نيران «الروسوفوبيا» تلتهم أوروبا وأمريكا

  • 3/19/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: عمار عوض مثل جذوة النار صار رهاب خوف أوروبا وحليفتهما أمريكا من روسيا يتقد شيئاً فشيئاً حتى صارت «الروسوفوبيا» كرة من اللهب تكاد تلتهم السياسة العالمية، ما بين شواهد بعضها يعوزه الدليل مثل تدخل موسكو في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، و قضايا ضبط فيها الدب الروسي متلبساً في الانقلاب الذي حدث في جمهورية الجبل الأسود عضوة الاتحاد الأوروبي، وعمليات التهكير التي طالت أجهزة حاسوب لجنة انتخابات هولندا، ومقر مرشح الوسط الفرنسي ايمانويل ماكرون، في ظل مخاوف في ألمانيا من تدخل روسي في انتخاباتها، بعد أن أكد الأمن البريطاني تدخل رجال بوتين في انتخابات بلادهم عام 2015، وعلى الضفة الأخرى يتهكم قادة الكرملين على اتهامات الأوروبيين والأمريكيين، ويقولون: إذا ارتفعت أسعار «البندورة» في بلادهم فسيتهمون روسيا بذلك، بينما يرى كتاب أوروبيون أن «الروسوفوبيا» مرض أصاب القارة العجوز ولن تشفى منه، في وقت رأى فيه آخرون أن الغرب عموماً لم يأمن جانب الروس، رغم سقوط الاتحاد السوفييتي، ويعمل على شيطنة موسكو لأنه لا يستطيع العيش إلا في ظل وجود عدو متوهم أو حقيقي.ظلت الروسوفوبيا حالة تعيش في أضابير الكتاب والصحفيين والمحللين السياسيين، إلى أن خرجت إلى العلن بشكل رسمي خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة، عندما أشار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى حدوث تغير جذري في العلاقات بين موسكو وواشنطن، متهماً الجانب الأمريكي باتخاذ خطوات عدائية تجاه روسيا، وقال لافروف في حديث إلى القناة الأولى الروسية: «سجلنا تغيراً جذرياً للظروف فيما يخص الروسوفوبيا العدائية التي تستند إليها حالياً السياسة الأمريكية. والحديث لا يدور عن تصريحات معادية لروسيا فقط، بل وعن خطوات عدائية تمس بمصالحنا وتعرض أمننا القومي للخطر».وذلك أثناء ما كانت الصحافة الأمريكية تنبش خلف المرشح وقتها دونالد ترامب وعلاقته مع موسكو والتي واصلت في نبشها إلى أن استطاعت إثبات وجود علاقة بين مستشار الرئيس للأمن القومي، مايكل فلين والسفير الروسي في واشنطن، ما قاد إلى سرعة استقالة أو إقالة المسؤول الأمريكي، وردت الخارجية الروسية يومها على لسان متحدثتها، ماريا زاخروفا، إن علاقات موسكو وواشنطن وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ الحرب الباردة قبل أن تضيف، إن معارضي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يستخدمون رهاب روسيا أو «روسو فوبيا»، لأجل النيل من مصداقيته، لتشن الخارجية الروسية حملة قوية بعدها على ما وصفته ب «مساعٍ لتأجيج الروسوفوبيا».ومن جانبه، أعرب رئيس لجنة الشؤون الدولية التابعة لمجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، عن مخاوفه بأن «الروسوفوبيا قد أصابت الإدارة الأمريكية الجديدة» هي الأخرى، قائلاً، إن «الصقور» في واشنطن اعتبروا استعداد مايكل فلين، المستشار السابق للرئيس الأمريكي للحوار مع الجانب الروسي «جريمة تفكير». وكتب كوساتشوف، في حسابه على موقع «فيسبوك» الثلاثاء 14 فبراير/ شباط الماضي: «إما لن يتمكن ترامب من الحصول على الاستقلالية التي كان يسعى إليها، ويتم عزله (وبنجاح)، وإما أصابت الروسوفوبيا الإدارة الجديدة هي الأخرى من الأعلى حتى الأسفل». هواجس أوروبية وبعيداً عن الولايات المتحدة نجد أن الدوائر السياسية في بريطانيا، اعترفت بهواجس أوروبية من «الروسوفوبيا» حيث أشار الخبير بمركز الدراسات الدولية في لندن، بيتر جيرلاد، إلى أن المخاوف الأوروبية تصاعدت مع تصاعد «النفوذ الروسي» في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، والذي يسعى لعودة «إمبراطورية الشرق الأوروبي» بإحياء نزعة القومية «السوفياتية» السابقة.. ويرى الخبير البريطاني، أن مؤتمر ميونيخ للأمن الأوروبي، لم يخف الهواجس من دور روسيا في القارة الأوروبية، والاتهامات المتواصلة لموسكو بمحاولة التأثير في المسارات السياسية والاستحقاقات الانتخابية في أكثر من بلد أوروبي.. وكان الوزير البريطاني السابق للشؤون الأوروبية، كريس براينت قال الأسبوع الماضي، إن روسيا تدخلت بانتخابات بلاده عام 2015، في تقرير لصحيفة «إندبندنت» البريطانية، اليوم، كشف براينت للبرلمان عن عدة أمور خطيرة تمس الأمن القومي لبريطانيا قائلاً: «بات واضحاً الآن تدخل روسيا في انتخابات فرنسا وألمانيا وأمريكا، وكذلك بريطانيا»، بينما قال وزير العمل السابق، بن برادشو، إن احتمال تدخل روسيا باستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «كبير»، وهو الفرض التي لم تجد له الحكومة دليلا. وبحسب الصحيفة، تداولت مصادر أمنية أنباء هجوم روسيا الإلكتروني على بريطانيا في أعقاب انتخابات مايو/أيار 2015، ثم انتشرت تقارير جديدة تفيد بتدخل الكرملين في الانتخابات الأمريكية عبر اختراق حسابات الحزب الديمقراطي، لمساعدة ترامب على الفوز بالرئاسة.اجتماعات الأطلسي وكانت التدخلات الروسية في أوروبا حاضرة بشكل قوي جداً على طاولات اجتماعات حلف الأطلسي في ميونخ الشهر الماضي، ما أعاد إلى الأذهان ذكرى الحرب الباردة، ما جعل مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، للقول إنها لا ترى «أجواء» حرب باردة جديدة بين موسكو والغرب، على الرغم من تحذير رئيس الوزراء الروسي من تصاعد التوتر بين الجانبين. وكان المؤتمر قد شهد تقديم تقرير أعدته مجموعة من المراكز الاستراتيجية الغربية المؤثرة (تينك تانك) رأى مقدموه أن الغرب الممثل بمؤسساته العالمية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي (ناتو)، وأنظمته الديمقراطية، والتجارة الحرة، والتصورات الليبرالية المنفتحة لشعوبه بات بمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية الراهنة مهدداً في وجوده وعلى شفير الانهيار.. وحمل التقرير الواقع في تسعين صفحة عنوان «ما بعد الحقيقة، ما بعد الغرب، ما بعد النظام»، وتم الإعلان عنه بموازاة انطلاق الدورة السنوية ال53 لمؤتمر ميونيخ، بحضور رؤساء ثلاثين دولة، وتناول التقرير تصاعد تأثير دور روسيا في الغرب.وفي المقابل أكد تقرير مواز من مركز موسكو للدراسات الاستراتيجية، أن موجة «الروسوفوبيا» في أوروبا، لا أساس لها، مثل تأجيج المشاعر القومية في بلدان أوروبية عبر تنظيم مؤتمرات دورية لغلاة المتشددين وإقامة اتصالات معهم، والترويج لمصطلح «منطقة النفوذ الحيوي لروسيا»، وأن روسيا تفرض خيارات بين «الجحيم الأوروبي أو نعيم العلاقات مع الشقيقة الكبرى روسيا».. وهي مزاعم تعيد إحياء زمن الحرب الباردة. خبراء على الخط عن هذه الكراهية والقلق الغربي حيال الروس تحدث الكاتب الصحفي السويسري، غي ميتان في كتاب عنوانه «روسيا والغرب - حرب الألف عام» وعناوين فرعية منها «الكره الغربي لروسيا منذ عهد شارلمان وحتى الحرب الأوكرانية» و«لماذا نكره روسيا لهذه الدرجة» يقول ميتان في حوار مع مجلة لوفيغارو الفرنسية حول الكتاب، وهو مؤرخ ورئيس نادي الصحافة السويسرية «إذا كنتم تقرؤون الصحافة الغربية من أمريكية وبريطانية وألمانية أو وسائل إعلام فرنسية كالتليفزيون مثلاً، فإنكم تجدون أنه وبطريقة ممنهجة يتم وصف روسيا بأنها عنصر سلبي في العلاقات الدولية وأنها سلبية بالنسبة لأمن أوروبا وبالمفهوم الديمقراطي وحقوق الإنسان وهذه مشكلة، أنا لا أقول إن روسيا كاملة المواصفات وأن الرئيس بوتين هو الزعيم الأفضل في العالم، ليست هنا المشكلة، ما نستطيع رؤيته -إذا بذلنا جهوداً لنكون منصفين أو محايدين- هو أن تصرفات روسيا تهدف إلى الدفاع عن مصالحها الخاصة، فهي تفعل ذلك مثلها مثل أي بلد آخر في العالم ليس أفضل وليس أقل». ومن جهته اعتبر العالم البلجيكي كريس رومان مدير مركز الأبحاث الجيوسياسية «Euro-Ru»، أن «روسوفوبيا» مرض إذا «أُصبت به، ستصبح غير قابل للشفاء»، حيث يرى، أن وسائل الإعلام الغربية استخدمت كل فرصة لتشويه كل ما يجري في العالم، لأنهم ببساطة يفضلون إلقاء اللوم على روسيا ويقول رومان: «وسائل الإعلام لدينا تفضل، بكل بساطة، التزام الصمت لكي لا يتم القبض عليها وهي تكذب.. الشعار الرسمي هو إلقاء اللوم على روسيا». وعن جذور الروسوفوبيا يقول الكاتب غي ميتان، هناك فكرتان (كليشات قديمة متجذرة لدى رجال الدين على اختلافهم) بأن الخط الذي يمر على طول الحدود مع السويد وفنلندا وبلاد البلطيق وبولونيا وإلى شرق أوكرانيا هو تقريباً خط يفصل بين البلدان الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذوكس وقد كان هذا الخط منطقة نزاعات خلال قرون، إنه تقسيم قديم جداً بقي قائماً بقوة فعندما تتصرف روسيا وحدها وبحسب إيديولوجيتها يعود الخط للظهور من جديد، فإن تقوَ روسيا يقوَ العداء ضدها، وإن ضعفت فلا بأس، ليس هناك من مشكلة ويوم غابت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كتب بريجسنكي مستشار الرئيس السابق كارتر كتاباً بعنوان، «رقعة الشطرنج الكبرى» يشرح فيه أسباب وجوب تقسيم روسيا إلى ثلاثة أجزاء، لأن فكرة أن تكون روسيا قوية وحليفة للصين أو آسيا قوية أمر غير مقبول، فهو يرى فيها تنافساً إيديولوجياً وخاصة جيوسياسياً، كما أن روسيا تشكل مساحة مهمة أيضاً لاستقرار أسواق آسيا الوسطى يتبع جزئياً لروسيا والصين. طرق عمل وتشير الدوريات الأمنية الأوروبية إلى أن روسيا تنتهج إلى جانب أسلوب «تهكير المعلومات» لمساعدة حلفائها في الانتخابات، تقديم دعم إعلامي كبير عبر أذرعها الإعلامية الممثلة في قناتي «روسيا اليوم» وسبوتينك المتهمتان من البرلمان الأوروبي بأنهما وسيلتا «دعاية» للرئاسة الروسية، التي تنفي وتنفي ذلك، رغم تمويلها من الحكومة أنها تعمل ذراعاً دعائية للكرملين، وتقول، إنها تقدم وجهة نظر بديلة يتجاهلها الإعلام الغربي السائد. كما تقدم خدمات إعلامية موجهة لبعض الدول بلغاتها المحلية، إلى جانب إنشاء عدد من الحسابات لمواقع أخبار تبث معلومات مغلوطة للتأثير على الرأي العام على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وكان المرشح الفرنسي أمانويل ماكرون ندد بهجمات تشنها عليه وسيلتا إعلام روسيتان هما سبوتنيك وآر تي (روسيا اليوم)من خلال استضافة محللين يفتقرون للنزاهة بحسب وصفه، ويقومون بتدوير معلومات مغلوطة عنه للتأثير على الناخبين الفرنسيين، ومن جهة أخرى توقع مدير لجنة الانتخابات الألمانية ديتر ساررايتر أن تنتشر أخبار كاذبة في بلده أيضاً التي تشهد انتخابات برلمانية هذا العام، محذراً مواطني بلده من (احتمال انتشار) هذا النوع من الأخبار خلال الانتخابات البرلمانية. وقال سار رايتر «إن ما يسمى روبوتات الويب وكذلك أشخاص حقيقيون يمكن أن يؤلفوا أخباراً ملفقة، ويقومون بتضليل الرأي العام.» وكان وزير الخارجية الألماني، زيجمار جابرييل، أكثر صراحة عندما حذر روسيا من التدخل في المعركة الانتخابية القادمة في البرلمان الألماني «بوندستاج». قبل أن يقول بعد لقائه مع نظيره الروسي سيرجي لافروف: «على أي حال هناك افتراض بين ساسة ألمان أن خدمات الاتصال الخاصة بنا ليست خالية تماماً من مصالح دول أخرى في الاطلاع عليها». الكرملين يتهكم في المقابل يتهكم الكرملين على الاتهامات المتواصلة لموسكو بالتدخل والتأثير على المسارات السياسية والأمنية والاستحقاقات الأوروبية.. ويقول مسؤولون روس: يبدو أن كل مصائب أوروبا، من ارتفاع أسعار البندورة في إستونيا، إلى كساد موسم التفاح البولندي، بعض نتائج مؤامرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشق الصف الأوروبي وتحقيق انتصارات في القارة المتعبة!! بينما سارع المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف للتأكيد على أن الحديث عن تأثير وسائل الإعلام الروسية على الرأي العام في الخارج «أمر سخيف على الإطلاق»، مشيراً في ذات الوقت إلى أنه يمكن الترحيب بشعبية وسائل الإعلام الروسية في العالم ونجاحها في المنافسة في السوق الإعلامية العالمية. دلائل الإدانة هناك شواهد على التدخلات الروسية حيث كان المرشح الوسط الأوفر حظاً إيمانويل ماكرون أعلن مؤخراً عن تعرض موقع حملته ل«هجمات متكررة» من قراصنة يأتي «الكثير منها» من أوكرانيا، معتبراً أن موسكو أعلنت بأشكال مختلفة أنها تدعم منافسته مرشحة اليمين المتطرف مارى لوبان، بينما قالت صحيفة فولكستكرانت اليومية المرموقة 4 فبراير/‏ شباط 2017، إن مجموعتين روسيتين كانتا وراء محاولات قرصنة للحصول على معلومات موظفين في الحكومة ومن بينهم موظفون في مكتب رئيس الوزراء الهولندي، وأضافت الصحيفة أن محاولة قرصنة كانت فاشلة على ما يبدو، لافتة إلى أن الهجمات الروسية، ليست الوحيدة، وإنما واحدة من بين مئات الهجمات التي تعرضت لها الحكومة الهولندية قبل الانتخابات التي ستجري هذا الشهر.ونقلت الصحيفة عن خبراء أمن قولهم، إن المجموعتين هما «إيه بي تي 29» و«إيه بي تي 28»، المرتبطتان بالحكومة الروسية، وكشف عنهما مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ووزارة الأمن القومي، كانتا وراء «نشاطات معلوماتية بغيضة»، وتزداد المخاوف بشأن أمن أجهزة الكمبيوتر والمواقع الإلكترونية الهولندية منذ أن نشرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية تقارير بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الأمريكية لمساعدة دونالد ترامب على الفوز في الرئاسة، ما قاد السلطات الهولندية إلى إلغاء استخدام نظام كمبيوتر عمره عشر سنوات في الانتخابات العامة التي ستجرى اليوم ، إذ سيتم فرز ملايين الأصوات يدوياً، بعد تقرير كشف عن «ثغرات» في النظام.واتهم روب بيرثوليي، رئيس جهاز الاستخبارات الهولندي في مقابلة تلفزيونية، إن روسيا كانت وراء الهجمات المعلوماتية وأضاف «أعتقد أن هذا تهديد على ديمقراطيتنا. لأنهم سيستطيعون التدخل في عمل برلماننا والتأثير على عملية صنع القرار في الحكومة»

مشاركة :