تنظم الجامعة الأميركية في بيروت تحيّة تكريمية للممثل الكوميدي الراحل شوشو، وذلك ضمن محاضرة يلقيها رفيق دربه الكاتب فارس يواكيم بعنوان «مسرح شوشو وبيروت الستينات والسبعينات». وتأتي هذه اللفتة كواحدة من نشاطات برنامج «جامعة الكبار» التابع للجامعة الأميركية، الذي يتوجّه إلى الأشخاص ما فوق الخمسين عاما من خلال صفوف خاصة يتبعونها في مجالي التعليم والثقافة مما يعطيهم الفرصة لتبادل المعرفة وتزودّهم بالجديد منها. ويتحدّث يواكيم بمناسبة مرور 43 عاما على غيابه عن شوشو الممثل والإنسان انطلاقاً من المكان والزمان اللذين واكبه فيهما في مشواره الفني، ومروراً بالنجاح الكوميدي الاستثنائي الذي حققه في مسرحه، وصولا إلى ذكرياته معه حتى لحظاته الأخيرة. «من المؤسف أن نمر اليوم قرب المكان الذي كان يقع فيه مسرح شوشو (المسرح الوطني اللبناني)، في منطقة البرج وسط بيروت دون أن نرى إشارة أو يافطة يلحظان ذلك». يقول فارس يواكيم الذي كتب غالبية مسرحيات الممثل الراحل على مدى سنوات كثيرة. وتابع: «لقد كان فناناً من رأسه حتى أخمص قدميه، فشكّل ظاهرة فنية بحد ذاتها لن تتكرر، فهل يعقل أن لا يتم تكريمه ولو بلوحة تذكارية توضع مكان موقع مسرحه؟». يتذكّر فارس يواكيم مشواره مع شوشو ويقول: «أحزن اليوم عندما أمر بتلك المنطقة الواقعة ما بين شارعي العزارية ومسجد محمد الأمين وسط بيروت، فلا أرى أثراً لذلك المسرح الذي كان يقف عليه شوشو وفريقه يومياً دون انقطاع ليحاكي جمهوره بلغتهم الشعبية والعفوية معاً». وتأخذه ذكرياته إلى تلك الحقبة ما بين الستينات ومنتصف السبعينات عندما كانت بيروت تعيش حقبتها الذهبية، وتضجّ بالنشاطات والأحداث الفنية والثقافية. وليعرّج فيها على خشبات أخرى تقع في منطقتي القنطاري وعين المريسة (مسارح بعلبك وبيروت وفينيسيا) التي مجتمعة لم تستطع أن تنافس مسرح شوشو. «لقد كان مكتبه يقع مقابل المسرح فيصله نحو الخامسة بعد الظهر وليتوجه في السابعة مساء إلى صالة المسرح أي قبل ساعتين من بدء عرضه، ليتنشق رائحة الخشبة الأمر الذي كان يحفّزه على تقديم الأفضل». يروي فارس يواكيم في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» مضيفا: «كلّ فنان عملاق تتملّكه الرهبة قبل تقديمه أي عمل، وهذه كانت حالة شوشو الذي كان لا يتوانى عن طرح السؤال وراء الآخر على موظف مكتب حجوزات التذاكر، مستوضحا منه أحدث أخبارها». عرف فارس يواكيم الممثل الكوميدي الراحل عن كثب وهو يصفه بالفنان المسؤول والقلق دائما على نتيجة أعماله وعلى ردود الفعل تجاهها، وما زال حتى اليوم يذكر واحدة من لحظات الخوف التي عاشها شوشو في عام 1970 عندما كان يقدّم مسرحية (اللعب على الحبلين)، وذلك إثر انفصاله عن شريكه في المسرح نزار ميقاتي. وكان قد كتبها له ريمون جبارة وأخرجها برج فازليان، وشارك فيها كلّ من نبيه أبو الحسن وفريال كريم وتيودورا الراسي. «لقد كنت واحداً من الحضور وشاهدت في المقاعد الأمامية رشدي أباظة وتحية كاريوكا. وفي الفصل الثاني منها تنبّهت إلى خروج بعض الحاضرين منها، وعندما هممت في التوجه إلى كواليس المسرح لأستفهم عما يجري بالفعل، التقيت بالصحافي وجيه رضوان الذي أعلمني بأن الرئيس المصري جمال عبد الناصر توفي، وأن الدنيا انقلبت رأسا على عقب في بيروت، فأطللت برأسي إلى شارع بشارة الخوري لأراه مظلماً لا حركة فيه، فعرفت أن الوضع متأزّم في لبنان. أما شوشو الذي كان يراقب الوضع من وراء الكواليس فكان لا يعلم بالحدث الذي جرى، إلا أن الشعور بالخوف انتابه عندما رأى فلولا تغادر مسرحه، فتقدّم من إبراهيم مرعشلي (أحد أعضاء فريقه المسرحي) وقال له: «شو قولك غلطنا بس تركنا نزار؟». ويتحدّث يواكيم عن شخصية شوشو الإنسان واصفاً إياه بالطيب والإنساني إلى أبعد حد، وبالوطني الذي لا يحب الاستزلام لأي كان. «لقد كان رجلاً حزيناً جداً، الهموم تأكل أفكاره، وكان مثقلاً بالأمراض (الكلى والقلب والمعدة). كان يدخّن أكثر من ثلاث علب سجائر، ويرتشف كميات من القهوة تتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين فنجاناً في اليوم الواحد، كما كان يرزح تحت الديون التي فاقت نسبها المعقول». أذكر في إحدى المرات عندما كان مريضاً في المستشفى أن زاره السفير الليبي لدى لبنان عارضاً عليه المساعدة المالية بعدما انتشرت أخبار ديونه المتفاقمة، فرد عليه قائلا: «عن أي ديون تتحدّث إنها مجرّد أخبار صحف». كثيرة هي ذكريات فارس يواكيم مع شوشو الذي يقول إن عمره كان قصيرا جدا؛ إذ توفي وهو في السادسة والثلاثين من عمره. «لا أعرف ماذا كان سيفعل أو يبتكر فيما لو بقي حياً حتى اليوم، إلا أنني متأكد أنه لم يكن ليرضى بأن ينزل من مستوى مسرحه الذي لم يستطع أحد حتى اليوم تكراره». ويختم: «لقد كان قبيل وفاته يحضّر لمسرحية جديدة بعنوان (زوجة الفران)، صمم أزياءها وديكوراتها غازي قهوجي على أن يتولى إخراجها يعقوب الشدراوي، فأجرى أكثر من ثلاثين بروفة تمثيلية منها، إلا أن اندلاع الحرب وتدهور حالته الصحيّة حالا دون ذلك فبقيت في الأدراج».
مشاركة :