منذ العام 2005 شهد المتابعون لواقع الدراما السعودية تحولاً كبيراً ملموساً على مستوى حرية الطرح والتعبير في المسلسلات السعودية, كان النقد الكوميدي بمعيار أثقل مما اعتاد عليه المشاهدون, أصبحت القضايا المطروحة أكثر ملامسة لواقع حياة المجتمع وهمومه, بل كثيرة هي الأعمال التي كانت لها بصمة واضحة, فحجم حرية الطرح كان عالياً جداً وبشفافية تدل على استيعاب الواقع الجديد والمتغير والانفتاح الكبير الذي يشهده المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كانت المساحة مفتوحة على مصراعيها لطرح كل ما ينغص حياة الوطن والمواطن, هذا الواقع عكس بشكل واضح مستوى الطرح في المسلسلات السعودية, فقد كان مسلسل طاش ما طاش يعد للمنتجين والفنانين احد مقاييس الشفافية المطلوبة للعمل الفني, فما يطرح في مسلسل "طاش" يعطي إشارات واضحة لسقف الحرية المتاح للعمل الفني, من نقد لواقع المؤسسات الحكومية المماطلة في حقوق المواطنين, هكذا كانت أعمال درامية سعودية تسببت في فتح الملفات المهملة نقطة الارتكاز في المسلسل, وكذلك نقد المجتمع بأسلوب قاسي أحيانا بغية تغيير المسار وإيضاح مدى الخلل من السكوت على تصرفات بعض أفراده ممن ينتمون لتيارات مختلفة سواء كانو إلى اليسار أو اليمن أو المتشددين فكرياً ودينياً أو الداعين والساعين لتبني الفكر الليبرالي. حدود سقف الحرية في الدراما السعودية إن المتابع لما أنتج من مسلسلات سعودية منذ العام 2005 يستطيع أن يضع ملامح لسقف الحرية الموجود للمسلسلات حيث فرض الواقع وتفهم الجهات الحكومية أهمية رفع سقف الحرية في النقد ليكون العمل الدرامي احد عوامل تصحيح المسار وضبط المؤسسات والمجتمع, وهو ما سعى إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ توليه مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية, فقد رفع شعار الشفافية منذ أول أيام توليه دفة قيادة البلاد وطالب المواطنين بان يكونوا عونا له في مهمته القادمة وطالب الجميع بتولي مسؤولياتهم بقدر عالٍ من الكفاءة والمهنية والحرص على أداء المهام المنوطة بهم بلا تقصير أو توانٍ عن خدمة الشعب لما فيه رفاهية المواطن وتطوره وتلبية احتياجات التطور والتوسع في البنية التحتية. كل هذه الآمال والتطلعات لخادم الحرمين الشريفين ولادراكة أهمية أن يكون للشعب صوت ودور في إدارة وتوجيه بوصلة التنمية طالب الشعب بان يكون صوته وعينه ولسان حالة معبرا بكل شفافية حول كل ما يتعلق بالوطن وخدمته, وكنتيجة طبيعية لهذه العلاقة الراسخة بين خادم الحرمين والشعب كان النقد يطال الوزراء بكل أطيافهم من خلال ما يطرح في الأعمال الدرامية, وبينت الأعمال الدرامية مدى تأثيرها في رفع مستوى الشفافية, فالكثير من الأحداث التي وقعت رصدتها الدراما السعودية بعين الناقد اللاذع للإهمال والتسيب والاستخفاف بأرواح المواطنين مثلما حدث مع سيول جدة، والتي دفعت بشكل واضح لتبني الدولة لموقف صارم وحازم لمعرفة المتسبب بتلك الكارثة. وكمثال آخر للسقف الذي أصبحت تلامسه بل وتتجاوزه في بعض الأحيان الدراما السعودية طرح مشكلة " الشبوك" والتي أصبحت مشكلة تؤرق المواطنين في ظل قلة الأراضي التي يستطيعون امتلاكها لبناء منازل لأسرهم, ففي أكثر من عمل درامي طرحت مشكلة تشبيك الأراضي كقضية وطنية لم تعد تحتمل المزيد من التصرفات الفردية للمتنفذين وأصحاب المنافع على حساب الوطن والمواطن, وقضية الأخطاء الطبية التي تسببت بموت الكثيرين كانت أيضا إحدى أهم القضايا التي ارتفع بها سقف الحرية في نقد وزارة الصحة السعودية والتي على ضوء ماتم طرحه في عدة مسلسلات عملت على تفعيل دور لجنة الأخطاء الطبية واستحداث قوانين صارمة في هذا الصدد بينما كانت هذه القضية ولسنوات طويلة من القضايا التي يتم تجاهلها. ويتفق كثير من متابعي الدراما السعودية أن قضايا الرشوة والفساد الإداري والهدر المالي وسوء استخدام السلطة الموكلة لبعض المسؤولين في قطاعات حكومية هي الأكثر بروزاً في عدة أعمال وحلقات تتناول هذه المواضيع بسقف نقدي عالي الحرية, وهذا مالم يكن يتوفر لولا توجهات خادم الحرمين الشريفين الذي أدرك الواقع وأيد الشعب وفتح لهم الباب ليكونوا شركاء حقيقيين في البناء والتطور وتصحيح الواقع. قضايا وطن وهموم مواطن تستطيع أن تلمس فعلا مدى قرب الدراما السعودية من الأرض والمواطنين في السنوات الماضية, بينما كان الواقع في سنوات بعيدة لا تتجاوز الدراما التلفزيونية قصة عربية أو أجنبية تم سعودتها. إن المرحلة التي مرت بها المملكة بعد خروجها من آثار حرب الخليج الثانية, وتطلع المواطن السعودي إلى دولة أكثر تطوراً وحداثة وتوسعاً في البنية التحتية ونجاحاً في مشاريعها الوطنية حتم أن يكون الإعلام والدراما التلفزيونية تسير وفق نهج نقدي يسلط الضوء على مواطن الفساد والخلل لتكون دليلاً للوطن وشهادة انتماء لوطن يعتز بوعي أبنائه وحرصهم على أن يكون توجهه إصلاحي وانفتاحي كما يريد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود. الأعمال الدرامية السعودية والحرية يرى كثير من النقاد أن مسلسل "طاش ما طاش" هو أول مسلسل سعودي اقتحم الأماكن التي كان يصعب الحديث عنها في الشارع السعودي, وأول من غاص في أعماق الفساد الإداري المستشري في مؤسسات الدولة حيث كانت البداية بنقد موظفي البلديات وتعاملهم وفسادهم حتى وصلت إلى نقد منسوبي رجال الأمن المستهترين بحياة الناس من رجال مرور ومنسوبي الشرطة والهلال الأحمر وغيرها من القطاعات, ليرتفع بعد ذلك سقف النقد ليتناول جهاز هيئة الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال نقد تصرفات عدد من منسوبي هذا الجهاز مع المجتمع, ولتتسع الرقعة بعد ذلك وتشمل الدعاة المحرضين على القتال في مناطق النزاعات باسم الجهاد, والمستغلين للدين عبر الفضائيات.! والمعالجين بالطب الشعبي والمدعين لإخراج الجن من الدجالين الذين يستغلون الدين وحاجة وجهل الناس للثراء السريع. اختلف الناس وأصبح مسلسل "طاش ما طاش" حديث المجالس السعودية فهناك من أصبح يتخذ ضده موقفاً معادياً لمجرد أنهم تناولوا بالنقد بعض التصرفات وتجاوزات من يحسبون على الدين بينما قبل ذلك هم نفس الأشخاص الذين كانوا يعجبون بالنقد الموجه لأجهزة الدولة المقصرة في حق الوطن والمواطن. في عهد الملك عبدالله فقط ظهرت لقطات وصور له في مسلسلات سعودية بل ان الفنان فايز المالكي وعبر مسلسل "سكتم بكتم" قدم حلقة مظاهرة حب وولاء لخادم الحرمين الشريفين وكانت ذات حرية تعبير عالية جداً وجاءت الحلقة كرد شعبي واضح بموقف المجتمع من قضية المظاهرات والثورات حيث كانت الحلقة حديث المجتمع كونها جاءت بعد فشل الدعوات لإثارة الفتن, فكان تعبير فايز المالكي بلا حدود لسقف التعبير عندما اعلنها صريحة كموقف شعبي في حلقة "تأييد وتأكيد" للولاء والطاعة لقائد المسيرة الملك الطيب عبدالله بن عبدالعزيز.
مشاركة :