في الوقت الراهن، تسعى روسيا إلى بسط نفوذها بمنطقة البحر الأبيض المتوسط. وفي الأثناء، يعتبر الجنرال الليبي، خليفة حفتر، من أبرز الشخصيات السياسية في المنطقة التي تحظى بدعم روسيا، في ظل سيطرته على جزء كبير من التراب الليبي. والجدير بالذكر أن حفتر يعتبر بمثابة ورقة ضغط بين يدي الكرملين، من المتوقع أن يستخدمها في أي وقت لمواجهة الاتحاد الأوروبي. في الحقيقة، نجح حفتر في كسب ثقة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خاصة أنه يعتبر "الرجل المطيع" للعديد من صنّاع القرار الروس. على العموم، تلقى حفتر تدريباً عسكرياً في الاتحاد السوفييتي. فضلاً عن ذلك، كان حفتر من أبرز المساندين للانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، ضد الملك محمد إدريس الأول، في سنة 1969. وكمكافأة لجهوده في إنجاح الانقلاب، عَين القذافي حفتر قائداً أعلى للقوات المسلحة. في المقابل، وعقب خسارة الجيش الليبي الحرب في تشاد أواخر الثمانينات، وأسْر عدد من الضباط الليبيين وعلى رأسهم حفتر، فقدَ الأخير كل الامتيازات التي كان يتمتع بها ومركزه داخل دولة القذافي. وإثر ذلك، توجه اللواء حفتر إلى "منفاه الاختياري"، بالولايات المتحدة الأميركية، التي دعمته في ثورته الفاشلة ضد القذافي، والتي قادها اللواء الليبي انطلاقاً من منفاه، سنة 1996. وفي سنة 2011، عاد حفتر إلى ليبيا، عن سن تناهز 73 سنة، بعد سقوط القذافي، ليتحول فيما بعد إلى أقوى رجل على الساحة السياسية الليبية. وسرعان ما تولى حفتر قيادة الجيش الليبي الذي كان يتكون بالأساس من الجنود التابعين لمعمر القذافي، والذين تلقوا بدورهم تكويناً عسكرياً في روسيا. حفتر يرفض الإعتراف بالحكومة الليبية ولئن تزعم حفتر الجيش الليبي، إلا أنه رفض الاعتراف بحكومة الوفاق بقيادة رئيس الوزراء الليبي، فايز السراج. وفي الوقت نفسه، تمكن مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، مارتن كوبلر، بعد أشهر من المفاوضات، من التوصل إلى خلق أرضية ملائمة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني في سنة 2015، ولكن حفتر رفض أن يعمل تحت إمرة هذه الحكومة. وفي وقت لاحق، قام حفتر بتنصيب نفسه مشيراً. وفي شهر شباط/فبراير الماضي، عرض السراج على حفتر منصب وزير الدفاع، خلال لقاء جمعهما بالقاهرة، إلا أن الجنرال الليبي استهجن هذا المقترح وبادر برفض هذا المنصب. ونتيجة لذلك، باءت محاولات السراج لاستمالة حفتر بالفشل، في ظل استمرار دعم كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين له. في الحقيقة، تسعى روسيا إلى بسط نفوذها على دول الربيع العربي، وذلك من خلال التحالف مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد. فضلاً عن ذلك، دخلت حكومة السيسي في مناورات مشتركة مع الجيش الروسي، علماً أن المناورات العسكرية من هذا القبيل بين الطرفين قد توقفت منذ عهد الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر. أما بالنسبة لليبيا، فيعتبر حفتر رجل روسيا الأول في المنطقة. زيارة على متن حاملة طائرات روسية خلال الأشهر القليلة الماضية، التقى حفتر في العديد من المناسبات كلاً من وزيري الخارجية والدفاع الروسيين. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أدى حفتر زيارة رسمية لحاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف"، حيث حظي باستقبال رسمي من طرف الوحدات العسكرية الروسية. وبالإضافة إلى ذلك، يسعى حفتر لخدمة المصالح الاقتصادية الروسية؛ إذ تعتبر ليبيا من أكبر مستوردي الأسلحة الروسية. وفي الوقت ذاته، وعد حفتر بتفعيل الاتفاقيات المبرمة مع الجانب الروسي والتي تم توقيعها في أثناء فترة حكم القذافي، فضلاً عن شراء أسلحة روسية بنحو ملياري دولار أميركي، في حال تم رفع حظر بيع الأسلحة المفروض على ليبيا. قوات خاصة روسية في ليبيا مقابل حصوله على الأسلحة، قام حفتر بتصدير النفط والغاز إلى روسيا؛ وذلك نظراً لأن الجيش الليبي يسيطر على معظم المنشآت النفطية شرق ليبيا. والجدير بالذكر أن إنتاج النفط الليبي قد شهد صعوداً صاروخياً من 300 ألف برميل إلى نحو 700 ألف برميل في اليوم. وفي إطار خطة دعم العلاقات الاقتصادية الروسية-الليبية، قام إيغور سيتشين، رئيس أكبر شركة نفط روسية (روس نفط)، بإبرام اتفاقية تعاون مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، في مجالي إنتاج النفط وتطوير حقول النفط الجديدة. وفي هذا الصدد، أوردت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، أن "هذا الاتفاق مهم للغاية؛ إذ إنه سيسمح لروسيا باستعادة العلاقات الاقتصادية مع الجانب الليبي، التي توقفت منذ سقوط القذافي". من جانب آخر، تتمركز العديد من القوات الخاصة الروسية في التراب الليبي. وفي هذا السياق، أقر الرئيس العام للشركة العسكرية الخاصة "آر إس بي"، أوليغ كرينيستين، بأن عدداً من موظفيه قد انتشروا في بنغازي؛ بهدف إزالة الألغام من مصفاة النفط وحماية ناقلات النفط من القراصنة. مالطا تحذر في الواقع، أنكرت روسيا حقيقة وجود أي قوات روسية تقاتل لمصلحة حفتر بليبيا، في حين نفت وزارة الدفاع الروسية حضور أي وحدات روسية على مستوى قاعدة عسكرية مصرية قريبة من الحدود الليبية. وفي الوقت نفسه، استبعدت وزارة الدفاع الروسية إمكانية إرسال المزيد من الجنود إلى ليبيا؛ نظراً لالتزامات الجيش الروسي في سوريا. في حقيقة الأمر، تحاول روسيا سحب البساط من تحت أقدام الدول الغربية في ليبيا في ظل عدم اللامبالاة التي أبدتها تجاه الوضع المتأزم بليبيا، حيث لم يعِر ترامب أي اهتمام للشأن الليبي. كما أن دول الاتحاد الأوروبي منشغلة في الوقت الراهن بأزمة اللاجئين غير الشرعيين. تعتقد العديد من الدول الأوروبية أن الحكومة الليبية ستعمل جاهدة لمنع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا، ولكنهم تناسوا أن نصف التراب الليبي يقع تحت سيطرة حفتر. من جهة أخرى، تتابع مالطا، أقرب الدول الأوروبية إلى ليبيا، الوضع الليبي من كثب، في حين تتنامى مشاعر القلق من مخلفات التغيرات الجذرية في ليبيا على استقرارها. وفي هذا الصدد، أعرب وزير الخارجية المالطي، جورج فيلا، عن مخاوفه من أن تأخذ روسيا بزمام الأمور فيما يتعلق بقضية اللاجئين. - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Spiegel الألمانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .
مشاركة :