حينما يَسأل الفقير: لِمَ أعيش على هذه الأرض؟!

  • 3/19/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

"أيها الشاب، لِمَ يحطُّ عليك اليأس هكذا؟!".. سألتني أستاذة لي في الجامعة، مستغربةً من ملامح وجهي التي يكسوها الغضب دائماً وطريقتي الساخطة في الرد على الأسئلة، فقلت لها: "هل يوجد ما يستحق الحياة يا سيدتي؟ هل هناك طاقة أمل واحدة أستطيع أن أنتزع ابتسامتي منها؟". أتى في مخيلتي لقاء مع شاب ملحد من منطقة عشوائية بإحدى ضواحي القاهرة، لا يجهر بإلحاده وإنما يعترف بسخطه على الحال التي يعيش فيها وعلى سبب وجوده هنا على هذه الأرض، فأردت أن أخفف عنه، تالياً عليه بعض أشعار محمود درويش؛ ومنها "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، فجحدني بعينيه التي لم تُغسل، ليس لقلة في الصابون، وإنما لانقطاع الماء بالمنطقة التي يعيش فيها، وهذا كان ظني التافه، ولكني بعد هذا اللقاء اكتشفت أنهم في المنطقة التي ينتمون إليها لا توجد مياه أصلاً ولا توجد مقومات الحياة الآدمية، فابتسمت على زعمي الأول وهو نقص الصابون والماء. التساؤل هنا: هل يوجد ما يستحق الحياة فعلاً؟ بالنسبة لصديقي الساخط، لا يعتقد أن الحياة تستحق أن تُعاش من الأساس، غاضب من أبيه الذي أتى به إلى هذه الحياة ويعبر عن ذلك بقوله: رجل ضاجع امرأة في ليلة سعيدة فأتت بي إلى دار الحزن والشقاء والتعب! يجب أن يضعوا قانوناً يجيز محاكمة الآباء المسيئين في حق الأبناء من خلال منحهم حياة يهرب منها الكثيرون حينما علموا أنها ستكون حياة الفقر والبؤس، ولكن حملتُها أنا الابن الذي لا يعلم ما سوف يقابل ولم يختر ما هو مقبل عليه. سؤال آخر: لم أنا مُطالَب بالاستمرار في الحياة؟ يعبر عن حالته بتعجبه من إصرار الفقراء ومعدومي الأمل على استمرار الحياة: لِمَ أستمر في عملية التعذيب الممنهج التي أتعرض لها طيلة حياتي منذ بداية اليوم إلى نهايته! فأنا أنام طيلة الليل في مساحة "50 سم بالعرض" مخصصة لي، بالإضافة إلى شعوري الذكوري كولد بالغ ينام في الغرفة نفسها مع أمه وأخواته الفتيات، البالغات منهن والقاصرات، أليست هذه معاناةً تستحق الشفقة يا سادة! ولكنها مجرد البداية، حيث يكمل بأنه يستيقظ فيقف في طابور؛ كي يدخل الحمام، وطابور ليحصل على الماء الذي يستخدمه أفراد الأسرة كافة طيلة اليوم، بالإضافة إلى طابور العيش الذي يستمر بالساعة، ممكن أقل أو أكثر، هل تعتقد أن الأمر هيّن؟ لا أعتقد، حيث تأتي اللحظة الأصعب وهي الحاجة إلى المال من أجل الخروج إلى مدرسته الثانوية.. "سحقاً!"، قالها صديقي الساخط، ولكن بلُغتِه وطريقته الخاصة، حيث قال: لا يوجد مال ولا توجد حياة، ولكن يوجد الكثير من المعاناة. سؤال: أليس لنا حق في الحياة الكريمة؟ يبتسم صديقي الساخط ويقول: هل ربنا -العياذ بالله- ظالم؟ فما الحكمة في كوني مُعاقَباً في الحياة؛ لأني مجرد مولود لأب فقير معدَم، لا يملك شيئاً سوى قدرته الذكورية العابثة التي يتفنن فيها بالتبرُّز علينا أطفالاً، وما عليه إلا أن يقول: الرزق على الله! ولكنه لا يعلم أن الله -أستغفره- قد نسانا في عشوائياتنا القاحلة وانتبه للأغنياء في القصور الفارهة وأصحاب المليارات التي لا يعرفون أين ينفقونها. هل يجوز لي أن أحيا مثل الأحياء بدلاً من أني مقبور هكذا كميِّت به روح يابسة؟! ولكني حينما أموت يا سيد، لن أجد كفناً من الأساس أو سوف أوصيهم بأن يلقوا عليّ غطائي المهلهل الذي لم يفارقني في الدنيا؛ ليكمل المشوار معي في الآخرة. أمر يدمي القلب فعلاً؛ لأني لم أستطع أن أهوّن على نفسي أولاً حتى أقول له كلمة تحبِّبه في الحياة، لكني تأملته قائلاً: أنت تستطيع أن تغير الواقع الأسود الذي تعيش فيه، فإذا كان أبوك مخطئاً في حقك، فهو أيضاً مَن وهب لك الحياة التي تستطيع أن تستثمرها وتحقق ما تريد. ملحوظة صغيرة مني يا صديقي العزيز: لا تتزوج ولا تُنجب؛ حتى تكون راضياً عما أنت فيه ولا تكرر ما حدث لك فيما مضى. سؤال أخير: لِم أُحاسب وأنا لم أختر حياتي هذه؟! سوف تُحاسب يا صديقي؛ لأنك تحمل حق الحياة الذي تميزت به عن غيرك من الفانين، أما حق الحياة هذا فسوف تحمل جزءاً منه أنت حينما تصبح أباً، فإذا كنت تستطيع أن تتحمل أعباء الحياة وتستطيع أن توفر سُبل الرفاهية، فأنت تهب الحق في الحياة لأولادك عن طريق قُبلة الحياة. أما إذا كنت من البائسين على هذه الأرض ومارست قدرتك الجنسية في الإتيان بنسل جديد إلى هذه الحياة، فأنت تهب لهم حق الحياة من خلال تبرُّزك إياهم، ولا أعتقد أنهم سوف يسامحونك على هذه العملية القذرة التي فعلتها أيها المُعذَّب على الأرض. كلنا نملك حق الحياة، ولكن هنالك من يُعطى إليه من خلال قُبلة، وهناك من يُعطى إليه من خلال عملية الإخراج "التبرُّز". لذا لزم التنويه.. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :