المعارضة السورية ومسار «جنيف»

  • 3/20/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

حسام ميرومنذ 30 يونيو/ حزيران 2012، وهو تاريخ إصدار بيان «جنيف -1»، بدا أن المسار التفاوضي بين النظام السوري والمعارضة سيكون طويلاً، بل وحافلاً بالأزمات، فالبيان الذي وصف آنذاك بأنه يحمل سمة «الغموض البناء» ترك الأبواب مشرّعة على تأويلات عدة، خصوصاً بما يتعلق بمآل العملية الانتقالية، التي تعدُّ حجر العثرة الأساسي في عملية التفاوض، ليس فقط بين أطراف الصراع في سوريا، وإنما بين أطراف الصراع الإقليميين والدوليين.بعد أيام من صدور «جنيف 1»، وعلى إيقاعه، جاء مؤتمر «توحيد المعارضة السورية» في القاهرة، في يومي 2و3 يوليو/ تموز من العام نفسه، وقد أتيحت لي فرصة المشاركة في صياغة وثيقتيه النهائيتين مع زملاء آخرين من قوى المعارضة (وثيقة العهد الوطني، ووثيقة توافقية حول المرحلة الانتقالية)، وكان واضحاً أن هذا المؤتمر الذي جاء ليوّحد المعارضة هو نفسه الذي سيعلن الطلاق البائن بين قواها؛ إذ امتنعت قوى عدة عن تشكيل أي هيئة قيادية للمعارضة، أو في الحدود الدنيا تشكيل «هيئة متابعة»، خصوصاً القوى المنتمية إلى «المجلس الوطني»، ومن المهم الإشارة إلى أن ذلك الفشل في إنتاج قيادة موحدة للمعارضة سينعكس على كل المآلات التالية ل«الثورة السورية»، بما فيها مسار التفاوض.عوّل قسم من المعارضة على تحفيز المجتمع الدولي من أجل التدخل العسكري، في محاكاة هزلية لما حدث في ليبيا، بينما رأى الخط الآخر للمعارضة، أن موسكو لن تسمح بتجاوز إرادتها كما حدث في ليبيا، وبالتالي فإن الحل السياسي هو الحل الوحيد الممكن، ومن هذا المنطلق ظل هذا الخط على صلة بموسكو، لكنه كان، ولعوامل عدة، يخسر مواقعه على المستوى الجماهيري، خصوصاً مع اشتداد العنف الذي مارسه النظام.في ديسمبر/ كانون الأول 2012، تمّ تشكيل «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، الذي حصل على دعم دولي كبير لعمله السياسي، وهو الدعم الذي سيعزز موقعه في «جنيف2»، ما جعله يعتقد أن ما يتمتع به من دعم دولي سيكون كافياً لجعله طرفاً رئيسياً في التفاوض، وأنه سيتمكن عبر ذلك الدعم من فرض نفسه كبديل عن النظام السياسي القائم، دون أن يمتلك قراءة موضوعية لواقع العلاقات الدولية، خصوصاً في ظل إدارة أوباما، التي أولت ملف التفاوض مع إيران الأولوية على حساب غيره من الملفات، إضافة إلى تصوّر استراتيجي أمريكي رسّخه أوباما منذ ولايته الأولى، يقوم على مبدأ عدم الانخراط المباشر على الأرض، مستفيداً من درسي أفغانستان والعراق المُكلفين.إن النظام السياسي السوري، وبما يملكه من خبرات تراكمت عبر عقود، يدرك أنه من الخطأ رفض القرارات الدولية، أو التغاضي عن التوافقات الدولية، لكنه يدرك أيضاً بأن تلك القرارات أو التوافقات يمكن تمييعها، وجعلها فارغة من أي مضمون؛ ولذلك فقد تبنى استراتيجية طويلة المدى تقوم على سحب البساط من تحت أقدام المعارضة السياسية، وإفراغ جعبتها من أية أوراق تفاوض حقيقية، وهو ما عمل عليه بكل جدية، تاركاً الجغرافيا السورية مفتوحة أمام «الجهاديين»، ودافعاً بآلته التدميرية قوى مجتمعية كثيرة للإيمان بأن السلاح هو المنقذ الوحيد من بطشه، معوّلاً في الوقت ذاته على ما نشأ من قوى «جهادية» ومتطرفة بأن تبثّ الخوف في قلب المجتمع الدولي من نمو التطرف والإرهاب، وهو يدرك تماماً موقع مسألة الإرهاب في ذهن المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة والغرب بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001.أما «الائتلاف الوطني» فلم يدرك مشكلة الانفصال السياسي عن العسكري في وضع مثل الوضع السوري، وأصبح مع الوقت جسماً سياسياً معزولاً عن القوى التي تقاتل النظام، والتي تنتمي بمعظمها إلى التيار الإسلامي المتشدد، ولم يسعَ جدياً إلى تحويل «الجيش الحر» إلى جيش وطني، والأسوأ من ذلك أنه لم يدن «جبهة النصرة» التي تم وضعها على لائحة التنظيمات الإرهابية، وفقاً لقرار أممي، وهو ما يعكس حالة من عدم الوعي بكيفية التعاطي مع المجتمع الدولي، وضرورة عدم التناقض مع القرارات الأممية في العمل السياسي.كما سمحت حالة الهشاشة التي وصل إليها «الائتلاف الوطني» ببروز منصّات معارضة جديدة، في الوقت الذي لا يمتلك فيه رفض وجودها، قياساً إلى الأزمات التي مرّ فيها، وهو ما يجعله طرفاً من بين أطراف أخرى في المفاوضات مع النظام، وهو ما يعد تراجعاً كبيراً عن المكانة التي تبوأها في «جنيف2»، الأمر الذي يعني أيضاً تراجعاً في مواقف الدول التي أسهمت في تشكّله، وراهنت عليه.إن الموقع التفاوضي للمعارضة السورية اليوم، وبغض النظر عن رؤاها السياسية، هو موقع ضعيف تفاوضياً، فنتائج التفاوض السياسي بين طرفين لا تتعلق بمدى أخلاقية كل طرف، أو صوابية رؤيته السياسية، بل بما يمتلكه من أوراق تفاوضية، وهو ما يجعل السؤال الأساسي هو: ما الأوراق التي تمتلكها المعارضة السورية؟ما يخشى منه اليوم، هو أن يكون موقع المعارضة لا يؤهلها إلا لما يريده النظام وحلفاؤه، أي إعادة الشرعية للنظام، من خلال عملية محاصصة، ترضي بعض وجوه المعارضة السياسية، وتحوّل كل الجهود إلى عملية مكافحة الإرهاب. husammiro@gmail.com

مشاركة :