظيفه من الطرفيين. غير أنه وبالأساس فإن الصراع هو على النفوذ وعلى السيطرة الجيواستراتيجية في المنطقة"، حسب رأي الخبير الألماني في الشؤون السعودية، سيبستيان زونس. اتهامات بتصدير الإرهاب من الناحية الأيدلوجية، فإن السعودية دولة قوية. وعلى الرغم من أن السعودية تعلن أنها ترغب بمحاربة الجهاديين، إلا أنها وفي الوقت نفسها تصدر الوهابية إلى أجزاء واسعة من العالم الإسلامي. الوهابية بمثابة أيدلوجية للمملكة وهي تفسير متشدد للمذهب السني. وحتى هنا في أوروبا نشطت السعودية ومنذ زمن بعيد. نورد هنا "أكاديمية الملك فهد" في مدينة بون كمثال. وقد جلب هذا النشر للوهابية كثيراً من النقد على السعودية؛ حيث يعتبرها كثير من النقاد راعٍ للإرهاب الجهادي. ومن جانبه، يعتقد الخبير زونس أن السعودية ليست مسؤولة بشكل مباشر عن ذلك. "يعود ذلك النشاط إلى دعاة دينيين وإلى جهات خاصة". أولئك هم من جعل الوهابية في الثلاثين سنة الأخيرة، ومن خلال المؤسسات الوقفية والجمعيات الخيرية والحجاج، تحظى بالقبول، حسب ما يرى زونس. ويضيف الخبير الألماني: "يمكن رؤية ذلك من منظار أنها مقابلة لإحداث توازن مع السياسة الشيعية التوسعية في المنطقة". العلاقات مع الصين بينما التقى ولي ولي العهد السعودي في أمريكا بالرئيس، اُستقبل والده، الملك سلمان، في الصين. وقد وقعت السعودية والصين في الزيارة على إعلان نوايا واتفاقات بفيمة 65 مليار دولار، حسب ما أوردت وسائل الإعلام الصينية الجمعة (16 آذار/مارس 2017). وقعت السعودية عقود بمليارات الدولارات مع الصين إلا أن العلاقات التجارية لم تكن وحدها ما تمحورت حوله الزيارة. فقد حدث تقارب بين البلدين من الناحيتين السياسية والعسكرية. ففي حين أن الصين تبحث عن حلفاء لها في وجه النفوذ الأمريكي في جنوب شرق أسيا، تحاول السعودية بعد أزمة علاقاتها مع أمريكا خلق شراكات جديدة. "أيقنت الرياض أنها لا يمكنها الاعتماد على علاقات دائمة ومستقرة مع الولايات المتحدة". وبالتالي وجهت السعودية نظرها شرقاً، حيث تلعب الصين هناك دوراً كبيراً. "تريد الصين أيضاً توسيع العلاقات العسكرية مع السعودية"، حسب رأي زونس. "نريد جعل الزيارة مناسبة لرفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى أعلى المستويات"، حسب مصادر حكومية. وبالطبع تأتي العلاقات الدبلوماسية ضمن هذه الرؤية. في خريف 2016، انتقدت الصين قانون "جاستا"، الذي يسمح بمعاقبة رعاة الإرهاب. وتلقى تلك المبادرات ترحيب من الدول المشتبه بدعمها للإرهاب. عبر عقود من الزمن اُعتبرت العلاقات السعودية الأمريكية ثابتة ومستقرة. اليوم تدرك الرياض أن الأمر لم يعد كذلك. وحتى أن الشراكات الطويلة الأمد يمكن وبسرعة أن تنتهي. لم تنس الرياض هذا الدرس. وبالتالي تتجه اليوم إلى البحث عن شركاء لها في كل أنحاء العالم. كيرستن كنب/خ.س
مشاركة :