يتنقل الشاب أحمد وسط جمع من النازحين في طريق موحل في انتظار لقاء عمه وعمته اللذين غادرا الجانب الغربي من الموصل بعد بدء معركة استعادة ثانية مدن العراق من تنظيم الدولة. ويأمل هذا الشاب البالغ من العمر 27 عاما ويرتدي معطفا رماديا أنيقا العثور على عمه وعمته قرب مخيم حمام العليل الذي يقع على بعد قرابة 15 كيلومترا جنوب الموصل.وقال أحمد وهو من سكان شرق الموصل؛ حيث يعمل كاسبا: «لا يسعني أن أصف شعوري عندما ألتقي مجدداً بعائلتي خصوصا بعد الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام عن المعارك والجوع والذل» الذي يتعرض له السكان المحاصرون. وأضاف بعد ساعتين من الانتظار بالقرب من المخيم: «لم أرهم منذ ستة أشهر. سنأخذهم إلى البيت». وتفرقت العائلات التي يعيش أفرادها على ضفتي النهر بسبب تدمير جميع الجسور الخمسة التي كانت تربط بينهما. ونادرا ما تمكن سكان الموصل من إجراء مكالمات وهو الأمر الذي غالبا ما يتم خلال ساعات الليل مع الحرص على عدم رفع صوتهم خشية الوقوع بيد التنظيم. ويقول أحمد الذي غطى الوحل قدميه وجواربه وهو يتفحص من حوله: «كنا نتصل بهم مرة في الأسبوع، قالوا لنا إنهم بخير، لكن مجرد تشغيل هاتفهم كان سببا كافيا لتعريض حياتهم للخطر». وحرم عناصر تنظيم الدولة على أهالي الموصل استخدام الهاتف النقال، ونفذوا إعدامات بحق أشخاص وجدوا معهم أجهزة نقالة، لخوفهم من تزويد قوات الأمن بمعلومات عن نشاطاتهم. ولا تمر دقائق حتى يأتي أحد ممن يبحثون عن أفراد من عائلاتهم ليستعيروا من أحمد هاتفه القديم. وحول أحمد، جلس مئات المدنيين على الأرض وغطى الوحل ملابسهم وبجوارهم أمتعة بسيطة وأطفال يرتدون ملابس لا تقيهم لا البرد ولا المطر. انقطاع لعدة أشهر وصلت شاحنة محملة بالأغذية، فاتجه نحوها جمع من النازحين وتسابقت أذرعهم لتلقف الصناديق التي راح متطوعون يوزعونها عليهم. فجأة سمع دوي طلق ناري أطلقه جندي في الهواء في محاولة عقيمة لتهدئة الحشد. قالت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية: إن أكثر من 180 ألف شخص فروا من المعارك التي تدور في الجانب الغربي لمدينة الموصل. وتم إسكان 111 ألفاً منهم في مخيمات للنازحين خصصتها الوزارة فيما لجأ نحو سبعين ألفاً إلى منازل أقرباء وأصدقاء في مناطق متفرقة في الجانب الشرقي أو حول الموصل. ووصل محمد بدر عابد إلى حمام العليل لاصطحاب عائلة شقيقته إلى منزله في قرية تبعد حوالي ثلاثين كيلومترا عن الموصل. ولم تصل عابد الذي يعمل في شركة كهرباء أي أخبار عن شقيقته منذ نصف عام، حتى تلقى مكالمة منها في اليوم ذاته. وقال عابد الأربعيني: «اتصلت بي عند السابعة صباحا وطلبت مني المجيء لاصطحابها... فرحت كثيرا، لم أصدق ذلك». وأضاف والابتسامة تغطي وجهه: «لم أسمع صوتها منذ ستة أشهر، لم أكن أدري ماذا حل بهم».;
مشاركة :